موسوعة الآداب الشرعية

ثانيًا: عَدَمُ التَّفلُّجِ للحُسنِ


لا يَجوزُ التَّفلُّجُ للحُسنِ، وهو فَرقُ ما بَينَ الثَّنايا بالمِبرَدِ ونَحوِه مِن أجلِ التَّحسينِ [1190] قال القُرطُبيُّ: (المُتَفلِّجاتُ: جمعُ مُتَفلِّجةٍ، وهيَ التي تَفعَلُ الفَلجَ في أسنانِها، أي: تُعانيه حتَّى تَرجِعَ المُصمَتةُ الأسنانِ خِلقةً فَلْجاءَ صَنعةً. وفي غَيرِ كِتابِ مُسلمٍ: «الواشِرات»، وهيَ جَمعُ واشِرةٍ، وهيَ التي تَشِرُ أسنانَها، أي: تَصنَعُ فيها أشرًا، وهيَ التَّحزيزاتُ التي تَكونُ في أسنانِ الشُّبَّانِ، تَفعَلُ ذلك المَرأةُ الكَبيرةُ تَشَبُّهًا بالشَّابَّةِ. وهذه الأُمورُ كُلُّها قد شَهِدَتِ الأحاديثُ بلَعنِ فاعِلِها، وأنَّها مِنَ الكَبائِرِ. واختُلِف في المَعنى الذي نُهيَ لأجلِها، فقيل: لأنَّها مِن بابِ التَّدليسِ. وقيل: مِن بابِ تَغييرِ خَلقِ اللهِ تعالى، كَما قال ابنُ مَسعودٍ، وهو أصَحُّ، وهو يَتَضَمَّنُ المَعنى الأوَّلَ. ثُمَّ قيل: هذا المَنهيُّ عنه إنَّما هو فيما يَكونُ باقيًا؛ لأنَّه مِن بابِ تَغييرِ خَلقِ اللهِ تعالى، فأمَّا ما لا يَكونُ باقيًا، كالكُحلِ والتَّزَيُّنِ به للنِّساءِ، فقد أجازَ العُلماءُ ذلك؛ مالِكٌ وغَيرُه). ((الجامع لأحكام القرآن)) (5/393). وقال النَّوويُّ في شَرحِه لحَديثِ عَبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، في لعنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للواشِماتِ والمُستَوشِماتِ: (وأمَّا قَولُه: «المُتَفلِّجاتُ للحُسنِ» فمَعناه: يَفعَلنَ ذلك طَلبًا للحُسنِ، وفيه إشارةٌ إلى أنَّ الحَرامَ هو المَفعولُ لطَلَبِ الحُسنِ). ((شرح مسلم)) (14/107). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ:
أ- مِنَ الكِتابِ:
قَولُه تعالى حِكايةً عن إبليسَ لعنَه اللهُ: وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ [النساء: 119] .  
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ هذا يَتَناولُ تَغييرَ الخِلقةِ الظَّاهرةِ بالوَشمِ [1191] الوَشمُ: غَرزُ الجِلدِ بالإبَرِ ثُمَّ حَشوُه بالكُحلِ. يُنظر: ((إرشاد الساري)) للقسطلاني (4/115). ، والوَشْرِ [1192] الوَشرُ: تَحديدُ الأسنانِ وتَرقيقُها. يُنظر: ((مختار الصحاح)) للرازي (ص: 339). ، والنَّمْصِ، والتَّفلُّجِ للحُسنِ، ونَحوِ ذلك مِمَّا أغواهم به الشَّيطانُ، فغَيَّروا خِلقةَ الرَّحمنِ [1193] ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص: 204). .
ب- مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((لعَنَ اللهُ الواشِماتِ والموتَشِماتِ، والمُتَنَمِّصاتِ، والمُتَفلِّجاتِ للحُسنِ [1194] المُتَفلِّجاتُ: جمعُ مُتَفلِّجةٍ: وهيَ التي تَفرُقُ ما بَينَ ثَناياها بالمِبرَدِ ونَحوِه. للحُسنِ: أي: مِن أجلِ التَّحسينِ. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (10/ 372). المُغَيِّراتِ خَلقَ اللهِ، فبَلغَ ذلك امرَأةً مِن بَني أسَدٍ يُقالُ لها أمُّ يَعقوبَ، فجاءَت فقالت: إنَّه بَلَغَني عنك أنَّك لعَنتَ كَيتَ وكَيتَ، فقال: وما لي لا ألعنُ مَن لَعَن رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومَن هو في كِتابِ اللهِ، فقالت: لقد قَرَأتُ ما بَينَ اللَّوحَينِ، فما وَجَدتُ فيه ما تَقولُ، قال: لئِنْ كُنتِ قَرَأتيه لقد وَجَدتيه، أمَا قَرَأتِ: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا؟ قالت: بَلى، قال: فإنَّه قد نَهى عنه، قالت: فإنِّي أرى أهلَك يَفعَلونَه! قال: فاذهَبي فانظُري، فذَهَبَت فنَظَرَت، فلم تَرَ مِن حاجَتِها شَيئًا، فقال: لو كانت كذلك ما جامَعَتْنا)) [1195] أخرجه البخاري (4886) واللفظ له، ومسلم (2125). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّه قال: ((لعنَ اللهُ المُتَفلِّجاتِ للحُسنِ))، ودَلالةُ اللَّعنِ على التَّحريمِ مِن أقوى الدَّلالاتِ [1196] يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (10/377). .

انظر أيضا: