موسوعة الآداب الشرعية

ثالثًا: تَركُ لُبسِ الخاتَمِ في السَّبابةِ والوُسطى


يُكرهُ لُبسُ الرَّجُلِ للخاتَمِ في إصبَعِه السَّبَّابةِ والوُسطى [1275] ممَّن نصَّ على كراهةِ تختمِ الرَّجُلِ في إصبَعِه السَّبَّابةِ والوُسطى: الشافعيةُ والحنابلةُ. يُنظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/380)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/103). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
عن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((نهاني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن أتختَّمَ في إصْبَعي هذه أو هذه، قال: فأومأَ إلى الوُسطى والتي تَليها)) [1276] أخرجه مسلم (2078). .
فوائِدُ ومَسائِلُ:
1- يجوزُ التَّخَتُّمُ في الإبهامِ والبِنصِرِ [1277] وهو مَذهَبُ الحَنابِلةِ. يُنظر: ((الإقناع)) للحجاوي (1/274)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/236)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (2/64). ؛ لأنَّ النَّهيَ إنَّما ورد في الوُسطى والسَّبَّابةِ، فلا يُمنَعُ في غيرِهما؛ اقتصارًا على النَّصِّ [1278] ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (2/64). وقال ابنُ عُثَيمين: (الأصابِعُ بالنِّسبةِ لِوَضعِ الخاتَمِ عندَ الفُقهاءِ ثلاثةُ أقسامٍ: قسمٌ مستحَبٌّ: وهو الخِنصِرُ، وقِسمٌ مكروهٌ: وهو السَّبَّابةُ والوُسطى. وقسمٌ مباحٌ: وهو الإبهامُ والبِنصِرُ، وبعضُهم ألحقَ الإبهامَ بالسَّبَّابةِ والوُسطى). ((الشرح الممتع)) (6/109). .
2- للمرأةِ أن تتخَتَّمَ في أيِّ أصابعِها شاءَت [1279] يُنظر: ((شرح مسلم)) للنووي (14/71). .
3- يجوزُ للرَّجُلِ لُبسُ خاتَمينِ فأكثَرَ [1280] نصَّ عليه الشافعيةُ والحنابلةُ. يُنظر: ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/92)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/238). ؛ وذلك لأنَّه مِن الزِّينةِ، والأصلُ فيها الإباحةُ [1281] يُنظر: ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/133) و(12/290)، ((لقاء الباب المفتوح)) (اللقاء رقم: 131). لكن قال الخطَّابيُّ: (... وقد أبدَعَ عَوامُّ النَّاسِ في أواخِرِ الزَّمانِ لُبسَ الخَواتيمِ في اليَدَينِ، وليسَ ذلك مِن جُملةِ هذا البابِ، ولا هو بحَميدٍ في مَذاهِبِ أهلِ الفَضلِ والنُّبلِ، ورُبَّما ظاهَرَ بَعضُهم بلُبسِ العَدَدِ مِنَ الخَواتيمِ زَوجَينِ زَوجَينِ، وكُلُّ ذلك مَكروهٌ ومُستَهجَنٌ في حَميدِ العاداتِ ورَضيِّ الشَّمائِلِ ولُبسِ العِليةِ مِنَ النَّاسِ. وفي الجُملةِ فليسَ يُستَحسَنُ أن يَتَخَتَّمَ الرَّجُلُ إلَّا بخاتَمٍ واحِدٍ مَنقوشٍ، فيُلبَسُ للحاجةِ إلى نَقشِه، لا لحُسنِه وبَهجةِ لَونِه). ((أعلام الحديث)) (3/ 2150). ويُنظر: ((طرح التثريب)) للعراقي (8/ 139). .
4- يجوزُ التَّخَتُّمُ في اليَمينِ أو اليَسارِ [1282] قال الإمامُ أحمَدُ: (التَّختُّمُ في اليَسارِ أحَبُّ إليَّ، وهو أقوى وأثبَتُ). يُنظر: ((مسائل الإمام أحمد رواية ابنه أبي الفضل صالح)) (2/ 208)، ((أحكام الخواتيم)) لابن رجب (ص: 83). وقال ابنُ عَقيلٍ الحَنبَليُّ: (الاختيارُ التَّختُّمُ في اليَسارِ، وإن تختَّم في اليَمينِ فلا بأسَ). ((فصول الآداب)) (ص: 56). وقال ابنُ حَجَرٍ: (يظهَرُ لي أنَّ ذلك يختَلِفُ باختلافِ القَصدِ؛ فإن كان اللُّبسُ للتَّزيُّنِ به فاليمينُ أفضَلُ، وإن كان للتَّختُّمِ به فاليسارُ أَولى؛ لأنَّه كالمودَعِ فيها ويحصُلُ تناوُلُه منها باليمينِ، وكذا وَضعُه فيها، ويترجَّحُ التَّختُّمُ في اليمينِ مُطلَقًا؛ لأنَّ اليسارَ آلةُ الاستنجاءِ، فيُصانُ الخاتَمُ إذا كان في اليَمينِ عن أن تُصيبَه النَّجاسةُ، ويترجَّحُ التَّختُّمُ في اليسارِ بما أشرتُ إليه من التَّناوُلِ، وجنَحَت طائفةٌ إلى استواءِ الأمرينِ، وجمعوا بذلك بينَ مختَلِفِ الأحاديثِ). ((فتح الباري)) (10/ 327). .
الدَّليلُ على ذلك مِن السُّنَّةِ والإجماعِ والآثارِ:
أ- مِن السُّنَّةِ
1- عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَبِسَ خاتَمَ فِضَّةٍ في يمينِه، فيه فَصٌّ حَبَشيٌّ، كان يجعَلُ فَصَّه ممَّا يلي كَفَّه)) [1283] أخرجه مسلم (2094). .
وعنه رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كان خاتَمُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في هذه، وأشار إلى الخِنصِرِ من يَدِه اليُسرى)) [1284] أخرجه مسلم (2095). .
2- عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عنهما: ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اصطنعَ خاتَمًا مِن ذهَبٍ، فكان يجعَلُ فَصَّه في باطِنِ كَفِّه إذا لَبِسَه، فصنع النَّاسُ، ثُمَّ إنَّه جلَسَ على المِنبَرِ فنَزَعه، فقال: إنِّي كنتُ ألبَسُ هذا الخاتَمَ، وأجعَلُ فَصَّه مِن داخلٍ، فرمى به، ثمَّ قال: واللهِ لا ألبَسُه أبدًا، فنبَذَ النَّاسُ خواتيمَهم)) وزاد في حديثِ عُقبةَ بنِ خالدٍ: ((وجعَلَه في يَدِه اليُمنى)) [1285] أخرجه البخاري (6651)، ومسلم (2091) واللفظ له. .
3- عن ثابتٍ: أنَّهم سألوا أنَسًا عن خاتَمِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: ((أخَّرَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم العِشاءَ ذاتَ لَيلةٍ إلى شَطْرِ اللَّيلِ -أو كاد يذهَبُ شَطْرُ اللَّيلِ- ثمَّ جاء فقال: إنَّ النَّاسَ قد صَلَّوا ونامُوا، وإنَّكم لم تزالوا في صلاةٍ ما انتظَرتُم الصَّلاةَ، قال أنس: كأنِّي أنظُرُ إلى وَبيصِ خاتَمِه مِن فِضَّةٍ -ورفَعَ إصبَعَه اليُسرى بالخِنصِرِ)) [1286] أخرجه البخاري (572)، ومسلم (640) واللفظ له. .
ب- من الإجماعِ
نقَلَ الإجماعَ على جوازِ التَّخَتُّمِ في اليَمينِ واليَسارِ: النَّوويُّ وغَيرُه [1287] قال النَّوويُّ: (وأمَّا الحُكمُ في المسألةِ عندَ الفُقَهاءِ، فأجمعوا على جوازِ التَّختُّمِ في اليمينِ، وعلى جوازِه في اليسارِ، ولا كراهةَ في واحدةٍ منهما، واختلفوا أيَّتُهما أفضَلُ، فتخَتَّمَ كثيرونَ مِن السَّلَفِ في اليَمينِ، وكثيرون في اليَسارِ). ((شرح مسلم)) (14/73). وقال ابنُ عبدِ البَرِّ: (وقد كان التَّختُّمُ في اليمينِ مباحًا حسَنًا؛ لأنَّه قد تختَّمَ به جماعةٌ مِن السَّلَفِ في اليَمينِ، كما تختَّمَ منهم جماعةٌ في الشِّمالِ، وقد رُويَ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الوَجهانِ جميعًا، فلمَّا غلَبَت الرَّوافِضُ على التَّختُّمِ في اليمينِ ولم يَخلِطوا به غيرَه، كَرِهَه العُلَماءُ؛ مُنابذةً لهم وكراهيةً للتَّشَبُّهِ بهم، لا أنَّه حرامٌ ولا أنَّه مكروهٌ). ((التمهيد)) (6/80، 81). وقال ابنُ حَجَرٍ: (ونقَل النَّوويُّ وغيرُه الإجماعَ على الجوازِ، ثمَّ قال: ولا كراهةَ فيه -يعني عندَ الشَّافعيَّةِ- وإنَّما الاختلافُ في الأفضلِ). ((فتح الباري)) (10/327). .
ج- من الآثارِ
عن نافعٍ: (أنَّ ابنَ عُمَرَ كان يلبَسُ خاتَمَه في يَدِه اليُسرى) [1288] أخرجه أبو داود (4228)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (5947). صحَّح إسنادَه النووي في ((المجموع)) (4/462)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4228)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4228). .

انظر أيضا: