موسوعة الآداب الشرعية

أولًا: الكَظمُ ورَدُّ التَّثاؤُبِ ما استَطاعَ


يُستَحَبُّ إذا تَثاءَبَ أن يَكظِمَ ما استَطاعَ [1870] قال النَّوَويُّ: (إذا تَثاءَبَ فالسُّنَّةُ أن يَرُدَّه ما استَطاعَ). ((الأذكار)) (ص: 275). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا تَثاءَبَ أحَدُكُم في الصَّلاةِ فليَكظِمْ [1871] قال ابنُ الأثيرِ: (الكَظمُ هاهنا: أن يُمسِكَ نَفسَه، ولا يَفتَحَ فاه عِندَ التَّثاؤُبِ في الصَّلاةِ، ويَمنَعَ نَفسَه مِنَ التَّثاؤُبِ مَهما قدَر، ولا يَقُلْ: ها، أي: لا يَفتَحُ فاه). ((جامع الأصول)) (6/ 623). وقال النَّوويُّ: (أمَّا الكَظمُ فهو الإمساكُ، قال العُلماءُ: أُمِر بكَظمِ التَّثاوُبِ ورَدِّه ووَضعِ اليَدِ على الفَمِ؛ لئَلَّا يَبلُغَ الشَّيطانُ مُرادَه مِن تَشويهِ صُورتِه، ودُخولِه فَمَه، وضَحِكِه مِنه. واللَّهُ أعلَمُ). ((شرح مسلم)) (18/ 123). ما استَطاعَ؛ فإنَّ الشَّيطانَ يَدخُلُ [1872] قال ابنُ حَجَرٍ: (أمَّا قَولُه في رِوايةِ مُسلمٍ: "فإنَّ الشَّيطانَ يَدخُلُ" فيَحتَمِلُ أن يُرادَ به الدُّخولُ حَقيقةً، وهو وإن كان يَجري مِنَ الإنسانِ مجرى الدَّمِ لكِنَّه لا يَتَمَكَّنُ مِنه ما دامَ ذاكِرًا اللَّهَ تعالى، والمُتَثائِبُ في تلك الحالةِ غَيرُ ذاكِرٍ، فيَتَمَكَّنُ الشَّيطانُ مِنَ الدُّخولِ فيه حَقيقةً، ويَحتَمِلُ أن يَكونَ أطلَقَ الدُّخولَ وأرادَ التَّمَكُّنَ مِنه؛ لأنَّ مِن شَأن مَن دَخل في شَيءٍ أن يَكونَ مُتَمَكِّنًا منه). ((فتح الباري)) (10/ 612). ) [1873] أخرجه مسلم (2995). .
2- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ العُطاسَ ويَكرَهُ التَّثاؤُبَ [1874] قال البَغَويُّ: (قال أبو سُليمانَ الخَطَّابيُّ: مَعنى حُبِّ العُطاسِ وحَمدِه وكَراهيةِ التَّثاؤُبِ وذَمِّه، أنَّ العُطاسَ إنَّما يَكونُ مَعَ انفِتاحِ المَسامِّ، وخِفَّةِ البَدَنِ، وتَيَسُّرِ الحَرَكاتِ، وسَبَبُ هذه الأُمورِ تَخفيفُ الغِذاءِ، والإقلالُ مِنَ المَطعَمِ، والتَّثاؤُبُ إنَّما يَكونُ مَعَ ثِقَلِ البَدَنِ وامتِلائِه، وعِندَ استِرخائِه للنَّومِ، ومَيلِه إلى الكَسَلِ؛ فصارَ العُطاسُ مَحمودًا؛ لأنَّه يُعينُ على الطَّاعاتِ، والتَّثاؤُبُ مَذمومًا؛ لأنَّه يَثنيه عنِ الخَيراتِ؛ فالمَحَبَّةُ والكَراهيةُ تَنصَرِفُ إلى الأسبابِ الجالبةِ لهما، وإنَّما أُضيف إلى الشَّيطانِ؛ لأنَّه هو الذي يُزَيِّنُ للنَّفسِ شَهوتَها، فإذا قال: ها، يَعني: إذا بالغَ في التَّثاؤُبِ، ضَحِكَ الشَّيطانُ فَرَحًا بذلك). ((شرح السنة)) (12/ 307). ويُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (4/ 141)، ((أعلام الحديث)) للخطابي (3/ 2225). وقال النَّوويُّ: (قال العُلماءُ: مَعناه: أنَّ العُطاسَ سَبَبُه مَحمودٌ، وهو خِفَّةُ الجِسمِ التي تَكونُ لقِلَّة الأخلاطِ وتَخفيفِ الغِذاءِ، وهو أمرٌ مَندوبٌ إليه؛ لأنَّه يُضعِفُ الشَّهوةَ ويُسَهِّلُ الطَّاعةَ، والتَّثاؤُبُ بضِدِّ ذلك). ((الأذكار)) (ص: 269). ، فإذا عَطَسَ فحَمِدَ اللَّهَ فحَقٌّ على كُلِّ مُسلِمٍ سَمِعَه أن يُشَمِّتَه، وأمَّا التَّثاؤُبُ فإنَّما هو مِنَ الشَّيطانِ [1875] قال النَّوويُّ: (قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «التَّثاوُبُ مِنَ الشَّيطانِ» أي: مِن كَسَلِه وتَسَبُّبِه، وقيل: أُضيفُ إليه؛ لأنَّه يُرضيه. وفي البُخاريِّ: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «إنَّ اللَّهَ تعالى يُحِبُّ العُطاسَ، ويَكرَهُ التَّثاوُبَ»؛ قالوا: لأنَّ العُطاسَ يَدُلُّ على النَّشاطِ وخِفَّةِ البَدَنِ، والتَّثاوُبُ بخِلافِه؛ لأنَّه يَكونُ غالبًا مَعَ ثِقَلِ البَدَنِ وامتِلائِه واستِرخائِه ومَيلِه إلى الكَسَلِ، وإضافتُه إلى الشَّيطانِ؛ لأنَّه الذي يَدعو إلى الشَّهَواتِ، والمُرادُ التَّحذيرُ مِنَ السَّبَبِ الذي يَتَولَّدُ مِنه ذلك، وهو التَّوسُّعُ في المَأكَلِ، وإكثارُ الأكلِ). ((شرح مسلم)) (18/ 122). ، فليَرُدَّه ما استَطاعَ، فإذا قال: ها، ضَحِكَ مِنه الشَّيطانُ)) [1876] أخرجه البخاري (6223) واللَّفظُ له، ومسلم (2994) مُختَصَرًا باختلافٍ يسيرٍ. .

انظر أيضا: