موسوعة الآداب الشرعية

واحد وعشرون: الوُقوفُ بَعدَ الدَّفنِ والدُّعاءُ للمَيِّتِ


يُستَحَبُّ الاستِغفارُ للمَيِّتِ والدُّعاءُ له [1615] لا يُشرَعُ رَفعُ الصَّوتِ بالدُّعاءِ للمَيِّتِ عِندَ الدَّفنِ، ولا الدُّعاءُ الجَماعيُّ له؛ لأنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا فرَغَ مِن دَفنِ المَيِّتِ وقَف عليه، وقال: ((استَغفِروا لأخيكُم، واسألوا له التَّثبيتَ؛ فإنَّه الآنَ يُسأَلُ))، ولو كان الدُّعاءُ بصَوتٍ جَماعيٍّ سُنَّةً، لكان الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَدعو بذلك لأصحابِه، فدَعوتُه لهم أقرَبُ للإجابةِ. يُنظر: ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/171). بالتَّثبيتِ بعدَ الفراغِ مِن دَفنِه [1616] نَصَّ عليه الحَنَفيَّةُ، والشَّافِعيَّةُ، والحَنابلةُ. يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/234)، ((المجموع)) للنووي (5/294)، ((الفروع)) لابن مفلح (3/382). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ والآثار:
أ- من الكِتابِ
قَولُه تعالى في المنافِقينَ: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ [التوبة: 84] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الدُّعاءَ والاستِغفارَ كان عادةَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في المُسلمينَ بَعدَ الفراغِ مِنَ الدَّفنِ [1617] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/135). ؛ فإنَّه لمَّا نهى نَبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عنِ الصَّلاةِ على المُنافِقينَ، وعنِ القيامِ على قُبورِهم، كان دَليلُ الخِطابِ أنَّ المُؤمِنَ يُصَلَّى عليه قَبلَ الدَّفنِ، ويُقامُ على قَبرِه بَعدَ الدَّفنِ [1618] ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (24/330). .
ففيه دليلٌ على مشروعيَّةِ الوقوفِ عند قُبورِ المؤمنين للدُّعاءِ لهم؛ فإنَّ تَقييدَ النَّهيِ بالمنافقينَ يدُلُّ على أنَّه قد كان مُتقرِّرًا في المؤمِنينَ [1619] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص:347). .
ب- مِنَ السُّنَّةِ
عن عُثمانَ بنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا فرَغَ مِن دَفنِ المَيِّتِ وقَف عليه، فقال: استَغفِروا لأخيكُم، وسَلوا له بالتَّثبيتِ؛ فإنَّه الآنَ يُسأَلُ)) [1620] أخرجه أبو داود (3221) واللفظ له، والحاكم (1390)، والبيهقي (7145). حسَّنه الوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (911)، وجوَّد إسناده النووي في ((المجموع)) (5/291)، وحسَّنه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (3221)، وقال ابن القيم في ((الروح)) (1/194): إسنادُه لا بأسَ به، وذهب إلى تصحيحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3221)، وصحَّح إسنادَه الحاكمُ. .
ج- من الآثار
قال عَمرُو بنُ العاصِ وهو في سياقةِ الموتِ: (... فإذا دَفَنْتُموني فشُنُّوا عليَّ التُّرابَ شَنًّا [1621] فشُنُّوا، ورُوِيَ بالسِّينِ المُهمَلةِ: فسُنُّوا، قيل: هما بمعنًى واحدٍ، وهو الصَّبُّ، وقيل: هو بالمُهمَلةِ: الصَّبُّ في سهولةٍ، وبالمُعجَمةِ: صَبٌّ في تفريقٍ. يُنظر: ((المفهم)) لأبي العباس القرطبي (1/ 330). ، ثمَّ أقيموا حولَ قَبري قَدْرَ ما تُنحَرُ جَزورٌ ويُقسَمُ لَحمُها، حتَّى أستأنِسَ بكم [1622] قال ابنُ عُثَيمين: (وهذا يدُلُّ على أنَّ الميِّتَ يُحِسُّ بأهلِه، وقد ثبت عن النَّبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أنَّ الميِّتَ يَسمَعُ قَرعَ نعالِهم إذا انصَرَفوا مِن دَفنِه، قَرعُ النِّعالِ الخَفيُّ يَسمَعُه الميِّتُ إذا انصَرَفوا مِن دَفنِه!). ((شرح رياض الصالحين)) (ص: 781). ، وأنظُرَ ماذا أراجِعُ به رُسُلَ رَبِّي [1623] أخرجه مسلم (121). .
وفيه استحبابُ المُكثِ عِندَ القَبرِ بَعدَ الدَّفنِ [1624] يُنظر: ((دليل الفالحين)) لابن علان (5/ 222). .

انظر أيضا: