موسوعة الآداب الشرعية

ثالثًا: التَّثَبُّتُ والتَّحَرِّي واستِشارةُ أهلِ الاختِصاصِ


يَحتاجُ الفقيهُ إلى أن يَستَفصِلَ مِنَ السَّائِلِ عِندَ وُرودِ الاحتِمالِ إذا دَعا المَقامُ إلى ذلك، وكذلك زيادةُ التَّثَبُّتِ والتَّحَرِّي للمَسألةِ وعَدَمُ الاستِعجالِ في الحُكمِ عليها، والتَّأنِّي في نَظَرِه لها؛ فقد يَطرَأُ ما يُغَيِّرُ واقِعَ المَسألةِ أو يَصِلُ إليه عِلمٌ يُنافي حَقيقَتَها وما يَلزَمُ منها، فإذا أفتى أو حَكَمَ مِن خِلالِ نَظَرٍ قاصِرٍ أو قِلَّةِ بَحثٍ وتثبُّتٍ وتَرَوٍّ، فقد يُخطِئُ الصَّوابَ، ويَقَعُ في مَحذورٍ يَزِلُّ فيه خَلقٌ كَثيرٌ.
فائدةٌ:
مِمَّا يُذكَرُ عن مالِكٍ أنَّه قال: (إنِّي لأُفكِّرُ في مَسألةٍ مُنذُ بِضعَ عَشرةَ سَنةً، فما اتَّفقَ لي فيها رَأيٌ إلى الآنَ!) [2411] ((ترتيب المدارك)) لعياض (1/ 178). .
فحَقيقٌ بمَن أُقيمَ في هذا المَنصِبِ أن يُعِدَّ له عُدَّتَه، وأن يَتَأهَّبَ له أُهبَتَه، وأن يَعلَمَ قَدرَ المَقامِ الَّذي أُقيمَ فيه [2412] يُنظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (1/ 17). .
وأن يَستَفيدَ مِن أهلِ كُلِّ تَخَصُّصٍ، خاصَّةً في النَّوازِلِ المُعاصِرةِ، كالمُتَعَلِّقةِ بالطِّبِّ والاقتِصادِ والفلَكِ وغَيرِها، كما قال الخَطيبُ البَغداديُّ: (ثُمَّ يَذكُرُ المَسألةَ لمَن بحَضرَتِه مِمَّن يَصلُحُ لذلك مِن أهلِ العِلمِ، ويُشاوِرُهم في الجَوابِ، ويَسألُ كُلَّ واحِدٍ مِنهم عَمَّا عِندَه؛ فإنَّ في ذلك بَرَكةً، واقتِداءً بالسَّلَفِ الصَّالِح، وقد قال اللهُ تَبارَكَ وتعالى: وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [آل عمران: 159] ، وشاورَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في مَواضِعَ وأشياءَ، وأمرَ بالمُشاورةِ، وكانتِ الصَّحابةُ تُشاوِرُ في الفتاوى والأحكامِ) [2413] ((الفقيه والمتفقه)) (2/ 390). .

انظر أيضا: