موسوعة الآداب الشرعية

ثانيًا: فَهمُ النَّازِلةِ فَهمًا دقيقًا


فلا بُدَّ للمُفتي مِن تَفَهُّمِ المَسألةِ مِن جَميعِ جَوانِبِها، والتَّعَرُّفِ على جَميعِ أبعادِها وظُروفِها وأصولِها وفُروعِها ومُصطَلَحاتِها، وغَيرِ ذلك مِمَّا له تَأثيرٌ في الحُكمِ.
الدليلُ على ذلك مِن الآثارِ:
عنِ الشَّعبيِّ، قال: لمَّا بَعَثَ عُمَرُ رضِيَ اللهُ عنه شُرَيحًا على قَضاءِ الكوفةِ قال له: (انظُرْ ما تَبَيَّنَ لك في كِتابِ اللهِ فلا تَسألْ عنه أحَدًا، وما لم يَتَبَيَّنْ لك في كِتابِ اللهِ فابتَغِ فيه سُنَّةَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وما لم يَتَبَيَّنْ لك في السُّنَّةِ فاجتَهِدْ رَأيَك) [2408] أخرجه وكيع في ((أخبار القضاة)) (2/189)، وابن عبد البر في ((جامع بيان العلم وفضله)) (1598) واللفظ له، والخطيب في ((الفقيه والمتفقه)) (1/491). .
فائدةٌ:
قال ابنُ القَيِّمِ: (ولا يَتَمَكَّنُ المُفتي ولا الحاكِمُ مِنَ الفتوى والحُكمِ بالحَقِّ إلَّا بنَوعَينِ مِنَ الَفهمِ:
أحَدُهما: فَهمُ الواقِعِ، والفِقهُ فيه، واستِنباطُ عِلمِ حَقيقةِ ما وقَعَ بالقَرائِنِ والأماراتِ والعَلاماتِ حتَّى يُحيطَ به عِلمًا.
والنَّوعُ الثَّاني: فَهمُ الواجِبِ في الواقِعِ، وهو فهمُ حُكمِ اللهِ الذي حَكَمَ به في كِتابِه أو على لسانِ رَسولِه في هذا الواقِعِ.
ثُمَّ يُطَبِّقُ أحَدَهما على الآخَرِ؛ فمَن بَذَلَ جُهدَه واستَفرَغَ وُسعَه في ذلك لم يَعدَمْ أجرَينِ أو أجرًا، فالعالِمُ مَن يَتَوصَّلُ بمَعرِفةِ الواقِعِ والتَّفقُّهِ فيه إلى مَعرِفةِ حُكمِ اللهِ ورَسولِه، كَما تَوصَّلَ شاهِدُ يوسُفَ بشَقِّ القَميصِ مِن دُبُرٍ إلى مَعرِفةِ بَراءَتِه وصِدقِه. وكَما توصَّل سُلَيمانُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بقَولِه: «ائتوني بالسِّكِّينِ حتَّى أشُقَّ الولَدَ بَينَكُما» [2409] أخرجه البخاري (3427)، ومسلم (1720) باختلافٍ يسيرٍ من حديثِ أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، ولفظُ البخاريِّ: عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: كانت امرأتانِ معهما ابناهما، جاء الذِّئبُ فذهب بابنِ إحداهما، فقالت صاحِبَتُها: إنَّما ذهَب بابنِك، وقالت الأُخرى: إنَّما ذهَب بابنِك، فتحاكَمَتا إلى داودَ، فقضى به للكُبرى، فخرجَتَا على سُلَيمانَ بنِ داودَ، فأخبَرَتاه، فقال: ائتوني بالسِّكينِ أشُقَّه بَيْنَهما، فقالت الصُّغرى: لا تفعَلْ يرحمُك اللهُ، هو ابنُها، فقضى به للصُّغرى)). إلى مَعرِفةِ عَينِ الأمِّ) [2410] ((إعلام الموقعين)) (1/ 189، 190). .

انظر أيضا: