موسوعة الآداب الشرعية

أوَّلًا: أن يَجعَلَ للبَيتِ نَصيبًا مِن عِباداتِه


يُستَحَبُّ أن يَجعَلَ المَرءُ لبَيتِه نَصيبًا مِن عِبادَتِه، كَصَلاةِ النَّافِلةِ، وقِراءةِ القُرآنِ، وذِكرِ اللهِ.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا قَضى أحَدُكُمُ الصَّلاةَ في مَسجِدِه فليَجعَلْ لبَيتِه نَصيبًا مِن صَلاتِه؛ فإنَّ اللَّهَ جاعِلٌ في بَيتِه مِن صَلاتِه خَيرًا)) [376] أخرجه مسلم (778). .
2- عن ابنِ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((اجعَلوا مِن صَلاتِكُم في بُيوتِكُم، ولا تَتَّخِذوها قُبورًا)) [377] أخرجه البخاري (432)، ومسلم (777) واللفظُ له. .
قال عِياضٌ: (هذا مِنَ التَّمثيلِ البَديعِ حينَ شَبَّهَ البَيتَ الذي لا يُصَلَّى فيه بالقَبرِ الذي لا يَتَأتَّى فيه مِن ساكِنِه عِبادةٌ، وشَبَّه النَّائِمَ ليلَه كُلَّه بالمَيِّتِ في قَبرِه، وكذلك تَمثيلُه بالحَيِّ والمَيِّتِ؛ لأنَّ العَمَلَ إنَّما يَتَأتَّى مِنَ الحَيِّ، وقد يَرجِعُ التَّمثيلُ إلى صاحِبِ البَيتِ) [378] ((إكمال المعلم)) (3/ 144). .
وقال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: (قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «اجعَلوا مِن صَلاتِكُم في بُيوتِكُم» "مِن" هنا للتَّبعيضِ، ويَعني به النَّوافِلَ، بدَليلِ قَولِه في الحَديثِ الآخَرِ: «إذا قَضى أحَدُكُمُ الصَّلاةَ في مَسجِدِه فليَجعَلْ لبَيتِه نَصيبًا مِن صَلاتِه».
وقَولُه: «ولا تَتَّخِذوها قُبورًا» أي: لا تُصَيِّروها كالقُبورِ التي ليسَ فيها صَلاةٌ.
وقَولُه: «فإنَّ اللَّهَ جاعِلٌ في بَيتِه مِن صَلاتِه خَيرًا» الضَّميرُ في بَيتِه عائِدٌ على المُصَلِّي الذي تَضَمَّنَه الكَلامُ المُتَقدِّمُ. و"مِن" هاهنا سَبَبيَّةٌ، بمَعنى: مِن أجلِ.
والخَيرُ الذي يُجعَلُ في البَيتِ بسَبَبِ التَّنَفُّلِ فيه هو: عِمارَتُه بذِكرِ اللهِ، وبطاعَتِه، وبالمَلائِكةِ، وبدُعائِهم، واستِغفارِهم، وما يَحصُلُ لأهلِه مِنَ الثَّوابِ والبَرَكةِ) [379] ((المفهم)) (2/ 411). .
3- عن زَيدِ بنِ ثابتٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((... عليكُم بالصَّلاةِ في بُيوتِكُم؛ فإنَّ خَيرَ صَلاةِ المَرءِ في بَيتِه إلَّا الصَّلاةَ المَكتوبةَ)) [380] أخرجه البخاري (6113)، ومسلم (781). .
وفي رِوايةٍ: ((... فصَلُّوا أيُّها النَّاسُ في بُيوتِكُم؛ فإنَّ أفضَلَ صَلاةِ المَرءِ في بَيتِه إلَّا الصَّلاةَ المَكتوبةَ)) [381] أخرجها البخاري (7290). .
4- عن عبدِ اللهِ بنِ سَعدٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((سَألتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أيُّما أفضَلُ؛ الصَّلاةُ في بَيتي أوِ الصَّلاةُ في المَسجِدِ؟ قال: ألَا تَرى إلى بَيتي ما أقرَبَه مِنَ المَسجِدِ، فلأن أصَلِّيَ في بَيتي أحَبُّ إليَّ مِن أن أصلِّيَ في المَسجِدِ، إلَّا أن تَكونَ صَلاةً مَكتوبةً)) [382] أخرجه ابن ماجه (1378) واللفظُ له، وأحمد (19007) مطولًا. صحَّحه ابنُ خزيمةَ في ((الصحيح)) (2/362)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (1378)، وحسَّنه الوادعيُّ في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1/493). .
5- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا تَجعَلوا بُيوتَكُم مَقابِرَ، إنَّ الشَّيطانَ يَنفِرُ مِنَ البَيتِ الذي تُقرَأُ فيه سورةُ البَقَرةِ)) [383] أخرجه مسلم (780). .
أي: لا تَجعَلوا بُيوتَكُم كالقُبورِ خاليةً عنِ الذِّكرِ والقِراءةِ، بَل اجعَلوا لها نَصيبًا مِنَ الطَّاعةِ [384] يُنظر: ((مطالع الأنوار)) لابن قرقول (5/ 297)، ((التيسير)) للمناوي (1/ 194). .
6- عن أبي موسى رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((مَثَلُ البَيتِ الذي يُذكَرُ اللَّهُ فيه والبَيتِ الذي لا يُذكَرُ اللَّهُ فيه: مَثَلُ الحَيِّ والمَيِّتِ)) [385] أخرجه البخاري (6407)، ومسلم (779) واللفظُ له. .

انظر أيضا: