موسوعة الآداب الشرعية

خامسًا: السَّلامُ مِنَ المُتَّصِلِ بدايةً ونِهايةً


يَنبَغي أن يَبدَأَ المُتَّصِلُ بإلقاءِ السَّلامِ على المُتَّصَلِ عليه، وكَذا يَختِمُ الاتِّصالَ بإلقاءِ السَّلامِ [1725] قال بَكر أبو زَيد: (المُتَّصِلُ هو القادِمُ، فإذا رُفِعَت سَمَّاعةُ الهاتِفِ فبادِرْ بالتَّحيَّةِ الإسلاميَّةِ: "السَّلامُ عَليكُم"؛ فهيَ شِعارُ الإسلامِ، ومِفتاحُ الأمانِ والسَّلامِ، وهيَ شَرَفٌ لأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. ويَجِبُ الجَوابُ على سامِعِه... فليُقدِّمِ المهاتِفُ السَّلامَ على الكَلامِ، ولا يَسكُتْ حتَّى يُكَلِّمَه المُتَّصَلُ به. ومِمَّا يُنهى عنه هنا: هَجرُ هذه التَّحيَّةِ الإسلاميَّةِ المُبارَكةِ والعُدولُ عنها إلى نَحوِ: "صَباحُ الخَيرِ. صَباحُ النُّورِ". ومِمَّا يُنهَى عنه هنا: المُبادَرةُ مِنَ المتهاتِفَينِ بلَفظِ" ألُو"! ولو أفتاك النَّاسُ وأفتَوك، فهيَ لفظةٌ مولَّدةٌ، فرَنسيَّةُ المَولِدِ، يَأباها اللِّسانُ العَرَبيُّ، وقد تَقَلَّص ظِلُّها... ومِمَّا يُنهى عنه هنا: سُكوتُ المُتَّصِلِ إذا رُفِعَتِ السَّمَّاعةُ حتَّى يَتَكَلَّمَ المُتَّصَلُ به، وهذا فيه إخلالٌ بالأدَبِ مِن عِدَّةِ جِهاتٍ لا تَخفى: مِنها: مُخالَفةُ السُّنَّةِ في بَدءِ المُستَأذِنِ والقادِمِ بالسَّلامِ. ومِنها: أنَّ المُتَّصِلَ هو الطَّالبُ، فعَليه المُبادَرةُ بالسَّلامِ فالكَلامِ طَلبًا أوِ استِقبالًا. ومِنها: أنَّ بَعضَ مَن ضَعُفَ أدَبُهم وضَمُرَ إحساسُهم ولُطفُهم يَقصِدُ الفَحصَ والتَّعَرُّفَ هَل أنتَ مَوجودٌ أم لا؟ فإذا رَفعتَ السَّمَّاعةَ وقُلتَ: نَعَم، عَرَف المُرادَ فوضَعَها! وهذا التَّفحُّصُ مِنَ التَّخَوُّنِ المَرذولِ). ((أدب الهاتف)) (ص: 12-14). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا انتَهى أحَدُكُم إلى المَجلِسِ فليُسلِّمْ، فإذا أرادَ أن يَقومَ فليُسلِّمْ، فليستِ الأولى بأحَقَّ مِنَ الآخِرةِ)) [1726] أخرجه أبو داود (5208) واللفظ له، والترمذي (2706)، وأحمد (7142). صَحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (494)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (5208)، وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (5208): حسن صحيح، وحسنه الترمذي. .
وفي رِوايةٍ عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه ((أنَّ رَجُلًا مَرَّ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو في مَجلسٍ فقال: السَّلامُ عليكُم، فقال: عَشرُ حَسَناتٍ، فمَرَّ رَجُلٌ آخَرُ فقال: السَّلامُ عليكُم ورَحمةُ اللهِ، فقال: عِشرونَ حَسَنةً، فمَرَّ رَجُلٌ آخَرُ فقال: السَّلامُ عليكُم ورَحمةُ اللهِ وبَرَكاتُه، فقال: ثَلاثونَ حَسَنةً، فقامَ رَجُلٌ مِنَ المَجلِسِ ولم يُسَلِّمْ، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ما أوشَكَ ما نَسيَ صاحِبكُم! إذا جاءَ أحَدُكُم المَجلِسَ فليُسَلِّمْ، فإن بَدا له أن يَجلِسَ فليَجلِسْ، وإذا قامَ فليُسَلِّمْ، ما الأولى بأحَقَّ مِنَ الآخِرةِ)) [1727] أخرجها البخاري في ((الأدب المفرد)) (986) واللَّفظُ له، وابن حبان (493). صَحَّحها ابن حبان، والألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) (757)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1414). .
فالمتَّصِلُ في حُكمِ القادمِ فلْيُبادِرْ بالسَّلامِ قبلَ الكلامِ، فإذا أراد إنهاءَ المكالمةِ فليختِمْها بالسَّلامِ [1728] يُنظر: ((أدب الهاتف)) لبكر أبو زيد (ص: 12، 15). .

انظر أيضا: