موسوعة الآداب الشرعية

تَمهيدٌ في معنَى الأدَبِ مَعَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ وأنواعِه


الأدَبُ مَعَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ حُسنُ الصِّلةِ به ظاهرًا وباطِنًا، معَ التَّعظيمِ والتَّوقيرِ والإجلالِ، والقيامِ بدينِه، والتَّأدُّبِ بآدابِه ظاهِرًا وباطِنًا [1] يُنظر: ((مدارج السالكين)) لابن القيم (2/ 357، 365). ، وبقَدرِ تَمسُّكِ المُسلِمِ بهذا ومُحافظَتِه عليه تَعلو دَرَجَتُه، وتَسمو مَكانتُه، فيُصبِحُ مَحَطَّ رَحمةِ اللهِ ومَنزِلَ نِعمتِه. وهذا أقصى ما يَطلُبُه المُسلمُ ويَتَمَنَّاه.
(ويُستَفادُ مِن هَيئةِ الفاعِلِ وأحوالِه وأخلاقِه مَعَ خالقِه ومَعبودِه مَصالِحُ عَظيمةٌ، وأيُّ مَصلحةٍ أعظَمُ مِنَ الأدَبِ؟! حتَّى قال رُوَيمٌ لابنِه: يا بُنَيَّ، اجعَلْ عَمَلَك مِلْحًا وأدَبَك دَقيقًا، أيِ: استَكثِرْ مِنَ الأدَبِ حتَّى تَكونَ نِسبَتُه في الكَثرةِ نِسبةَ الدَّقيقِ إلى المِلحِ، وكَثيرٌ مِنَ الأدَبِ مَعَ قَليلٍ مِنَ العَمَلِ الصَّالحِ خَيرٌ مِن كَثيرٍ مِنَ العَمَلِ مَعَ قِلَّةِ الأدَبِ، وقد أمَرَ اللَّهُ عِبادَه أن يَتَأدَّبوا مَعَه كما يَتَأدَّبون مَعَ أماثِلِهم؛ فإنَّ ذلك هو المُمكِنُ في عِبادةِ اللهِ تعالى؛ فإنَّه لا تَنفَعُه الطَّاعةُ، ولا تَضُرُّه المَعصيةُ، ولمَّا كان الأدَبُ مَعَ المُلوكِ أعظَمَ نَفعًا لفاعِلِه وأجدى عليه مِن كَثيرِ الخِدمةِ مَعَ قِلَّةِ الأدَبِ، كان الواقِعُ مَعَ اللهِ تعالى ذلك) [2] يُنظر: ((الفروق)) للقرافي (3/ 96). .
وقد سُئِل أبو العَبَّاسِ بنُ عَطاءٍ: ما الأدَبُ في ذاتِه؟ فقال: الوُقوفُ مَعَ المُستَحسَناتِ. فقيل: وما مَعناه؟ قال: أن تُعامِلَ اللَّهَ تعالى بالأدَبِ سِرًّا وإعلانًا [3] يُنظر: ((اللمع)) للسراج (ص: 195)، ((لباب الآداب)) لأسامة بن منقذ (ص: 227). .
وسُئِل ابنُ سِيرينَ: أيُّ الآدابِ أقرَبُ إلى اللهِ؟ فقال: (مَعرِفةُ رُبوبيَّتِه، وعَمَلٌ بطاعَتِه، والحَمدُ للهِ على السَّرَّاءِ، والصَّبرُ على الضَّرَّاءِ) [4] ((لباب الآداب)) لأسامة بن منقذ (ص: 228). .
وقال ابنُ قَيِّمِ الجَوْزيَّةِ: (الأدَبُ مَعَ اللهِ ثَلاثةُ أنواعٍ:
أحَدُها: صيانةُ مُعامَلتِه أن يَشوبَها بنَقيصةٍ.
الثَّاني: صيانةُ قَلبِه أن يَلتَفِتَ إلى غَيرِه.
الثَّالثُ: صيانةُ إرادَتِه أن تَتَعَلَّقَ بما يَمقُتُك عليه.
قال أبو عليٍّ الدَّقَّاقُ: العَبدُ يَصِلُ بطاعةِ اللهِ إلى الجَنَّةِ، ويَصِلُ بأدَبِه في طاعَتِه إلى اللهِ) [5] ((مدارج السالكين)) لابن القيم (2/ 356). .
وفيما يلي بيانُ هذه الآدابِ معَ اللهِ:

انظر أيضا: