موسوعة الآداب الشرعية

خامِسَ عَشَرَ: تَعليمُ الزَّوجةِ أُمورَ دينِها


على الزَّوجِ أن يُعَلِّمَ زَوجَتَه أُمورَ دينِها أو يَأذَنَ لها بحُضورِ مَجالِسِ العِلمِ [1585] ذَكَرَ الغَزاليُّ أنَّ على المُتَزَوِّجِ أن يَتَعَلَّمَ (مِن عِلمِ الحَيضِ وأحكامِه ما يَحتَرِزُ به الاحتِرازَ الواجِبَ، ويُعَلِّمَ زَوجَتَه أحكامَ الصَّلاةِ وما يُقضى مِنها في الحَيضِ وما لا يُقضى؛ فإنَّه أُمِرَ بأن يَقيَها النَّارَ بقَولِه تعالى: قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا [التحريم: 6] ، فعليه أن يُلقِّنَها اعتِقادَ أهلِ السُّنَّةِ ويُزيلَ عن قَلبِها كُلَّ بدعةٍ إنِ استَمَعَت إليها، ويُخَوِّفَها في اللهِ إن تَساهَلَت في أمرِ الدِّينِ، ويُعَلِّمَها مِن أحكامِ الحَيضِ والاستِحاضةِ ما تَحتاجُ إليه... فإن كان الرَّجُلُ قائِمًا بتَعليمِها فليسَ لها الخُروجُ لسُؤالِ العُلماءِ، وإن قَصرَ عِلمُ الرَّجُلِ ولكِن نابَ عنها في السُّؤالِ فأخبَرَها بجَوابِ المُفتي، فليسَ لها خُروجٌ، فإن لم يَكُنْ ذلك فلها الخُروجُ للسُّؤالِ، بَل عليها ذلك ويَعصي الرَّجُلُ بمَنعِها، ومَهما تَعَلَّمَت ما هو مِنَ الفرائِضِ عليها فليسَ لها أن تَخرُجَ إلى مَجلسِ ذِكرٍ ولا إلى تَعَلُّمِ فَضلٍ إلَّا برِضاه. ومَهما أهمَلتِ المَرأةُ حُكمًا مِن أحكامِ الحَيضِ والاستِحاضةِ ولم يُعَلِّمْها الرَّجُلُ حَرِجَ الرَّجُلُ مَعَها وشارَكَها في الإثمِ). ((إحياء علوم الدين)) (2/ 48). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ
أ- مِنَ الكِتابِ:
قَولُه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ
فيه أنَّ الرَّجُلَ يَجِبُ عليه تَعلُّمُ ما يجِبُ عليه مِنَ الفرائضِ، وتعليمُه زَوجَه ووَلدَه [1586] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 269). .
(قال الضَّحَّاكُ ومُقاتِلٌ: حَقٌّ على المُسلمِ أن يُعَلِّمَ أهلَه مِن قَرابَتِه وإمائِه وعَبيدِه، ما فرَضَ اللَّهُ عليهم، وما نَهاهمُ اللهُ عنه) [1587] ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (8/ 167). .
ب- مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما، أنَّه: سَمِعَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((كُلُّكُم راعٍ ومَسؤولٌ عن رَعيَّتِه، فالإمامُ راعٍ وهو مَسؤولٌ عن رَعيَّتِه، والرَّجُلُ في أهلِه راعٍ وهو مَسؤولٌ عن رَعيَّتِه، والمَرأةُ في بَيتِ زَوجِها راعيةٌ وهيَ مَسؤولةٌ عن رَعيَّتِها، والخادِمُ في مالِ سَيِّدِه راعٍ وهو مَسؤولٌ عن رَعيَّتِه)) [1588] أخرجه البخاري (2409) واللفظ له، ومسلم (1829). .
2-عن أبي موسى الأشعَريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا أدَّبَ الرَّجُلُ أمَتَه فأحسَنَ تَأديبَها، وعَلَّمَها فأحسَنَ تَعليمَها، ثُمَّ أعتَقَها فتَزَوَّجَها، كان له أجرانِ)) [1589] أخرجه البخاري (3446). .
وفي رِوايةٍ: ((ثَلاثةٌ لهم أجرانِ: رَجُلٌ مِن أهلِ الكِتابِ آمَن بنَبيِّه وآمَنَ بمُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والعَبدُ المَملوكُ إذا أدَّى حَقَّ اللهِ وحَقَّ مَواليه، ورَجُلٌ كانت عِندَه أمَةٌ فأدَّبَها فأحسَنَ تَأديبَها، وعَلَّمَها فأحسَنَ تَعليمَها، ثُمَّ أعتَقَها فتَزَوَّجَها، فله أجرانِ)) [1590] أخرجها البخاري (97) واللفظ له، ومسلم (154). .
وهذا الحَديثُ تَرجَمَ له البخاريُّ في كِتابِ العِلمِ مِن ((صحيحِه)): (بابُ تَعليمِ الرَّجُلِ أمَتَه وأهلَه) [1591] ((صحيح البخاري)) (1/ 31). .
قال ابنُ حَجَرٍ: (مُطابَقةُ الحَديثِ للتَّرجَمةِ في الأمَةِ بالنَّصِّ، وفي الأهلِ بالقياسِ؛ إذِ الاعتِناءُ بالأهلِ الحَرائِرِ في تَعليمِ فرائِضِ اللهِ وسُنَنِ رَسولِه آكَدُ مِنَ الاعتِناءِ بالإماءِ) [1592] ((فتح الباري)) (1/ 190). وقال رَشيد رِضا: (بَلغَ مِن عِنايةِ مُحَمَّدٍ رَسولِ اللهِ وخاتَمِ النَّبيِّينَ بتَعليمِ النِّساءِ وتَربيَتِهنَّ أن ذَكَرَ فيمَن يُؤتيهمُ اللهُ تعالى أجرَهم مَرَّتَينِ يَومَ القيامةِ -أي مُضاعَفًا- قَولَه: «أيُّما رَجُلٍ كانت عِندَه وليدةٌ فعَلَّمَها فأحسَن تَعليمَها، وأدَّبها فأحسَنَ تأديبَها، ثُمَّ أعتَقَها وتَزَوَّجَها؛ فله أجرانِ». فقَرَنَ ثَوابَ التَّعليمِ والتَّأديبِ بثَوابِ العِتقِ الذي كان يُرغِّبُ فيه كَثيرًا فوقَ ما شَرَعَه اللهُ تعالى فيه مِن أسبابِ تَحريرِه وعِتقِه). ((حقوق النساء في الإسلام)) (ص: 63). .

انظر أيضا: