موسوعة الآداب الشرعية

سابعًا: مُراعاةُ حالِ المَدعوِّينَ


يَنبَغي مُراعاةُ حالِ المَدعوِّينَ ومَراتِبِهم وطَبائِعِهم، وإنزالُ النَّاسِ مَنازِلَهم، ومُخاطَبَتُهم على قدرِ عُقولِهم؛ فدَعوةُ المُلوكِ تَختَلِفُ عن دَعوةِ السُّوقةِ، وتُبايِنُ دَعوةُ كَبيرِ القَدرِ دَعوةَ مَن دونَه، وليست دَعوةُ المَقِرِّ كدَعوةِ المُستَكبِرِ المُصِرِّ، ولا دَعوةُ العالِمِ كدَعوةِ العامِّيِّ، ولا دَعوةُ الوالِدَينِ كدَعوةِ غَيرِهما... إلخ [2215] قال القَحطانيُّ: (الحِكمةُ في الدَّعوةِ إلى اللهِ لا تَقتَصِرُ على الكَلامِ اللَّيِّنِ والتَّرغيبِ والرِّفقِ والحِلمِ والعَفوِ والصَّفحِ، بَل تَشمَلُ جَميعَ الأُمورِ التي عُمِلَت بإِتقانٍ وإحكامٍ، وذلك بأن تُنزَلَ في مَنازِلِها اللَّائِقةِ بها، فيُوضَعَ القَولُ الحَكيمُ والتَّعليمُ والتَّربيةُ في مَواضِعِها، والمَوعِظةُ في مَوضِعِها، والمُجادَلةُ بالتي هيَ أحسَنُ في مَوضِعِها، ومُجادَلةُ الظَّالِم المُعانِدِ والمُستَكبِرِ في مَوضِعِها، والزَّجرُ والغِلظةُ والقوَّةُ في مَواضِعِها، وكُلُّ ذلك بإحكامٍ وإتقانٍ، ومُراعاةٍ لأَحوالِ المَدعوِّينَ، والواقِعِ والأزمانِ والأماكِنِ، في مُختَلِفِ العُصورِ والبُلدانِ، مَعَ إحسانِ القَصدِ والرَّغبةِ فيما عِندَ الكَريمِ المَنَّانِ.        إنَّ الدَّاعيةَ الحَكيمَ هو الذي يَدرُسُ ويَعرِفُ أحوالَ المَدعوِّينَ: الِاعتِقاديَّةَ، والنَّفسيَّةَ والِاقتِصاديَّةَ، والِاجتِماعيَّةَ، والعِلميَّةَ، ويَعرِفُ مَراكِزَ الضَّلالِ ومواطِنَ الِانحِرافِ، وعاداتِهم ولُغَتَهم ولَهَجاتِهم، والإحاطةَ بمُشكِلاتِهم، ومُستَواهمُ الجَدَليَّ، ونَزَعاتِهمُ الخُلُقيَّةَ، والشُّبَهَ التي تَعلَقُ بأذهانِهم، ثُمَّ يُنزِلُ النَّاسَ مَنازِلَهم، ويَدعوهم على قَدرِ عُقولِهم وأفهامِهم، ويُعطي الدَّواءَ على حَسَبِ الدَّاءِ). ((كيفية دعوة عصاة المسلمين)) (ص: 62، 63). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ والآثارِ:
أ- مِنَ السُّنَّةِ
كتَب رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى هِرَقلَ: ((بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، مِن مُحمَّدٍ عبْدِ اللهِ ورَسولِه، إلى هِرَقْلَ عَظيمِ الرُّومِ، سَلامٌ على مَن اتَّبَعَ الهُدى، أمَّا بعْدُ؛ فإنِّي أدْعوك بدِعايةِ الإسْلامِ، أسْلِمْ تَسْلَمْ، وأسْلِمْ يُؤْتِك اللهُ أجْرَك مَرَّتَينِ، فإن تَوَلَّيْتَ فعليك إثْمُ الأريسيِّينَ [2216] قال النَّوَويُّ: (اختَلَفوا في المرادِ بهم على أقوالٍ؛ أصَحُّها وأشهَرُها: أنَّهم الأكَّارون، أي: الفَلَّاحون والزَّرَّاعون، ومعناه: أنَّ عليك إثمَ رعاياك الذين يتَّبِعونك وينقادون بانقيادِك، ونَبَّه بهؤلاء على جميعِ الرَّعايا لأنَّهم الأغلَبُ، ولأنَّهم أسرَعُ انقيادًا، فإذا أسلَم أسلَموا، وإذا امتَنَع امتَنَعوا، وهذا القولُ هو الصَّحيحُ... الثَّاني: أنَّهم اليهودُ والنَّصارى، وهم أتباعُ عَبدِ اللهِ بنِ أريسَ الذي تُنسَبُ إليه الأروسيَّةُ من النَّصارى... الثَّالِثُ: أنَّهم الملوكُ الذين يقودون النَّاسَ إلى المذاهِبِ الفاسِدةِ ويأمُرونَهم بها). ((شرح مسلم)) (12/ 109، 110). ، و: يَا أهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ألَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأنَّا مُسْلِمُونَ)) [2217] أخرجه البخاري (7) واللفظ له، ومسلم (1773) من حَديثِ أبي سفيان بن حرب رَضِيَ اللهُ عنه. .
ب- مِنَ الآثارِ
عن عليِّ بنِ أبي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: (حَدِّثوا النَّاسَ بما يَعرِفونَ، أتُحِبُّونَ أن يُكَذَّبَ اللَّهُ ورَسولُه؟!) [2218] أخرجه البخاري (127). .

انظر أيضا: