موسوعة الآداب الشرعية

فوائِدُ مُتَفرِّقةٌ


كيفيةُ النَّومِ قبلَ طلوعِ الفجرِ
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا نامَ قُربَ طُلوعِ الفجرِ يَنامُ على حالةٍ لا يَستَثقِلُ مَعَها في نَومِه؛ لتَكونَ أقرَبَ إلى استيقاظِه [118] يُنظر: ((فتح الباري)) لابن رجب (5/ 103). .
فعن أبي قَتادةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا كان في سَفَرٍ فعَرَّس بليلٍ [119] التَّعريسُ: نُزولُ المُسافِرِ آخِرَ اللَّيلِ نَزلةً للنَّومِ والاستِراحةِ. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (3/ 206). ، اضطَجَعَ على يَمينِه، وإذا عَرَّس قُبَيلَ الصُّبحِ نَصَب ذِراعَه ووضَع رَأسَه على كَفِّه)) [120] أخرجه مسلم (683). .
وفي رِوايةٍ: ((كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا عَرَّس وعليه ليلٌ تَوسَّدَ يَمينَه، وإذا عَرَّس الصُّبحَ وَضَع رَأسَه على كَفِّه اليُمنى، وأقامَ ساعِدَه)) [121] أخرجها أحمد بعد حديث (22546). صحَّحها الألباني في ((صحيح الجامع)) (4752)، وصحَّح إسنادَها على شرط مسلم شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (37/242). .
قال ابنُ الجَوزيِّ: (التَّعريسُ: نُزولُ آخِرِ اللَّيلِ. وإنَّما كان يَفعَلُ في آخِرِ اللَّيلِ ما ذُكِرَ لأجلِ الصَّلاةِ؛ خَوفًا أن يَغلبَه النَّومُ) [122] ((كشف المشكل)) (2/ 155). .
وقال النَّوويُّ: (قال العُلَماءُ: إنَّما نَصَب ذِراعَه لئَلَّا يَستَغرِقَ في النَّومِ، فتَفوتَ صَلاةُ الصُّبحِ عن وقتِها أو عن أوَّلِ وَقتِها) [123] ((رياض الصالحين)) (ص: 289). ويُنظر: ((المجموع شرح المهذب)) للنووي (4/ 398). .
قصةٌ طريفةٌ
لمَّا أُهدِيَت قَطرُ النَّدى ابنةُ خُمارَوَيهِ بنِ أحمَدَ بنِ طُولونَ إلى زَوجِها المُعتَضِدِ أحَبَّها حُبًّا شَديدًا؛ لجِمالِ صُورَتها، وكَثرةِ آدابِها. وقيلَ: إنَّه خَلا بها في بَعضِ الأيَّامِ فوضَعَ رَأسَه على رُكبَتِها ونامَ، وكان المُعتَضِدُ كَثيرَ التَّحَرُّزِ على نَفسِه، فلمَّا نامَ تَلَطَّفت به وأزالَت رَأسَه عن رُكبَتِها ووضَعَتها على وِسادةٍ، ثُمَّ تَنَحَّت عن مَكانِها وجَلَسَت بالقُربِ منه في مَكانٍ آخَرَ، فانتَبَهَ المُعتَضِدُ فَزِعًا ولَم يَجِدْها، فصاحَ بها فكَلَّمته في الحالِ، فعَتَّبَها على ما فعَلَت مِن إزالةِ رَأسِه عن رُكبَتِها، وقال لَها: أسلَمتُ نَفسي لَك فتَرَكتِني وحيدًا، وأنا في النَّومِ لا أدرى ما يُفعَلُ بي! فقالت: يا أميرَ المُؤمِنينَ، ما جَهِلتُ قَدرَ ما أنعَمتَ به عليَّ، ولَكِنْ فيما أدَّبَني به والِدي خُمارَوَيهِ: (أنِّي لا أجلِسُ مَعَ النِّيامِ، ولا أنامُ مَعَ الجُلوسِ). فأعجَبَه ذلك مِنها إلى الغايةِ [124] يُنظر: ((النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة)) لابن تغري بردي (3/ 63). .
ما يفعلُ إذا دخَل على نيامٍ
 (إذا دَخَلتَ مَكانًا فيه نيامٌ -باللَّيلِ أوِ النَّهارِ- فراعِهم، وتَلطَّفْ في حَرَكَتِك وصَوتِك عِندَهم، ولا تَكُنْ ثَقيلًا في ضَجيجِك أو دُخولِك أو خُروجِك، بَل كُنْ رَفيقًا لطيفًا؛ فقد سَمِعتَ قَولَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «مَن يُحرَمِ الرِّفقَ يُحرَمِ الخَيرَ كُلَّه» [125] أخرجه أبو داود (4809) من حديثِ جَريرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنه. صَحَّحه ابنُ باز في ((مجموع الفتاوى)) (2/351)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4809). وأخرجه مسلم (2592) دونَ لفظةِ: ((كُلَّه)). . وقال المِقدادُ بنُ الأسوَدِ رَضِيَ اللهُ عنه: ((كُنَّا نَرفعُ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَصيبَه مِنَ اللَّبَنِ، فيَجيءُ مِنَ اللَّيلِ فيُسَلِّمُ تَسليمًا لا يوقِظُ النَّائِمَ، ويُسمِعُ اليَقظانَ)) [126] أخرجه مسلم (2055) باختلافٍ يسيرٍ، بلفظ: عنِ المِقدادِ، قال: ((أقبَلتُ أنا وصاحِبانِ لي، وقد ذَهَبَت أسماعُنا وأبصارُنا مِنَ الجَهدِ، فجَعَلنا نَعرِضُ أنفُسَنا على أصحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فليسَ أحَدٌ مِنهم يَقبَلُنا، فأتَينا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فانطَلقَ بنا إلى أهلِه، فإذا ثَلاثةُ أعنُزٍ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: احتَلِبوا هذا اللَّبَنَ بَينَنا، قال: فكُنَّا نَحتَلبُ فيَشرَبُ كُلُّ إنسانٍ مِنَّا نَصيبَه، ونَرفعُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَصيبَه، قال: فيَجيءُ مِنَ اللَّيلِ فيُسَلِّمُ تَسليمًا لا يوقِظُ نائِمًا، ويُسمِعُ اليَقظانَ...)). . وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا قامَ يَتَهَجَّدُ باللَّيلِ قَرَأ بصَوتٍ يُؤنِسُ اليَقظانَ، ولا يوقِظُ الوَسنانَ) [127] ((من أدب الإسلام)) (ص: 68). .

انظر أيضا: