موسوعة الآداب الشرعية

تمهيدٌ في أهميَّةِ الدَّعوةِ إلى الله وفَضلِها


الدَّعوةُ إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ [2171] قال ابنُ تَيميَّةَ: (الدَّعوةُ إلى اللهِ هيَ الدَّعوةُ إلى الإيمانِ به وبما جاءَت به رُسُلُه بتَصديقِهم فيما أخبَروا به، وطاعَتِهم فيما أمَروا، وذلك يَتَضَمَّنُ الدَّعوةَ إلى الشَّهادَتَينِ، وإقامِ الصَّلاةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ، وصَومِ رَمَضانَ وحَجِّ البَيتِ، والدَّعوةَ إلى الإيمانِ باللهِ ومَلائِكَتِه وكُتُبِه ورُسُلِه، والبَعثِ بَعدَ المَوتِ، والإيمانِ بالقَدَرِ خَيرِه وشَرِّه، والدَّعوةَ إلى أن يَعبُدَ العَبدُ رَبَّه كأَنَّه يَراه... فالدَّعوةُ إلى اللهِ تَكونُ بدَعوةِ العَبدِ إلى دينِه، وأصلُ ذلك عِبادَتُه وَحدَه لا شَريكَ له، كَما بَعَثَ اللهُ بذلك رُسُلَه، وأنزَلَ به كُتُبَه). ((مجموع الفتاوى)) (15/ 157، 158). وظيفةُ الأنبياءِ والمُرسَلينَ، وسَبيلُ عِبادِ اللهِ المُؤمِنينَ، وقد قال رَبُّ العالَمينَ: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران: 104] .
وقال عَزَّ وجَلَّ لرَسولِه مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف: 108] .
وقال عز وعلا: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا [الأحزاب: 45-46] .
وقال جَلَّ ثناؤه: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ [النحل: 125] .
وقال تبارك وتعالى: لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ [الحج: 67] .
وقال سُبحانَه: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ * وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص: 85 - 88] .
وقال تعالى: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ [2172] قال السَّعديُّ: (لِيَتَفَقَّهُوا أي: القاعِدونَ فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ أي: ليَتَعَلَّموا العِلمَ الشَّرعيَّ، ويَعلَموا مَعانيَه، ويَفقَهوا أسرارَه، وليُعَلِّموا غَيرَهم، وليُنذِروا قَومَهم إذا رَجَعوا إليهم. ففي هذا فضيلةُ العِلمِ، وخُصوصًا الفِقهَ في الدِّينِ، وأنَّه أهَمُّ الأُمورِ، وأنَّ مَن تَعلَّم عِلمًا فعليه نَشرُه وبَثُّه في العِبادِ، ونَصيحَتُهم فيه؛ فإنَّ انتِشارَ العِلمِ عنِ العالِمِ مِن بركَتِه وأجرِه الذي يُنَمَّى له. وأمَّا اقتِصارُ العالِمِ على نَفسِه، وعَدَمُ دَعوتِه إلى سَبيلِ اللهِ بالحِكمةِ والمَوعِظةِ الحَسَنةِ، وتَركُ تَعليمِ الجُهَّالِ ما لا يَعلَمونَ، فأيُّ مَنفعةٍ حَصَلَت للمُسلِمينَ مِنه؟ وأيُّ نَتيجةٍ نَتَجَت مِن عِلمِه؟ وغايَتُه أن يَموتَ فيَموتَ عِلمُه وثَمَرَتُه، وهذا غايةُ الحِرمانِ لمَن آتاه اللهُ عِلمًا ومَنحَه فَهمًا). ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 355). [التوبة: 122] .
وقال تبارك اسمُه وجَلَّت عَظَمتُه: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت: 33] .
وقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن دَلَّ على خَيرٍ فله مِثلُ أجرِ فاعِلِه)) [2173] أخرجه مسلم (1893) من حَديثِ أبي مسعود الأنصاري رَضِيَ اللهُ عنه. .
وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن دَعا إلى هُدًى كان له مِنَ الأجرِ مِثلُ أجورِ مَن تَبِعه، لا يَنقُصُ ذلك مِن أجورِهم شَيئًا، ومَن دَعا إلى ضَلالةٍ كان عليه مِنَ الإثمِ مِثلُ آثامِ مَن تَبِعَه، لا يَنقُصُ ذلك مِن آثامِهم شَيئًا)) [2174] أخرجه مسلم (2674) من حَديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. .
وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لمَّا أعطى عَليَّ بنَ أبي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنه الرَّايةَ يَومَ خَيبَرَ: ((انفُذْ على رِسلِك حتَّى تَنزِلَ بساحَتِهم، ثُمَّ ادعُهم إلى الإسلامِ، وأخبِرهم بما يَجِبُ عليهم مِن حَقِّ اللهِ فيه؛ فواللهِ لأن يَهديَ اللهُ بك رَجُلًا واحِدًا خَيرٌ لك مِن أن يَكونَ لَك حُمْرُ النَّعَمِ [2175] النَّعَمُ: الإبِلُ، وبعيرٌ أحمَرُ: إذا لم يخالِطْ حُمرتَه شَيءٌ، والمرادُ بحُمرِ النَّعَمِ: الإبِلُ خاصَّةً، وإنما خُصَّ حُمرُها؛ لأنَّها كِرامُها وخيارُها وأنفَسُها. يُنظر: ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (2/ 274)، ((التوضيح)) لابن الملقن (18/ 175). ) [2176] أخرجه البخاري (3701)، ومسلم (2406) من حَديثِ سَهلِ بنِ سَعدٍ رَضِيَ اللهُ عنه. .
(فالمُسلِمُ المُتَّبِعُ للنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآلِه وسَلَّم لا يَألو جُهدًا في الدَّعوةِ إلى كُلِّ ما عَرَف مِن سَبيلِ رَبِّه، وبقيامِ كُلِّ واحِدٍ مِنَ المُسلِمينَ بهذه الدَّعوةِ بما استَطاعَ تَتَّضِحُ السَّبيلُ للسَّالِكينَ، ويَعُمُّ العِلمُ بها عِندَ المُسلِمينَ، وتَخلو سُبُلُ الباطِلِ على دُعاتِها مِنَ الشَّياطينِ) [2177] ((مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير)) لابن باديس (ص: 319). .
هذا وللدعوةِ آدابٌ يَنبغي مراعاتُها، وفيما يلي نذكرُ أهمَّ آدابِ الدَّاعي والمدعوِّ وآدابِ الدعوةِ:

انظر أيضا: