موسوعة الآداب الشرعية

ثانيًا: حُسنُ القَضاءِ


مِن آدابِ المُقتَرِضِ والمدينِ: حُسنُ القَضاءِ.
وتَجوزُ الزِّيادةُ [1911] سَواءٌ كانتِ الزِّيادةُ في القَدْرِ أوِ الصِّفةِ. في بَدَلِ القَرضِ إذا كانت بدونِ شَرطٍ [1912] وهو مذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة. يُنظر: ((البحر الرائق)) لابن نجيم (5/351)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (5/47)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/317). قال ابنُ قُدامةَ: (رَخَّصَ في ذلك ابنُ عُمَرَ، وسَعيدُ بنُ المُسَيِّبِ، والحَسَنُ، والنَّخَعيُّ، والشَّعبيُّ، والزُّهريُّ، ومَكحولٌ، وقتادةُ، ومالِكٌ، والشَّافِعيُّ، وإسحاقُ). ((المغني)) (4/242). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كانَ لرَجُلٍ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سِنٌّ مِن الإبِلِ، فجاءَه يَتَقاضاه، فقال: أعْطوه، فطَلَبوا سِنَّه فلم يَجِدوا له إلَّا سِنًّا فَوقَها، فقال: أعطوه، فقال: أوفَيتَني أَوفى اللهُ بك، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ خِيارَكم أحسَنُكم قَضاءً)) [1913] أخرجه البخاري (2305) واللفظ له، ومسلم (1601). .
2- عن جابِرِ بنِ عبدِ اللَّهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((أتَيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو في المَسجِدِ فقال: صَلِّ رَكعَتَينِ، وكان لي عليه دَينٌ، فقضاني وزادَني)) [1914] أخرجه البخاري (443) واللفظ له، ومسلم (715). .
دَلَّ هذا الحَديثُ على التَّرغيبِ في حُسنِ قَضاءِ الدَّينِ، وأقَلُّه أن يُقضى عِندَ حُلولِ الأجَلِ دونَ تَسويفٍ أو مُماطَلةٍ. ودلَّ أيضًا على أنَّ مِن حُسنِ القَضاءِ أن يُرَدَّ الدَّينُ بأجودَ أو أكثَرَ مِنه، فيَزيدَ الدَّائِنُ عَمَّا أخَذَه مِنه [1915] يُنظر: ((منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري)) لحمزة قاسم (3/ 347). .
3- عن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((جاءَ أعرابيٌّ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَتَقاضاه دَينًا كان عليه، فاشتَدَّ عليه حتَّى قال له: أُحَرِّجُ عليك إلَّا قضيتَني، فانتَهَرَه أصحابُه، وقالوا: ويحَكَ! تَدري مَن تُكَلِّمُ؟ قال: إنِّي أطلُبُ حَقِّي، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: هَلَّا مَعَ صاحِبِ الحَقِّ كُنتُم؟ ثُمَّ أرسَل إلى خَولةَ بنتِ قَيسٍ فقال لها: إن كان عِندَكِ تَمرٌ فأقرِضينا حتَّى يَأتيَنا تَمرُنا فنَقضِيَكِ، فقالت: نَعَم، بأبي أنتَ يا رَسولَ اللهِ، قال: فأقرَضَته، فقَضى الأعرابيَّ وأطعَمَه، فقال: أوفيتَ، أوفى اللَّهُ لك، فقال: أولئك خيارُ النَّاسِ، إنَّه لا قُدِّسَت أُمَّةٌ لا يَأخُذُ الضَّعيفُ فيها حَقَّه غَيرَ مُتَعتَعٍ [1916] قال السِّنديُّ: («وأطعَمَه» أي: أعطاه زائِدًا على حَقِّه طُعمةً له... «غَيرَ مُتَعتَعٍ» بفتحِ التَّاءِ الثَّانيةِ، أي: مِن غَيرِ أن يُصيبَه أذًى يُقلقُه ويُزعِجُه). ((حاشية السندي على سنن ابن ماجه)) (2/ 80). ) [1917] أخرجه ابن ماجه (2426) واللفظ له، وابن بشران في ((الأمالي)) (731)، وقوام السنة في ((الترغيب والترهيب)) (821). صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (2426)، وصحَّح إسنادَه البوصيري في ((مصباح الزجاجة)) (2/46)، وقوَّاه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((شرح مشكل الآثار)) (11/106). .
وأمَّا التَّعليلُ فلأنَّه لم يَجعَلْ تلك الزِّيادةَ عِوَضًا في القَرضِ ولا وسيلةً إليه ولا إلى استيفاءِ دَينِه؛ فحَلَّت كما لو لم يَكُنْ قَرضٌ [1918] ((المغني)) لابن قدامة (4/242)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/317). .

انظر أيضا: