موسوعة الآداب الشرعية

ثانيًا: تجنُّبُ خِضابِ الشَّعرِ بالسَّوادِ


يُكرَهُ خِضابُ الشَّعرِ بالسَّوادِ [1208] وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّةِ، والمالِكيَّةِ، والحَنابِلةِ، وهو قولٌ عندَ الشَّافِعيَّةِ. يُنظر: ((حاشية ابن عابدين)) (6/422). ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (2/447)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/77)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/234). قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (مِمَّن كَرِه الخِضابَ بالسَّوادِ: مجاهدٌ، وعَطاءٌ، وطاوسٌ، ومكحولٌ، والشَّعبيُّ). ((الاستذكار)) (8/441). وذكَر أبو العبَّاسِ القُرطبيُّ الكراهةَ أيضًا عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه. يُنظر: ((المفهم)) (5/419). .
الدَّليلُ على ذلك مِن السُّنَّةِ:
عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّه قال: ((أُتِيَ بأبي قُحافةَ يومَ فَتحِ مَكَّةَ ورأسُه ولِحيتُه كالثَّغامةِ [1209] يعني نَبتًا أو شَجَرًا يقالُ له: الثَّغامُ، وهو أبيضُ الثَّمَرِ أو الزَّهرِ، فشُبِّه بياضُ الشَّيبِ به. يُنظر: ((غريب الحديث)) للقاسم بن سلام (2/ 139). بَياضًا، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: غَيِّروا هذا بِشَيءٍ، واجتَنِبوا السَّوادَ)) [1210] أخرجه مسلم (2102). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّهيَ في الحديثِ عن تغييرِ الشَّيبِ بالسَّوادِ للكراهةِ، وليس للتَّحريمِ؛ وذلك للآتي:
أ- أنَّه قد حُكِي الإجماعُ على عدَمِ التَّحريمِ [1211] قال أبو العبَّاسِ القُرطبيُّ: (غيرَ أنَّه لم نَسمَعْ أنَّ أحدًا مِن العُلَماءِ قال بتحريمِ ذلك). ((المفهم)) (5/419). وقال ابنُ الجَوزيِّ: (واعلَمْ أنَّه قد خَضَب جماعةٌ مِن الصَّحابةِ بالسَّوادِ؛ منهم الحَسَنُ والحُسَينُ وسَعدُ بنُ أبى وقَّاصٍ، وخلقٌ كثيرٌ مِن التَّابِعينَ، وإنَّما كرِهه قومٌ لِما فيه مِن التَّدليسِ، فأمَّا أن يرتقِيَ إلى درجةِ التَّحريمِ، إذ لم يُدَلِّسْ... فلم يَقُلْ بذلك أحدٌ). ((الموضوعات)) (3/55). .
ب- أنَّ جماعةً مِن الصَّحابةِ والتَّابِعينَ قد خضَبوا بالسَّوادِ [1212] قال ابنُ القَيِّمِ: (صَحَّ عن الحسَنِ والحُسَينِ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّهما كانا يَخضِبانِ بالسَّوادِ، ذَكَر ذلك ابنُ جَريرٍ عنهما في كتابِ "تهذيبِ الآثارِ"، وذكره عن عُثمانَ بنِ عَفَّانَ، وعبدِ اللهِ بنِ جَعفَرٍ، وسَعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ، وعُقبةَ بنِ عامرٍ، والمُغيرةِ بنِ شُعبةَ، وجَريرِ بنِ عبدِ اللهِ، وعمرِو بنِ العاصِ، وحكاه عن جماعةٍ مِن التَّابعينَ؛ منهم: عمرُو بنُ عُثمانَ، وعليُّ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ، وأبو سَلَمةَ بنُ عبدِ الرَّحمنِ، وعبدُ الرَّحمنِ بنُ الأسوَدِ، وموسى بنُ طَلحةَ، والزُّهريُّ، وأيُّوبُ، وإسماعيلُ بنُ مَعدِيكَرِبَ. وحكاه ابنُ الجوزيِّ عن مُحارِبِ بنِ دِثارٍ، ويزيدَ، وابنِ جُرَيجٍ، وأبي يوسُفَ، وأبي إسحاقَ، وابنِ أبي ليلى، وزيادِ بنِ علاقَة، وغيلانَ بنِ جامعٍ، ونافعِ بنِ جُبيرٍ، وعمرِو بنِ عليٍّ المقدميِّ، والقاسمِ بنِ سَلامٍ). ((زاد المعاد)) (4/337). ويُنظر: ((تهذيب الآثار-الجزء المفقود)) للطبري (ص: 468 فما بعدها). ، فلو كان حرامًا لَما فعلوه، ولأُنكِر عليهم ذلك، لكنْ لم يُنقلْ إنكارُ أحدٍ عليهم [1213] ((تهذيب الآثار-الجزء المفقود)) للطبري (ص: 518)، (المغني عن الحفظ والكتاب)) للموصلي (2/477). .
ج- لأنَّ الأمرَ بتغييرِ الشَّيبِ للنَّدبِ، وكذلك النَّهيُ عن تغييرِه بالسَّوادِ على الكَراهةِ [1214] وقد ذكر الطَّبريُّ أنَّ الأحاديثَ التي فيها الأمرُ بتغييرِ الشَّيبِ إنَّما هي على سبيلِ النَّدبِ، والتي فيها النَّهيُ عن تغييرِه إنَّما هي على الكراهةِ لا التَّحريمِ، وحكى الإجماعَ على ذلك. فقال: (إذ كان الأمرُ مِن رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم بتغييرِ ذلك ندبًا لا فرضًا، وإرشادًا لا إيجابًا، وكذلك: لا أرَى مُغيِّرَ ذلك -وإن كان قليلًا ما ابيَضَّ منه- حَرِجًا بتغييرِه؛ إذ كان النَّهيُ عن ذلك مِن رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم كان تكريهًا لا تحريمًا؛ لإجماعِ سلَفِ الأمَّةِ وخَلَفِها على ذلك). ((تهذيب الآثار- الجزء المفقود)) للطبري (ص: 518). ويُنظر: ((نيل الأوطار)) للشوكاني (1/152). .

انظر أيضا: