موسوعة الآداب الشرعية

رابعًا: عَدَمُ لُبسِ الشَّعرِ الصِّناعيِّ (الباروكةِ)


لا يجوزُ للمَرأةِ ولا للرَّجُلِ لُبسُ الشَّعرِ الصِّناعيِّ (الباروكةِ) [1108] وهو قَولُ ابنِ بازٍ، وابنِ عُثَيمين، وبه أفتَت اللَّجنةُ الدَّائِمةُ. قال ابنُ بازٍ: (الشَّعرُ الاصطِناعيُّ المسمَّى "الباروكةَ" لا يجوزُ لُبسُه، سواءٌ كان اللَّابِسُ له رجلًا أم امرأةً). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (29/95). وقال ابنُ عُثَيمين: (الباروكةُ محرَّمةٌ وهي داخِلةٌ في الوَصلِ، وإن لم تكُنْ وَصلًا فهي تُظهِرُ رأسَ المرأةِ على وَجهٍ أطوَلَ مِن حقيقتِه، فتُشبِهُ الوَصلَ، وقد لعَن النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الواصِلةَ والمُستَوصِلةَ). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/137). وجاء في فتاوى اللَّجنةِ الدَّائمةِ: (لا يجوزُ للرجُلِ أن يَلبَسَ الشَّعرَ المُسمَّى بالباروكةِ؛ للزِّينةِ، كما لا يجوزُ ذلك للمرأةِ). ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (5/207). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن أبي الزُّبَيرِ، أنَّه سَمِعَ جابِرَ بنَ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما يقولُ: ((زجَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن تَصِلَ المرأةُ برَأسِها شَيئًا)) [1109] أخرجه مسلم (2126). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ كَلِمةَ (شيئًا) عامَّةٌ، فشَمِلَ الشَّعرَ وغَيرَه مِن الشُّعورِ المَصنوعةِ التي تُشبِهُ الشُّعورَ التي خلَقَها اللهُ عزَّ وجَلَّ [1110] ((فتاوى نور على الدرب)) لابن عثيمين (2/582). .
2- عن مُعاويةَ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّه خطَبَ النَّاسَ على مِنبَرِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وتناوَلَ قُصَّةً مِن الشَّعرِ كانت بيَدِ حَرَسِيٍّ، فقال: أين عُلَماؤُكم يا أهلَ المدينةِ؟ سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ينهى عن مِثلِ هذه، ويقولُ: إنَّما هلَكَت بنو إسرائيلَ حين اتَّخَذَ هذه نِساؤُهم)) [1111] أخرجه البخاري (5932)، ومسلم (2127) واللفظ له. .
وعن سعيدِ بنِ المُسَيِّبِ، قال: ((قَدِمَ مُعاويةُ المدينةَ فخَطَبَنا، وأخرجَ كُبَّةً [1112]كُبَّةٌ: أي: قُصَّةٌ، والمُرادُ: جَماعةٌ مِن شَعرٍ مَكفوفٍ بَعضُه على بَعضٍ. يُنظر: ((شرح مسلم)) للنووي (14/ 108)، ((منحة الباري)) لزكريا الأنصاري (6/ 567). مِن شَعرٍ فقال: ما كنتُ أُرى أنَّ أحدًا يفعَلُه إلَّا اليهودَ، إنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بلَغَه، فسَمَّاه الزُّورَ [1113] الزُّورُ: الكَذِبُ والباطِلُ، أي: إنَّ استِعمالَ هذا باطِلٌ لا يَحِلُّ شَرعًا. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (2/ 318)، ((ذخيرة العقبى)) للإثيوبي (38/ 360، 361). ) [1114] أخرجه مسلم (2127). ، وفي لفظٍ: ((إنَّكم قد أحدَثْتُم زِيَّ سوءٍ، وإنَّ نبيَّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نهى عن الزُّورِ)) [1115] أخرجه مسلم (2127). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ ما يُعرَفُ بالباروكةِ إن لم يكُنْ هو عينَ ما ذكَرَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن بني إسرائيلَ، فليس دُونَه، بل هو أشَدُّ منه في الفِتنةِ والتَّلبيسِ والزُّورِ [1116] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/56). .
3- عن أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قالت: ((جاءت امرأةٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالت: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ لي ابنةً عُرَيِّسًا أصابَتْها حَصْبةٌ فتمَرَّقَ شَعرُها، أفأَصِلُه؟ فقال: لعَنَ اللهُ الواصِلةَ والمُستَوصِلةَ)) [1117] أخرجه البخاري (5941)، ومسلم (2122) واللفظ له. .
4- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: ((أنَّ جاريةً مِن الأنصارِ تزوَّجَت، وأنَّها مَرِضَت فتمَعَّطَ [1118] فتمَعَّطَ: أي: انتُتِف وتَساقَط. يُنظر: ((إكمال المعلم)) لعياض (6/651). شَعرُها فأرادوا أن يَصِلوها، فسألوا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: لعَنَ اللهُ الواصِلةَ والمُستَوصِلةَ)) [1119] أخرجه البخاري (5934) واللفظ له، ومسلم (2123). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
 أنَّه إذا كان وَصلُ المرأةِ شَعْرَها بما يُطَوِّلُه أو يكَثِّرُه ويكَبِّرُه حرامًا تستحِقُّ عليه المرأةُ اللَّعنةَ؛ لِما في ذلك مِن الخِداعِ والتَّدليسِ والزُّورِ- فاتِّخاذُ رأسٍ كاملٍ مُزَوَّرٍ أشَدُّ في التَّدليسِ، وأعظَمُ في الزُّورِ والخِداعِ [1120] ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/57). .
فائِدةٌ:
إذا لم يُوجَدْ للمرأةِ شَعرٌ أصلًا، أو كانت قَرعاءَ؛ فلا حرَجَ من استعمالِ الباروكةِ. قال ابنُ عُثَيمين: (إن لم يكُنْ على رأسِ المرأةِ شَعرٌ أصلًا، أو كانت قَرعاءَ؛ فلا حرجَ مِن استعمالِ الباروكةِ؛ لِيَستُرَ هذا العيبَ؛ لأنَّ إزالةَ العيوبِ جائزةٌ؛ ولهذا أذِنَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِمَن قُطِعَت أنفُه في إحدى الغَزَواتِ أن يتَّخِذَ أنفًا من ذهَبٍ، فالمسألةُ أوسَعُ من ذلك، فتدخُلُ فيها مسائِلُ التَّجميلِ وعمليَّاتُه، فما كان لإزالةِ عَيبٍ فلا بأسَ به، مِثلُ أن يكونَ في أنفِه اعوِجاجٌ فيُعَدِّلَه، أو إزالةِ بقعةٍ سَوداءَ مَثَلًا، فهذا لا بأسَ به، أمَّا إن كان لغيرِ إزالةِ عَيبٍ، كالوشْمِ والنَّمصِ مثلًا، فهذا هو الممنوعُ) [1121] ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/137). .

انظر أيضا: