موسوعة الآداب الشرعية

خامسًا: عِفَّةُ اللِّسانِ، ومُبايَنةُ الفُحشِ والبَذاءِ


مِن أدَبِ التَّخاطُبِ: عِفَّةُ اللِّسانِ، ومُبايَنةُ الفُحشِ والبَذاءةِ.
الدليلُ على ذلك مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ:
أ- مِنَ الكِتابِ
قال تعالى: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا [الإسراء: 53] .
فهذا أمرٌ بكُلِّ كَلامٍ يُقَرِّبُ إلى اللهِ؛ مِن قراءةٍ وذِكرٍ وعِلمٍ، وأمرٍ بمَعروفٍ ونَهيٍ عن مُنكَرٍ، وكلامٍ حَسَنٍ لطيفٍ مع الخَلقِ على اختلافِ مراتِبِهم ومَنازِلِهم [1689] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 460). .
ب- مِنَ السُّنَّةِ
1- عن أبي الدَّرداءِ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((ما شَيءٌ أثقَلَ في ميزانِ المُؤمِنِ يَومَ القيامةِ مِن خُلُقٍ حَسَنٍ؛ فإنَّ اللَّهَ تعالى ليُبغِضُ الفاحِشَ البَذيءَ)) [1690] أخرجه مِن طُرُقٍ: أبو داود (4799)، وأحمد (27555) مُختَصَرًا، والترمذي (2002) واللَّفظُ له. صَحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (481)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2002)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1041)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (27555)، وقال الترمذي: حسن صحيح. .
2- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إيَّاكُم والفُحشَ؛ فإنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الفاحِشَ والمُتَفحِّشَ)) [1691] أخرجه أحمد (9570)، وابن حبان (5177) واللَّفظُ له، والحاكِمُ (28). صَحَّحه ابنُ حبان، والحاكم على شرط مسلم، والألباني في ((صحيح الترغيب)) (2217)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (9570). .
3- عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((الظُّلمُ ظُلُماتٌ يَومَ القيامةِ، وإيَّاكُم والفُحشَ؛ فإنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الفُحشَ ولا التَّفحُّشَ، وإيَّاكُم والشُّحَّ؛ فإنَّ الشُّحَّ أهلكَ مَن كان قَبلكُم، أمَرَهم بالقَطيعةِ فقَطَعوا، وأمَرَهم بالبُخلِ فبَخِلوا، وأمَرَهم بالفُجورِ ففَجَروا. قال: فقامَ رَجُلٌ فقال: يا رَسولَ اللهِ، أيُّ الإسلامِ أفضَلُ؟ قال: أن يَسلَمَ المُسلِمونَ مِن لسانِك ويَدِك، فقامَ ذاك أو آخَرُ، فقال: يا رَسولَ اللهِ، أيُّ الهجرةِ أفضَلُ؟ قال: أن تَهجُرَ ما كَرِهَ رَبُّك، والهِجرةُ هِجرَتانِ: هِجرةُ الحاضِرِ والبادي؛ فهِجرةُ البادي أن يُجيبَ إذا دُعيَ، ويُطيعَ إذا أُمِرَ، والحاضِرُ أعظَمُهما بَليَّةً، وأفضَلُهما أجرًا)) [1692] أخرجه أبو داود (1698)، والنسائي (4165) مُختَصَرًا، وأحمد (6487) واللَّفظُ له. صَحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (5176)، والحاكم في ((المستدرك)) (26)، والألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (4165)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (795). .
4- عن عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها قالت: ((أتى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أناسٌ من اليهودِ، فقالوا: السَّامُ [1693] قَولُ: (السَّامُ عليكم) فيه تأويلانِ: أحدُهما: السَّآمةُ يعني: الملَلَ، يقال: سآمةٌ وسآمٌ. والتَّأويلُ الثَّاني: الموتُ، وعليه يدُلُّ: (وعليكم)؛ إذ هو سَبيلُ الكُلِّ. يُنظر: ((غريب الحديث)) للخطابي (1/ 320)، ((مطالع الأنوار)) لابن قرقول (5/ 433). عليك يا أبا القاسِمِ. قال: وعليكم. قالت عائشةُ: قُلتُ: بل عليكم السَّامُ والذَّامُ [1694] الذَّامُ: العَيبُ. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (2/ 151). ! فقال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يا عائشةُ، لا تكوني فاحِشةً. فقالت: ما سمعتَ ما قالوا؟ فقال: أوَليسَ قد ردَدْتُ عليهم الذي قالوا؟! قُلتُ: وعليكم)) [1695] أخرجه البخاري (6030) بنحوه، ومسلم (2165) واللَّفظُ له. .
وفي رِوايةٍ: ((ففطِنَت بهم عائِشةُ فسَبَّتهم، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَهْ [1696] مَهْ: بفَتحِ ميمٍ وسكونِ هاءٍ: اسمُ فِعلٍ بمعنى اكفُفْ وامتَنِعْ عن ذلك. يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (7/ 3054). يا عائِشةُ! فإنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الفُحشَ والتَّفحُّشَ. فأنزل اللهُ عزَّ وجَلَّ: وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ [المجادلة: 8] إلى آخِرِ الآيةِ)) [1697] أخرجها مسلم (2165). .
قال ابنُ الجَوزيِّ: (في الحَديثِ: أنَّ أهلَ الكِتابِ كانوا يَقولونَ: السَّامُ عليكُم، يَعنونَ بالسَّامِ المَوتَ، فلم يَصلُحْ أن يُقالَ لهم في جَوابِ هذا: وعليكُمُ السَّلامُ، ولم يَحسُنْ في بابِ حُسنِ الخُلُقِ أن يُقالَ: وعليكُمُ السَّامُ؛ لأنَّهم كانوا يُمَجمِجون [1698] مَجمَجَ الرَّجُلُ في خَبَرِه: إذا لم يُبَيِّنْه. يُنظر: ((الصحاح)) للجوهري (1/ 340). الكَلامَ به، فلا يَبينُ لكُلِّ أحَدٍ، فلا يَصلُحُ أن يُقابَلَ المُمَجمَجُ بالمُصَرَّحِ، فكَأنَّه قال: وعليكُم، أي: ما قُلتُم. وقد جاءَ في حَديثٍ: «إنَّه يُستَجابُ لنا فيهم، ولا يُستَجابُ لهم فينا» [1699] أخرجه البخاري (6030) باختلاف يسير؛ ولفظه: عن عائشة رضي الله عنها أنَّ يَهُودَ أتَوُا النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالوا: السَّامُ علَيْكُم، فَقالَتْ عَائِشَةُ: علَيْكُم، ولَعَنَكُمُ اللَّهُ، وغَضِبَ اللَّهُ علَيْكُم. قالَ: مَهْلًا يا عَائِشَةُ، عَلَيْكِ بالرِّفْقِ، وإيَّاكِ والعُنْفَ والفُحْشَ قالَتْ: أوَلَمْ تَسْمَعْ ما قالوا؟ قالَ: أوَلَمْ تَسْمَعِي ما قُلتُ؟ رَدَدْتُ عليهم، فيُسْتَجَابُ لي فيهم، ولَا يُسْتَجَابُ لهمْ فِيَّ [1700] ((كشف المشكل)) (3/ 196). .
5- عن مَسروقٍ، قال: كُنَّا جُلوسًا مَعَ عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو يُحَدِّثُنا، إذ قال: ((لم يكُنْ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فاحِشًا ولا مُتَفحِّشًا، وإنَّه كان يَقولُ: إنَّ خيارَكُم أحاسِنُكُم أخلاقًا)) [1701] أخرجه البخاري (6035) واللَّفظُ له، ومسلم (2321). .
6- عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((لم يكُنِ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سبَّابًا ولا فحَّاشًا ولا لعَّانًا، كان يقولُ لأحَدِنا عِندَ المَعتِبةِ: ما له، تَرِب جبينُه [1702] تَرِبَ جَبينُه: كَلِمةٌ تقولُها العَرَبُ جَرَت على ألسِنَتِهم، وهي من التُّرابِ، أي: سَقَط جبينُه للأرضِ، وهو كقولِهم: رَغِم أنفُه، ولكِنْ لا يرادُ معنى قولِه: تَرِبَ جَبينُه، بل هو نظيرُ: تَرِبَت يمينُك، أي: إنَّها كَلِمةٌ تجري على اللِّسانِ، ولا يرادُ حقيقتُها. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (10/ 453). ؟!)) [1703] أخرجه البخاري (6031). .

انظر أيضا: