موسوعة الآداب الشرعية

سابعَ عَشَرَ: البَولُ جالِسًا


يُستحَبُّ الجُلوسُ أثناءَ التَّبَوُّلِ [346] وفي المَوسوعةِ الفِقهيَّةِ الكويتيَّةِ (15/ 274): (لا خِلافَ بَينَ الفُقَهاءِ في أنَّه يُستَحَبُّ الجُلوسُ أثناءَ التَّبَوُّلِ؛ لئَلَّا يَتَرَشَّشَ عليه). وفيها أيضًا (34/ 9): (يُكرَهُ عِندَ جُمهورِ الفُقَهاءِ أن يَبولَ الرَّجُلُ قائِمًا لغَيرِ عُذرٍ). ويَجوزُ البَولُ قائِمًا إن أُمِنَ التَّلوُّثُ والنَّاظِرُ [347] وجَوازُ البَولِ قائِمًا إن أُمِن التَّلوُّثُ والنَّاظِرُ هو مَذهَبُ الحَنابلةِ على الصَّحيحِ، وقَولٌ للمالكيَّةِ، وهو قَولُ طائِفةٍ مِنَ السَّلفِ، واختارَه ابنُ المُنذِرِ، والنَّوَويُّ، والشَّوكانيُّ، وابنُ بازٍ، وابنُ عُثيمين. يُنظر: ((الفروع)) لابن مفلح (1/135)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/386)، ((الإشراف)) لابن المنذر (1/173)، ((الأوسط)) لابن المنذر (1/458)، ((شرح مسلم)) للنووي (3/167)، ((نيل الأوطار)) للشوكاني (1/88)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (6/352)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/115، 116). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((مَن حَدَّثَكُم أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَبولُ قائِمًا فلا تُصَدِّقوه، ما كان يَبولُ إلَّا قاعِدًا)) [348] أخرجه الترمذي (12) واللفظُ له، والنسائي (29)، وابن ماجه (307). صححه ابن حبان في ((صحيحه)) (1430)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (12)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1544)، وحسنه النووي في ((المجموع)) (2/84). .
2- عن عَبدِ الرَّحمَنِ بنِ حَسَنةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((خَرَجَ علينا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وفي يَدِه الدَّرَقةُ [349] الدَّرَقةُ: الحَجَفةُ، والمُرادُ بها التُّرسُ إذا كان مِن جُلودٍ وليسَ فيه مِن خَشَبٍ ولا عَصَبٍ، وهو القَصَبُ الذي تُعمَلُ مِنه الأوتارُ. يُنظر: ((حاشية السيوطي على سنن النسائي)) (1/ 27). ،فوضَعَها ثُمَّ جَلسَ، فبال إليها، فقال بَعضُهم: انظُروا إليه، يَبولُ كَما تَبولُ المَرأةُ، فسَمِعَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: وَيحَك! أمَا عَلِمتَ ما أصابَ صاحِبَ بَني إسرائيلَ، كانوا إذا أصابَهمُ البَولُ قَرَضوه بالمَقاريضِ، فنَهاهم عن ذلك، فعُذِّبَ في قَبرِه)) [350] أخرجه أبو داود (22)، والنسائي (30)، وابن ماجه (346) واللفظُ له. صحَّحه ابنُ حبانَ في ((صحيحه)) (3127)، والنوويُّ في ((خلاصة الأحكام)) (1/158)، وابنُ حجرٍ في ((فتح الباري)) (1/392)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (346)، والوادعيُّ على شرطِ الشيخينِ في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (892). .
3- عن حُذَيفةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((أتى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سُباطةَ [351] السُّباطةُ: هيَ مَلقى القُمامةِ والتُّرابِ ونَحوِهما تَكونُ بفناءِ الدُّورِ مَرفَقًا لأهلِها، ويَكونُ مِثلُ ذلك في الأغلَبِ مُرتَفِعًا عن وَجهِ الأرضِ مُنثالًا يُخَدُّ فيه البَولُ ولا يَرتَدُّ على البائِلِ. يُنظر: ((أعلام الحديث)) للخطابي (1/ 278)، ((معالم السنن)) للخطابي (1/ 20)، ((شرح مسلم)) للنووي (3/ 165). قَومٍ، فبال قائِمًا، ثُمَّ دَعا بماءٍ، فجِئتُه بماءٍ فتَوضَّأ)) [352] أخرجه البخاري (224) واللفظُ له، ومسلم (273). .
ذَكَر النَّوَويُّ (أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فعَلَه للجَوازِ في هذه المَرَّةِ، وكانت عادَتُه المُستَمِرَّةُ يَبولُ قاعِدًا، ويَدُلُّ عليه حَديثُ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: «مَن حَدَّثَكُم أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَبولُ قائِمًا فلا تُصَدِّقوه، ما كان يَبولُ إلَّا قاعِدًا»... وقد رُويَ في النَّهيِ عنِ البَولِ قائِمًا أحاديثُ لا تَثبُتُ، ولكِن حَديثُ عائِشةَ هذا ثابتٌ؛ فلهذا قال العُلماءُ: يُكرَهُ البَولُ قائِمًا إلَّا لعُذرٍ، وهيَ كَراهةُ تَنزيهٍ لا تَحريمٍ) [353] ((شرح مسلم)) (3/ 166). .
وقال ابنُ حَجَرٍ: (الأظهَرُ أنَّه فعَل ذلك لبَيانِ الجَوازِ، وكان أكثَرُ أحوالهِ البَولَ عن قُعودٍ. واللَّهُ أعلمُ. وسَلكَ أبو عَوانةَ في صحيحِه وابنُ شاهين فيه مَسلكًا آخَرَ، فزَعَما أنَّ البَولَ عن قيامٍ مَنسوخٌ، واستَدَلَّا عليه بحَديثِ عائِشةَ: ما بالَ قائِمًا مُنذُ أُنزِل عليه القُرآنُ [354] لفظُه: عن عائشةَ، قالت: ((مَن حدَّثكَ أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بالَ قائِمًا فلا تُصدِّقْه، ما بالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قائمًا منذُ أُنزِل عليه القُرآنُ)). أخرجه أحمدُ (25045) واللفظُ له، والحاكمُ (657)، والبيهقيُّ (497). صحَّحه الحاكمُ وقال: على شرطِ الشَّيخينِ، والوادعيُّ في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1544)، وصحَّح إسنادَه الذَّهبيُّ في ((المهذب)) (1/111)، وشعيب الأرناؤوط على شرطِ مسلمٍ في تخريجِ ((مسند أحمد)) (25045). ، وبحَديثِها أيضًا ((مَن حَدَّثَكُم أنَّه كان يَبولُ قائِمًا فلا تُصَدِّقوه، ما كان يَبولُ إلَّا قاعِدًا)).
والصَّوابُ أنَّه غَيرُ مَنسوخٍ، والجَوابُ عن حَديثِ عائِشةَ: أنَّه مُستَنِدٌ إلى عِلمِها، فيُحمَلُ على ما وقَعَ مِنه في البُيوتِ، وأمَّا في غَيرِ البُيوتِ فلم تَطَّلِعْ هيَ عليه، وقد حَفِظَه حُذَيفةُ، وهو مِن كِبارِ الصَّحابةِ) [355] ((فتح الباري)) (1/ 330). .

انظر أيضا: