موسوعة الآداب الشرعية

رابعًا: غَسلُ اليَدَينِ قَبلَ وَضعِهما في الإناءِ


يُستَحَبُّ لمَن قامَ مِن نَومِه أن يَغسِلَ يَدَيه ثَلاثًا قَبلَ إدخالِهما في ماءِ الوُضوءِ [257] وهو مذَهبُ الجمهورُ مِن الحنفِيَّةُ والمالِكِيَّةُ والشَّافِعِيَّةُ وهو رِوايَةٌ عن أحمدَ. يُنظر: ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (35/ 31). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا تَوضَّأ أحَدُكُم فليَجعَلْ في أنفِه ثُمَّ ليَنثُرْ، ومَنِ استَجمَرَ فليوتِرْ، وإذا استَيقَظَ أحَدُكُم مِن نَومِه فليَغسِلْ يَدَه قَبلَ أن يُدخِلَها في وَضوئِه [258] الوَضوءُ -بالفَتحِ-: الماءُ الذي يُتوَضَّأُ به. يُنظر: ((الصحاح)) للجوهري (1/ 81). ؛ فإنَّ أحَدَكُم لا يَدري أينَ باتَت يَدُه [259] قال الخَطَّابيُّ: (أمَرَه بغَسلِ يَدِه قَبل أن يُدخِلَها الماءَ الذي يُريدُ أن يَتَوضَّأَ به أمرَ أدَبٍ واستِحبابٍ لا أمرَ إيجابٍ وإلزامٍ؛ وذلك لأنَّه عَلَّقَه بالشَّكِّ والارتيابِ، والأمرُ المُضَمَّنُ بالشَّكِّ والارتيابِ لا يَكونُ واجِبًا، وأصلُ الماءِ الطَّهارةُ. وبدنُ الإنسانِ على حُكمِ الطَّهارةِ كذلك أيضًا، وإذا ثَبَتَتِ الطَّهارةُ يَقينًا لم تَزُلْ بأمرٍ مَشكوكٍ فيه، وإنَّما جاءَ هذا في المياهِ التي هيَ في حَدِّ القِلَّةِ إذ كان قد جَرَت عاداتُهم باستِعمالِ الآنيةِ الصِّغارِ في طُهورِهم، كالمَخاضِبِ والرِّكاءِ ونَحوِها دونَ المياهِ التي في الحياضِ والبِرَكِ والمَصانِعِ الواسِعةِ، فإنَّه إذا كان الماءُ في حَدِّ الكَثرةِ لم يَكُنْ هذا المَعنى مَوهومًا، وذَهَب بَعضُ أهلِ الظَّاهِرِ إلى إيجابِ غَسلِ اليَدِ قَبلَ إدخالِها الإناءَ، فإن أدخَلَها فيه قَبلَ غَسلِها فسَدَ الماءُ. وفرَّقَ بَعضُهم بَينَ نَومِ اللَّيلِ ونَومِ النَّهارِ، قال: وذلك لأنَّ الحَديثَ إنَّما جاءَ في نَومِ اللَّيلِ، بدَليلِ قَولِه: «أينَ باتَت يَدُه»، والمَبيتُ إنَّما يَكونُ ليلًا، فإنَّ الإنسانَ لا يَنكَشِفُ لنَومِ النَّهارِ كَما يَنكَشِفُ لنَومِ اللَّيلِ، فتَطوفُ يَدُه في أطرافِ بَدَنِه كَما تَطوفُ يَدُ النَّائِمِ ليلًا، ورُبَّما أصابَت مَوضِعَ العَورةِ، وكانوا قَلَّما يَستَعمِلونَ الماءَ، إنَّما يَستَنجونَ بالحِجارةِ ونَحوِها. وقد يَكونُ هناكَ لوثٌ مِن أثَرِ الحَدَثِ لم يُنَقِّه الاستِنجاءُ بالأحجارِ، فيَعلَقُ بيَدِه، فإذا غَمَسَها في الإناءِ فسَدَ الماءُ لمُخالَطةِ النَّجاسةِ إيَّاه. وهذا الذي قاله واحتَجَّ به قد يحتملُ أن يَكونَ، ويحتملُ أن لا يَكونَ، وأصلُ الماءِ الطَّهارةُ، وحُكمُ البَدَنِ الطَّهارةُ، كذلك ما لم يَتَيَقَّنْ نَجاسةً، والمُتَمَكِّنُ المُستَقِرُّ لا يَزولُ بالمُكتَفي المُتَرَدِّدِ بَينَ أن يَكونَ وبَينَ أن لا يَكونَ، فالاحتياطُ أن يَغسِلَها، والقياسُ أنْ لا وُجوبَ. وهو قَولُ أكثَرِ العُلماءِ). ((أعلام الحديث)) (1/ 253، 254). ويُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (1/ 47). وقال البَغَويُّ: (غَسلُ اليَدَينِ إلى الكوعَينِ ثَلاثًا في ابتِداءِ الوُضوءِ سُنَّةٌ، سَواءٌ قامَ مِنَ النَّومِ أو لم يَقُمْ، غَيرَ أنَّه إذا قامَ مِنَ النَّومِ لا يَغمِسُ يَدَه في الإناءِ حتَّى يَغسِلَها، فلو غَمَسَ يَدَه في الإناءِ قَبلَ الغَسلِ ولم يَعلَمْ أنَّ بها نَجاسةً يُكرَهُ، ولا يَفسُدُ الماءُ عِندَ أكثَرِ أهلِ العِلمِ. أدخَل ابنُ عُمَرَ والبَراءُ بنُ عازِبٍ اليَدَ في الإناءِ قَبلَ الغَسلِ، ثُمَّ تَوضَّآ. وقال أحمَدُ بنُ حَنبَلٍ: إن قامَ مِن نَومِ اللَّيلِ يَجِبُ غَسلُ اليَدَينِ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «فإنَّه لا يَدري أينَ باتَت يَدُه»، والبَيتوتةُ عَمَلُ اللَّيلِ، ولأنَّه لا يَتَكَشَّفُ بالنَّهارِ كتَكَشُّفِه باللَّيلِ، فلا يُتَوهَّمُ وُقوعُ يَدِه على مَوضِعِ النَّجاسةِ بالنَّهارِ ما يُتَوهَّمُ باللَّيلِ... وحَمَل الأكثَرونَ الحَديثَ في غَسلِ اليَدَينِ على الاحتياطِ؛ لأنَّه عليه السَّلامُ، قال: «فإنَّه لا يَدري أينَ باتَت يَدُه»، فعَلَّقَه بأمرٍ مَوهومٍ، وما عُلِّقَ بالمَوهومِ لا يَكونُ واجِبًا، وأصلُ الماءِ والبَدَنِ على الطَّهارةِ. وفيه إشارةٌ إلى أنَّ الأخذَ بالوثيقةِ، والعَمَلُ بالاحتياطِ في العِباداتِ أَولى). ((شرح السنة)) (1/ 407، 408). ) [260] أخرجه البخاري (162). .
وفي رِوايةٍ: ((إذا استيقَظ أحدُكم من نومِه فلا يغمِسْ يَدَه في الإناءِ حتَّى يغسِلَها ثلاثًا؛ فإنَّه لا يدري أين باتَت يدُه)) [261] أخرجها مسلم (278). .

انظر أيضا: