تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
حَثَّ الإسلامُ على عيادةِ المَريضِ، وجَعَلَها مِن حَقِّ المُسلمِ على أخيه. فعن أبي موسى الأشعَريِّ رَضِيَ الله عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((فُكُّوا العانيَ -يَعني: الأسيرَ- وأطعِموا الجائِعَ، وعودوا المَريضَ)) [1379] أخرجه البخاري (3046). . وعن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((عُودوا المَرضى، واتَّبِعوا الجَنائِزَ تُذَكِّرُكُم الآخِرةَ)) [1380] أخرجه أحمد (11445)، والطيالسي (2355) وابن حبان (2955). صَحَّحه ابنُ حبان، والألباني في ((صحيح الجامع)) (4109)، وصَحَّحَ إسناده شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (11445). . وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((ثَلاثٌ كُلُّهنَّ حَقٌّ على كُلِّ مُسلمٍ: عيادةُ المَريضِ، وشُهودُ الجِنازةِ، وتَشميتُ العاطِسِ إذا حَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ)) [1381] أخرجه أحمد (9032)، والبخاري في ((الأدَب المُفرِد)) (519)، وابن حبان (239). صَحَّحه ابنُ حبان، والألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) (404)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (9032). . وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((حَقُّ المُسلمِ على المُسلمِ خَمسٌ: رَدُّ السَّلامِ، وعيادةُ المَريضِ، واتِّباعُ الجَنائِزِ، وإجابةُ الدَّعوةِ، وتَشميتُ العاطِسِ)) [1382] أخرجه البخاري (1240) واللَّفظُ له، ومسلم (2162). . وفي رِوايةٍ: ((حَقُّ المُسلمِ على المُسلمِ سِتٌّ. قيل: ما هنَّ يا رَسولَ اللهِ؟ قال: إذا لقيتَه فسَلِّمْ عليه، وإذا دَعاك فأجِبْه، وإذا استَنصَحَك فانصَحْ له، وإذا عَطَسَ فحَمِدَ اللَّهَ فسَمِّتْه [1383] شَمَّتَ وسَمَّتَ: بمعنًى واحدٍ، وهو أن يدعوَ للعاطِسِ بالرَّحمةِ. وقيل: التَّشميتُ هو بمعنى: أبعَدَ اللهُ عنك الشَّماتةَ، وجَنَّبك ما يُشمَتُ به عليك. وأمَّا التَّسميتُ فهو بمعنى: جَعَلك اللهُ على سَمتٍ حَسَنٍ. يُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (4/ 141)، ((بهجة النفوس)) لابن أبي جمرة (4/ 187)، ((شرح الإلمام)) لابن دقيق العيد (2/ 19 - 23). ، وإذا مَرِضَ فعُدْه، وإذا ماتَ فاتَّبِعْه)) [1384] أخرجها مسلم (2162). . وعنِ البَراءِ بنِ عازِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((أمَرَنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بسَبعٍ، ونَهانا عن سَبعٍ، فذَكَرَ: عيادةَ المَريضِ، واتِّباعَ الجَنائِزِ، وتَشميتَ العاطِسِ، ورَدَّ السَّلامِ، ونَصرَ المَظلومِ، وإجابةَ الدَّاعي، وإبرارَ المُقسِمِ)) [1385] أخرجه البخاري (2445)، ومسلم (2066). . ومما ورَد في فضلِ عيادةِ المريضِ: 1- عن ثَوبانَ مَولى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((مَن عادَ مَريضًا لم يَزَلْ في خُرفةِ [1386] الخُرْفةُ بالضَّمِّ: اسمُ ما يُختَرَفُ مِنَ النَّخلِ حينَ يُدرِكُ. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (2/ 24). الجَنَّةِ، قيل: يا رَسولَ اللهِ، وما خُرفةُ الجَنَّةِ؟ قال: جَناها)) [1387] أخرجه مسلم (2568). . وفي رِوايةٍ: ((إنَّ المُسلمَ إذا عادَ أخاه المُسلمَ لم يَزَلْ في خُرفةِ الجَنَّةِ حتَّى يَرجِعَ)) [1388] أخرجها مسلم (2568). . قال النَّوويُّ: (أي: يَؤولُ به ذلك إلى الجَنَّةِ واجتِناءِ ثِمارِها) [1389] ((شرح مسلم)) (16/ 124). . 2- عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((مَن أتى أخاه المُسلمَ عائِدًا، مَشى في خِرافةِ [1390] أي: في اجتناءِ ثَمَرِها. يقال: خَرَفتُ النَّخلةَ أخرُفُها خَرفًا وخِرافًا. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (2/ 24). الجَنَّةِ حتَّى يَجلسَ، فإذا جَلسَ غَمَرَته الرَّحمةُ، فإن كان غُدوةً صَلَّى عليه سَبعونَ ألفَ مَلَكٍ حتَّى يُمسيَ، وإن كان مَساءً صَلَّى عليه سَبعونَ ألفَ مَلَكٍ حتَّى يُصبِحَ)) [1391] أخرجه أبو داود (3099)، وابن ماجه (1442) واللَّفظُ له، وأحمد (612). صَحَّحه الحاكم في ((المستدرك)) (1311) وقال: على شرط الشَّيخَينِ، وابن عبد البر في ((الاستذكار)) (7/427)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (1442)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (3099). . 3- عن جابِرِ بنِ عبدِ اللَّهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن عادَ مَريضًا لم يَزَلْ يَخوضُ الرَّحمةَ حتَّى يَجلِسَ، فإذا جَلسَ اغتَمَسَ فيها)) [1392] أخرجه أحمد (14260)، وابن حبان (2956)، والحاكم (1313) واللَّفظُ له. صَحَّحه لغَيرِه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (14260). وقد ذهب إلى تصحيحه ابنُ حبان، والحاكم على شرط مسلم، والألباني في ((صحيح التَّرغيب)) (3477) . 4- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن أصبَحَ مِنكُمُ اليَومَ صائِمًا؟ قال أبو بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه: أنا، قال: فمَن تَبعَ مِنكُمُ اليَومَ جِنازةً؟ قال أبو بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه: أنا، قال: فمَن أطعَمَ مِنكُمُ اليَومَ مِسكينًا؟ قال أبو بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه: أنا، قال: فمَن عادَ مِنكُمُ اليَومَ مَريضًا؟ قال أبو بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه: أنا، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ما اجتَمَعنَ في امرِئٍ إلَّا دَخَل الجَنَّةَ)) [1393] أخرجه مسلم (1028). . 6- عن مُعاذِ بنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((خَمسٌ مَن فَعَل واحِدةً مِنهنَّ كان ضامِنًا على اللهِ: مَن عادَ مَريضًا، أو خَرَجَ مَعَ جِنازةٍ، أو خَرَجَ غازيًا، أو دَخَل على إمامِه يُريدُ تَعزيرَه وتَوقيرَه، أو قَعَدَ في بَيتِه فسَلِمَ النَّاسُ مِنه وسَلِمَ مِنَ النَّاسِ)) [1394] أخرجه أحمد (22093)، والبزار كما في ((كشف الأستار)) للهيثمي (1649)، والطبراني (20/37) (55) واللَّفظُ له. صَحَّحه الألباني في ((صحيح الجامع)) (3253)، وحَسَّنه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (22093). . وفي رِوايةٍ: ((مَن جاهَدَ في سَبيلِ اللهِ كان ضامِنًا على اللهِ، ومَن عادَ مَريضًا كان ضامِنًا على اللهِ، ومَن غَدا إلى مَسجِدٍ أو راحَ كان ضامِنًا على اللهِ، ومَن دَخَل على إمامٍ يُعَزِّرُه كان ضامِنًا على اللهِ، ومَن جَلسَ في بَيتِه لم يَغتَبْ إنسانًا كان ضامِنًا على اللهِ)) [1395] أخرجها ابن خزيمة (1495)، وابن حبان (372) واللَّفظُ له، والطبراني (20/37) (54). صَحَّحها ابن خُزَيمة، وابن حبان، والألباني في ((صحيح موارد الظمآن)) (1319)، وصَحَّحَ إسنادها الحاكم في ((المستدرك)) (2485). . 7- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((خَصلاتٌ سِتٌّ، ما مِن مُسلمٍ يَموتُ في واحِدةٍ مِنهنَّ إلَّا كان ضامِنًا على اللهِ أن يُدخِلَه الجَنَّةَ: رَجُلٌ خَرَجَ مُجاهدًا، فإن ماتَ في وَجهِه كان ضامِنًا على اللهِ، ورَجُلٌ تَبِعَ جِنازةً، فإن ماتَ في وَجهِه كان ضامِنًا على اللهِ، ورَجُلٌ عادَ مَريضًا، فإن ماتَ في وَجهِه كان ضامِنًا على اللهِ، ورَجُلٌ تَوضَّأ فأحسَنَ الوُضوءَ ثُمَّ خَرَجَ إلى مَسجِدٍ لصَلاتِه، فإن ماتَ في وَجهِه كان ضامِنًا على اللهِ، ورَجُلٌ أتى إمامًا، لا يَأتيه إلَّا ليُعَزِّرَه ويوقِّرَه، فإن ماتَ في وَجهِه ذلك كان ضامِنًا على اللهِ، ورَجُلٌ في بَيتِه لا يَغتابُ مُسلِمًا، ولا يَجُرُّ إليه سَخَطًا ولا يُنقمُه، فإن ماتَ في وَجهِه كان ضامِنًا على اللهِ)) [1396] أخرجه الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (3822). صَحَّحه بشَواهدِه الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (3384). . 8- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ الله عنه أنَّه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ اللهَ تعالى يَقولُ يَومَ القيامةِ: يا ابنَ آدَمَ، مَرِضْتُ فلَم تَعُدْني. قال: يا رَبِّ، كيفَ أعودُك وأنتَ رَبُّ العالَمينَ؟! قال: أمَا عَلِمتَ أنَّ عَبدي فُلانًا مَرِضَ فلَم تَعُدْه؟ أمَا عَلِمتَ أنَّك لَو عُدْتَه لوَجدْتَني عِندَه [1397] قال ابنُ عُثَيمينَ: (إذا مَرِضَ عبدٌ مِن عِبادِ اللهِ الصَّالحينَ فإنَّ اللهَ سُبحانَه وتعالى يكونُ عِندَه؛ ولهذا قال: "أمَا إنَّك لو عُدتَه لوجَدْتَني عنده"، ولم يقُلْ: لوَجَدتَ ذلك عندي، كما قال في الطَّعامِ والشَّرابِ، بل قال: "لوجَدْتَني عندَه"، وهذا يدلُّ على قُربِ المريضِ مِن اللهِ عزَّ وجَلَّ؛ ولهذا قال العُلَماءُ: إنَّ المريضَ حَريٌّ بإجابةِ الدُّعاءِ إذا دعا لشَخصٍ أو دعا على شَخصٍ، وفي هذا دليلٌ على استحبابِ عيادةِ المريضِ، وأنَّ اللهَ سُبحانه وتعالى عندَ المريضِ وعندَ مَن عادهَ؛ لقَولِه: "لوجَدْتَني عندَه"). ((شرح رياض الصالحين)) (4/ 466). وقال المازَريُّ: (وأمَّا قولُه: "لو عُدْتَه لوجَدْتَني عندَه" فإنَّه يريدُ ثوابي وكرامتي). ((المعلم بفوائد مسلم)) (3/ 290). وقال ابنُ هُبَيرةَ: (... لَطَف سُبحانَه بالمريضِ والعائِدِ بأن جعَلَ العيادةَ له جَلَّ جلالُه، من حيثُ إنَّها من أجلِه، وفيه، وفي سبيلِه. وقولُه: "أمَا لو عُدْتَه لوجَدْتَني عندَه" فأشعَرَ كُلَّ عائدٍ لمريضٍ أنَّه جَلَّ جلالُه عندَ ذلك المريضِ، فهو سُبحانَه أوَّلُ عُوَّادِه؛ لئلَّا يَستنكِفَ بعدَ سَماعِ هذا الحديثِ مُسلِمٌ عن عيادةِ مُسلِمٍ؛ فهو جَلَّ جَلالُه يعودُ عَبدَه بعوائِدِه الجميلةِ الحَسَنةِ). ((الإفصاح عن معاني الصحاح)) (8/ 143). ؟ يا ابنَ آدَمَ، استَطعَمْتُك فلَم تُطعِمْني. قال: يا رَبِّ، كيفَ أُطعِمُك وأنتَ رَبُّ العالَمينَ؟! قال: أمَا عَلِمتَ أنَّه استَطعَمَك عَبدي فُلانٌ فلَم تُطعِمْه؟ أمَا عَلِمتَ أنَّك لَو أطعَمْتَه لوَجَدْتَ ذلك عِندي؟ يا ابنَ آدَم، استَسقيتُك فلَم تَسقِني. قال: يا رَبِّ كيفَ أسقيك وأنتَ رَبُّ العالَمينَ؟! قال: استَسْقاك عَبدي فُلانٌ فلَم تَسقِه، أمَا عَلِمتَ أنَّك لَو سَقيتَه وجَدتَ ذلك عِندي)) [1398] أخرجه مسلم (2569). . قال النَّوويُّ: (واتَّفقَ العُلماءُ على فَضلِ عيادةِ المَريضِ) [1399] ((شرح مسلم)) (16/ 124). . وقال ابْنُ حزمٍ: (اتَّفقوا أنَّ عيادةَ المريض فَضْلٌ) [1400] ((مراتب الإجماع)) (ص: 157). . وفيما يلي بيانُ أهمِّ آدابِ عيادةِ المريضِ: