تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
1- قال البُخاريُّ في "صحيحِه": (بابُ أداءِ الدَّينِ، وقَولِ اللهِ تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا[النساء: 58] ) [1961] ((صحيح البخاري)) (3/ 116). . ثُمَّ رَوى عن أبي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كُنتُ مَعَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلمَّا أبصَرَ -يَعني: أحَدًا- قال: ما أُحِبُّ أنَّه تَحَوَّل لي ذَهَبًا يَمكُثُ عِندي مِنه دينارٌ فَوقَ ثَلاثٍ، إلَّا دينارًا أرصُدُه لدَينٍ، ثُمَّ قال: إنَّ الأكثَرينَ همُ الأقلُّون إلَّا مَن قال بالمالِ هكذا وهكذا، -وأشارَ أبو شِهابٍ أحَدُ الرُّواةِ بَينَ يَدَيه وعن يَمينِه وعن شِمالِه- وقَليلٌ ما هم، وقال: مَكانَك، وتَقدَّمَ غَيرَ بَعيدٍ فسَمِعتُ صَوتًا، فأرَدتُ أن آتيَه، ثُمَّ ذَكَرتُ قَولَه: مَكانَك حتَّى آتيَك، فلمَّا جاءَ قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، الذي سَمِعتُ -أو قال: الصَّوتُ الذي سَمِعتُ!- قال: وهَل سَمِعتَ؟ قُلتُ: نَعَم، قال: أتاني جِبريلُ عليه السَّلامُ، فقال: مَن ماتَ مَن أُمَّتِك لا يُشرِكُ باللهِ شَيئًا دَخل الجَنَّةَ، قُلتُ: وإن فَعَل كَذا وكَذا، قال: نَعَم)) [1962] أخرجه البخاري (2388) واللفظ له، ومسلم (94). . وعن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لو كان لي مِثلُ أُحُدٍ ذَهَبًا ما يَسُرُّني أن لا يَمُرَّ عليَّ ثَلاثٌ، وعِندي مِنه شَيءٌ إلَّا شَيءٌ أرصُدُه لدَينٍ)) [1963] أخرجه البخاري (2389) واللفظ له، ومسلم (991). . قال ابنُ بَطَّالٍ: (قال المُهلَّبُ: هذه الآيةُ أصلٌ في أداءِ الأماناتِ وحِفظِها؛ ألَا تَرى أنَّ النَّبيَّ لم يُحِبَّ أن يَبقى عِندَه مِن مِثلِ أحُدٍ ذَهَبًا فوقَ ثَلاثٍ إلَّا دينارٌ أرصَدَه لدَينٍ، فدَلَّ هذا الحَديثُ على ما دَلَّتِ الآيةُ عليه مِن تَأكيدِ أمرِ الدَّينِ والحَضِّ على أدائِه. وفي هذا الحَديثِ دَليلٌ على الاستِدانةِ بيَسيرِ الدَّينِ اقتِداءً بالنَّبيِّ عليه السَّلامُ في إرصادِه دينارًا لدَينِه، ولو كان عليه مِائةُ دينارٍ أو أكثَرُ لم يَرصُدْ لأدائِها دينارًا؛ لأنَّه عليه السَّلامُ كان أحسَنَ النَّاسِ قَضاءً، وبانَ بهذا الحَديثِ أنَّه يَنبَغي للمُؤمِنِ ألَّا يَستَغرِقَ في كَثرةِ الدَّينِ؛ خَشيةَ الاهتِمامِ به، والعَجزِ عن أدائِه، وقدِ استَعاذَ الرَّسولُ باللهِ مِن ضَلَعِ [1964] قال الخَطَّابيُّ: (ضَلَعُ الدَّينِ: ثِقَلُه وغِلَظُه. ويُقالُ: رَجُلٌ ضَليعٌ: إذا كان بَدينًا قَويًّا). ((أعلام الحديث)) (2/ 1394). الدَّينِ [1965] لفظُه: ((اللهُمَّ إنِّي أعوذُ بكَ مِنَ الهَمِّ والحَزَنِ، والعَجزِ والكَسَلِ، والبُخلِ والجُبنِ، وضَلَعِ الدَّينِ وغَلَبةِ الرِّجالِ)). أخرجه البخاري (2893) من حديثِ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه. ، واستَعاذَ مِنَ المَأثَمِ والمَغرَمِ، وقال: «إنَّ الرَّجُلَ إذا غَرِمَ حَدَّثَ فكَذَب، ووَعَد فأخلَفَ» [1966] لفظُه: عن عُروةَ أنَّ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أخبَرَته: ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَدعو في الصَّلاةِ ويَقولُ: اللهُمَّ إنِّي أعوذُ بكَ مِنَ المَأثَمِ والمَغرَمِ، فقال له قائِلٌ: ما أكثَرَ ما تَستَعيذُ يا رَسولَ اللهِ مِنَ المَغرَمِ! قال: إنَّ الرَّجُلَ إذا غَرِمَ حَدَّثَ فكَذَبَ، ووعَدَ فأخلَفَ)). أخرجه البخاري (2397) واللَّفظُ له، ومسلم (589). . فقد جاءَ في خيانةِ الأمانةِ مِنَ الوعيدِ ما رَواه إسماعيلُ بنُ إسحاقَ، قال: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى قال: حَدَّثَنا أبو مُعاويةَ قال: حَدَّثَنا الأعمَشُ، عن عبدِ اللهِ بنِ السَّائِبِ، عن زاذانَ، عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ قال: إنَّ القَتلَ في سَبيلِ اللهِ يُكَفِّرُ كُلَّ ذَنبٍ إلَّا الدَّينَ والأمانةَ، قال: وأعظَمُ ذلك الأمانةُ تَكونُ عِندَ الرَّجُلِ فيَخونُها، فيُقالُ له يَومَ القيامةِ: أدِّ أمانَتَك، فيَقولُ: من أينَ وقد ذَهَبَتِ الدُّنيا؟ فيُقالُ له: نَحنُ نُريكَها، قال: فتُمَثَّلُ له في قَعرِ جَهَنَّمَ، فيُقالُ له: انزِلْ فأخرِجْها، قال: فيَنزِلُ فيَحمِلُها على عُنُقِه حتَّى إذا كادَ زَلَّت فهَوت وهَوى في أثَرِها أبَدَ الأبَدِ. قال: والأمانةُ في كُلِّ شَيءٍ حتَّى في الصَّلاةِ والصِّيامِ والوُضوءِ والغُسلِ مِنَ الجَنابةِ، والأمانةُ في الكَيلِ والوَزنِ [1967] أخرجه من طرُقٍ: الطبراني (10/270) (10527) مختصرًا، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (4/201)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (4885) باختلافٍ يسيرٍ، ولفظُ البَيهَقيِّ: عن ابنِ مَسعودٍ قال: (القَتلُ في سَبيلِ اللهِ يُكَفِّرُ الذُّنوبَ كُلَّها إلَّا الأمانةَ، قال: يُؤتى بالعَبدِ يَومَ القيامةِ، وإن قُتِل في سَبيلِ اللهِ، فيُقالُ: أدِّ أمانَتَك، فيَقولُ: أي رَبِّ، كَيف وقد ذَهَبَتِ الدُّنيا؟ قال: فيُقالُ: انطَلِقوا به إلى الهاويةِ، فيُنطَلَقُ به إلى الهاويةِ، ويُمَثَّلُ له أمانَتُه كهَيئَتِها يَومَ دُفِعَت إليه، فيَراها فيَعرِفُها فيَهوي في أثَرِها حتَّى يُدرِكَها، فيَحمِلَها على مَنكِبَيه حتَّى إذا ظَنَّ أنَّه خارِجٌ زَلَّت عن مَنكِبَيه، فهو يَهوي في أثَرِها أبَدَ الآبدينَ! ثُمَّ قال: الصَّلاةُ أمانةٌ، والوُضوءُ أمانةٌ، والوَزنُ أمانةٌ، والكَيلُ أمانةٌ، وأشياءُ عَدَّدَها، وأعظَمُ ذلك الودائِعُ، فأتَيتُ البَراءَ بنَ عازِبٍ فقُلتُ: ألَا تَرى إلى ما قال ابنُ مَسعودٍ؟ قال كَذا، قال كَذا، قال: (صَدَق؛ أما سَمِعتَ يَقولُ اللهُ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء: 58] ). حسَّنه الألباني في ((صحيح الترغيب)) (1763)، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (1/527)، وجوَّده الإمام أحمد في ((مسائل أحمد- رواية عبد الله)) (2/841). . وقال الرَّبيعُ بنُ أنَسٍ: الأمانةُ ما أُمِروا به، وما نُهُوا عنه) [1968] ((شرح صحيح البخاري)) (6/ 514، 515). . 2- قال الشِّنقيطيُّ: (قال بَعضُ أهلِ العِلمِ: أرجى آيةٍ في كِتابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ آيةُ الدَّينِ، وهيَ أطولُ آيةٍ في القُرآنِ العَظيمِ، وقد أوضَحَ اللَّهُ تَبارَكَ وتعالى فيها الطُّرُقَ الكَفيلةَ بصيانةِ الدَّينِ مِنَ الضَّياعِ، ولو كان الدَّينُ حَقيرًا، كما يَدُلُّ عليه قَولُه تعالى فيها: وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ الآية [البقرة: 282] ، قالوا: هذا مِنَ المُحافَظةِ في آيةِ الدَّينِ على صيانةِ مالِ المُسلمِ، وعَدَمِ ضَياعِه ولو قَليلًا، يَدُلُّ على العِنايةِ التَّامَّةِ بمَصالِحِ المُسلمِ، وذلك يَدُلُّ على أنَّ اللَّطيفَ الخَبيرَ لا يُضَيِّعُه يَومَ القيامةِ عِندَ اشتِدادِ الهَولِ، وشِدَّةِ حاجَتِه إلى رَبِّه) [1969] ((أضواء البيان)) (5/ 489). . 3- قال ابنُ المُقَفَّعِ: (أربَعةُ أشياءَ لا يُستَقَلُّ مِنها قَليلٌ: النَّارُ، والمَرَضُ، والعَدوُّ، والدَّينُ) [1970] ((الأدب الصغير)) (ص: 68). .