موسوعة الآداب الشرعية

ثانيًا: الدُّعاءُ للمَريضِ بالشِّفاءِ


مِن السُّنَّةِ أنَّ مَن عاد مريضًا يدعُو له بالشِّفاءِ.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن ابنِ عباسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، قال: ((كان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذا دخَل على مَن يعودُه قال: لا بأسَ؛ طَهورٌ إن شاءَ اللهُ)) [1402] أخرجه البخاري (3616). .
2- عن أنسٍ رَضِيَ الله عنه: ((أنَّه قال لثابتٍ: ألَا أرقِيكَ برُقْيةِ رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم؟ قال: بلى، قال: اللَّهُمَّ ربَّ النَّاسِ، مُذْهِبَ الباسِ، اشْفِ أنت الشَّافي، لا شافِيَ إلَّا أنت، شفاءً لا يُغادِرُ سَقَمًا)) [1403] أخرجه البخاري (5742). .
3- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا أتى مَريضًا أو أُتيَ به، قال: أذهِبِ الباسَ رَبَّ النَّاسِ، اشفِ وأنتَ الشَّافي، لا شِفاءَ إلَّا شِفاؤُك، شِفاءً لا يُغادِرُ سَقَمًا)) [1404] أخرجه البخاري (5675) واللَّفظُ له، ومسلم (2191). .
وفي رِوايةٍ: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يُعَوِّذُ بَعضَ أهلِه، يَمسَحُ بيَدِه اليُمنى ويَقولُ: اللهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أذهِبِ الباسَ، اشفِه وأنتَ الشَّافي، لا شِفاءَ إلَّا شِفاؤُك، شِفاءً لا يُغادِرُ سَقَمًا)) [1405] أخرجها البخاري (5743). .
وفي رِوايةٍ: ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَرقي يَقولُ: امسَحِ الباسَ رَبَّ النَّاسِ، بيَدِك الشِّفاءُ، لا كاشِفَ له إلَّا أنت)) [1406] أخرجها البخاري (5744). .
وفي رِوايةٍ: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَقولُ: اكشِفِ البَأسَ، رَبَّ النَّاسِ، لا يَكشِفُ الكَربَ غَيرُك)) [1407] أخرجها الخرائطي في ((مكارم الأخلاق)) (1058). صَحَّحه الألباني في ((صحيح الجامع)) (1224). .
وفي رِوايةٍ: ((كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا عادَ مَريضًا يَضَعُ يَدَه على المَكانِ الذي يَشتَكي المَريضُ، ثُمَّ يَقولُ: بسمِ اللهِ، لا بَأسَ لا بَأسَ)) [1408] أخرجها أبو يعلى (4459). حسَّن إسنادَها ابنُ حجر في ((فتح الباري)) (10/126). .
وعن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أيضًا: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَقولُ للمَريضِ: باسمِ اللهِ، تُربةُ أرضِنا، بريقةِ بَعضِنا، يُشفى سقيمُنا، بإذنِ رَبِّنا)) [1409] أخرجه البخاري (5745). .
وفي رِوايةٍ: ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا اشتَكى الإنسانُ الشَّيءَ مِنه، أو كانت به قُرحةٌ أو جُرحٌ، قال: النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بإصبَعِه هَكَذا -ووضع سُفيانُ أحَدُ الرُّواةِ سَبَّابَته بالأرضِ، ثُمَّ رَفعَها-: باسمِ اللهِ، تُربةُ أرضِنا، بريقةِ بَعضِنا، ليُشفى به سقيمُنا، بإذنِ رَبِّنا [1410] قال النَّوويُّ: (قال جُمهورُ العُلماءِ: المُرادُ بأرضِنا هنا جُملةُ الأرضِ، وقيل: أرضُ المَدينةِ خاصَّةً؛ لبَرَكَتِها، والرِّيقةُ أقَلُّ مِنَ الرِّيقِ، ومَعنى الحَديثِ: أنَّه يَأخُذُ مِن ريقِ نَفسِه على إصبَعِه السَّبَّابةِ، ثُمَّ يَضَعُها على التُّرابِ، فيَعلقُ بها مِنه شَيءٌ، فيَمسَحُ به على المَوضِعِ الجَريحِ أوِ العَليلِ، ويَقولُ هذا الكَلامَ في حالِ المَسحِ، واللهُ أعلمُ). ((شرح مسلم)) (14/ 184). وقال التُّورِبِشْتيُّ: (قَوله: «تُربةُ أرضِنا» أي: هذه تُربةُ أرضِنا «بريقةِ بَعضِنا» أي: مَعجونةٌ بها، أو مُخَمَّرةٌ؛ فالذي يَسبقُ إلى الفهمِ مِن صَنيعِه ذلك، ومِن قَولِه: «تُربةُ أرضِنا» إشارةٌ إلى فِطرةِ أوَّلِ مَفطورٍ مِنَ البَشَرِ، و «ريقةُ بَعضِنا» إشارةٌ إلى النُّطفةِ التي خُلِقَ مِنها الإنسانُ، فكَأنَّه يَتَضَرَّعُ بلسانِ الحالِ، ويُعَرِّضُ بفحوى المَقالِ: أنَّك اختَرَعتَ الأصلَ الأوَّلَ مِن طينٍ، ثُمَّ أبدَعتَ بَنيه مِن ماءٍ مَهينٍ؛ فهَيِّنٌ عَليك أن تَشفيَ مَن كانت هذه نَشأتُه، وتَمُنَّ بالعافيةِ على مَنِ استَوى في مُلكِك مَوتُه وحَياتُه. وقَولُه: «ليُشفى سقيمُنا»: أي: قُلنا هذا القَولَ، أو صَنَعنا هذا الصَّنيعَ؛ ليُشفى سقيمُنا. فإن قيل: صَحَّتِ المُناسَبةُ بَينَ التُّربةِ وفِطرةِ الإنسانِ، فما وَجهُ المُناسَبةِ بَينَ الرِّيقةِ والنُّطفةِ؟ قُلنا: هما مِن فضَلاتِ الإنسانِ؛ فعَبَّرَ بأحَدِهما عنِ الآخَرِ؛ لِما في الآخَرِ مِنَ القَذارةِ، وكان مِن هَديِه التَّنَزُّهُ عنِ الإفصاحِ بأمثالِ ذلك، والتَّعبيرُ عنها بالكِناياتِ ما أمكَنَ، ونَظيرُ ذلك ما ورَدَ... : «أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَصَقَ على كَفِّه، ثُمَّ وضَعَ عليه إصبَعَه، ثُمَّ قال: يَقولُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ: ابنَ آدَمَ، أنَّى تُعجِزُني وقد خَلَقتُك مِن مِثلِ هذه؟!» [أخرجه ابنُ ماجه (2707)، وأحمد (17842) باختلافٍ يسيرٍ من حديثِ بُسرِ بنِ جِحاشٍ رَضِيَ اللهُ عنه. حَسَّنه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (2707)، وصَحَّحَ إسناده الحاكم في ((المستدرك)) (3901)] وأرادَ بها النُّطفةَ، فكذلك في هذا الحَديثِ). ((الميسر في شرح مصابيح السنة)) (2/ 371). ويُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (10/ 208). ) [1411] أخرجها مسلم (2194). .
4- عن سعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم دخلَ على سعدٍ يَعودُه بمكَّةَ، فبكى، قال: ما يُبكيكَ؟ فقال: قد خَشيتُ أنْ أموتَ بالأرضِ التي هاجَرتُ منها كما مات سعدُ بنُ خَولةَ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: اللهُمَّ اشْفِ سَعدًا، اللهُمَّ اشْفِ سَعدًا، ثَلَاثَ مِرَارٍ)) [1412] أخرجه البخاري (5659)، ومسلم (1628) واللفظ له. .
وفي رِوايةٍ عن عائِشةَ بنتِ سَعدٍ، أنَّ أباها قال: ((تَشَكَّيتُ بمَكَّةَ شَكوًا شَديدًا، فجاءَني النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَعودُني، فقُلتُ: يا نَبيَّ اللهِ، إنِّي أترُكُ مالًا، وإنِّي لم أترُكْ إلَّا ابنةً واحِدةً، فأُوصي بثُلُثَي مالي وأترُكُ الثُّلثَ؟ فقال: لا، قُلتُ: فأُوصي بالنِّصفِ وأترُكُ النِّصفَ؟ قال: لا، قُلتُ: فأُوصي بالثُّلثِ وأترُكُ لها الثُّلثَينِ؟ قال: الثُّلثُ، والثُّلثُ كَثيرٌ. ثُمَّ وَضَع يَدَه على جَبهَتِه، ثُمَّ مَسَحَ يَدَه على وَجهي وبَطني، ثُمَّ قال: اللهُمَّ اشفِ سَعدًا، وأتمِمْ له هِجرتَه. فما زِلتُ أجِدُ بردَه على كَبِدي -فيما يُخالُ إليَّ- حتَّى السَّاعةِ!)) [1413] أخرجها البخاري (5659) واللَّفظُ له، ومسلم (1628) بنحوها. .
5- عن أبي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ جِبريلَ أتى النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: يا مُحَمَّدُ، أشتَكَيتَ؟ قال: نَعَم. قال: باسمِ اللهِ أرقيكَ، مِن كُلِّ شَيءٍ يُؤذيكَ، مِن شَرِّ كُلِّ نَفسٍ أو عينِ حاسِدٍ اللهُ يَشفيكَ، باسمِ اللهِ أرقيكَ)) [1414] أخرجه مسلم (2186). .
6- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((مَن عادَ مَريضًا لم يَحضُرْ أجَلُه، فقال عِندَه سَبعَ مِرارٍ: أسألُ اللَّهَ العَظيمَ رَبَّ العَرشِ العَظيمِ أن يَشفيَك، إلَّا عافاه اللهُ مِن ذلك المَرَضِ)) [1415] أخرجه أبو داود (3106) واللَّفظُ له، والترمذي (2083)، وأحمد (2137). حسنه ابن حجر كما في ((الفتوحات الربانية)) لابن علان (4/62)، وحسن إسناده شعيب الأرناؤوط في تخريج ((رياض الصالحين)) (906). وقد ذهب إلى تصحيحه الحاكم في ((المستدرك)) (8502) وقال: على شرط الشَّيخَينِ، والنووي في ((المَجموع)) (5/110)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2975). .
وفي رِوايةٍ: ((كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا عادَ المَريضَ جَلسَ عِندَ رَأسِه [1416] بوَّب البخاريُّ على الحَديثِ في "الأدب المفرد": (بابُ أينَ يَقعُدُ العائِدُ؟)، ثُمَّ رَوى بَعدَه عنِ الرَّبيعِ بنِ عبدِ اللَّهِ، قال: (ذَهَبتُ مَعَ الحَسَنِ إلى قتادةَ نَعودُه، فقَعَدَ عِندَ رَأسِه، فسَأله ثُمَّ دَعا له قال: اللهُمَّ اشفِ قَلبَه، واشفِ سَقَمَه). أخرجه البخاري في ((الأدب المفرد)) (537). ورُويَ في الصَّحيحِ عن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كان غُلامٌ يَهوديٌّ يَخدُمُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فمَرِضَ، فأتاه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَعودُه، فقَعَدَ عِندَ رَأسِه، فقال له: أسلِمْ، فنَظَر إلى أبيه وهو عِندَه، فقال له: أطِعْ أبا القاسِمِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأسلَمَ، فخَرَجَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو يَقولُ: الحَمدُ للهِ الذي أنقَذَه مِنَ النَّارِ)). أخرجه البخاري (1356). ، ثُمَّ قال سَبعَ مِرارٍ: أسألُ اللَّهَ العَظيمَ، رَبَّ العَرشِ العَظيمِ، أن يَشفيَك. فإن كان في أجَلِه تَأخيرٌ عوفيَ مِن وجَعِه)) [1417] أخرجها النسائي في ((السنن الكبرى)) (10882)، وابن حبان (2975) واللفظ له، والحاكم (7694). صَحَّحها ابن حبان، والحاكم على شرط الشيخين، وحسَّنها الوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (641). .
7- عن أنَسٍ رَضيَ اللهُ عنه: ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عادَ رَجُلًا مِنَ المُسلمينَ قد خَفَت فصارَ مِثلَ الفَرخِ، فقال له رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: هَل كُنتَ تَدعو بشَيءٍ أو تَسألُه إيَّاه؟ قال: نَعَم، كُنتُ أقولُ: اللَّهُمَّ ما كُنتَ مُعاقِبي به في الآخِرةِ، فعَجِّلْه لي في الدُّنيا، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: سُبحانَ اللَّه! لا تُطيقُه -أو لا تَستَطيعُه-، أفلا قُلتَ: اللهُمَّ آتِنا في الدُّنيا حَسَنةً وفي الآخِرةِ حَسَنةً، وقِنا عَذابَ النَّارِ؟! قال: فدَعا اللهَ له، فشَفاه)) [1418] أخرجه مسلم (2688). .

انظر أيضا: