موسوعة الآداب الشرعية

رابعَ عشرَ: العدلُ بينَ الزَّوجاتِ


يَجِبُ العَدلُ [1573] (والعَدلُ بين الزَّوجات مِن أسبابِ سَعادةِ الزَّوج في الدُّنيا والآخِرة؛ فبه يَأمَنُ مِن غَيْرةِ الزَّوجاتِ وحِقدِهنَّ على بَعضِهنَّ، ويَسلَمُ مِن عُقوبةِ الله عزَّ وجلَّ في الآخِرة؛ فلْيتَّقِ اللهَ كلُّ رجُلٍ كان تحتَه أكثرُ من امرأةٍ، ولْيعدِلْ بينَهنَّ). ((فقه الأسرة)) بإشراف علوي السقاف (ص: 826). بين الزَّوجاتِ في المَبيتِ [1574] وكذا يجِبُ العَدلُ بينَ الزَّوجاتِ في النَّفَقةِ والكِسوةِ. وهو قَولٌ للحَنَفيَّةِ، وبَعضِ المالِكيَّةِ، وهو قَولُ ابنِ المُنذِرِ، واختيارُ ابنِ تَيميَّةَ، والصَّنعانيِّ، والشَّوكانيِّ، وابنِ باز، وابنِ عُثيمين، وبه أفتَت اللَّجنةُ الدَّائِمةُ. يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/332)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (5/254)، ((الإقناع)) لابن المنذر (1/311)، ((الفتاوى الكبرى)) لابن تَيميَّةَ (5/482)، ((سبل السلام)) للصنعاني (2/238)، ((السيل الجرار)) للشوكاني (ص: 380)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (21/237)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (12/429)، ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (19/200). ويُنظر أيضًا: ((فقه الأسرة)) بإشراف علوي السقاف (ص: 773-776). .
الدَّليلُ على ذلك مِن الكتابِ والإجماعِ:
أ- مِنَ الكِتابِ
1- قال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء: 19] .
2- قال تعالى: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً [النساء: 3] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
لَمَّا قال تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً بعد إحلالِ الأربَعِ بقَولِه: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ استَفَدْنا أنَّ حِلَّ الأربَعِ مُقَيَّدٌ بعَدَمِ خَوفِ عدَمِ العَدلِ، وثبوتَ المنعِ عن أكثَرَ مِن واحدةٍ عندَ خَوفِه؛ فعُلِمَ إيجابُه عند تعدُّدِهنَّ [1575] ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (5/2111). .
ب- مِنَ الإجماعِ
نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حَزمٍ [1576] قال ابنُ حزم: (أجمعوا أنَّ العدلَ في القِسمةِ بين الزَّوجاتِ واجِبٌ). ((مراتب الإجماع)) (ص: 65). ، وابنُ تيميَّةَ [1577] قال ابنُ تيميَّةَ عن رجلٍ متزوجٍ بامرأتينِ وإحداهما يحِبُّها ويكسوها ويُعطيها ويجتَمِعُ بها أكثَرَ مِن صاحبتِها: (يجِبُ... العدلُ بين الزَّوجَتين باتِّفاقِ المُسلِمين... فعليه أن يَعدِلَ في القَسْمِ). ((مجموع الفتاوى)) (32/269). .
مسألة: حكمُ التَّسويةِ في مَيلِ القَلبِ والجِماعِ
لا يجِبُ على الرَّجُلِ التَّسويةُ بينَ زَوجاتِه في مَيلِ القَلبِ والجِماعِ [1578] وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ، والمالِكيَّةِ، والشَّافِعيَّةِ، والحَنابِلةِ. يُنظر: ((البناية شرح الهداية)) للعيني (5/251)، ((الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي)) (2/339)، ((روضة الطالبين)) للنووي (7/345)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/200). وعندَ الشَّافِعيَّةِ: يُستحَبُّ العَدلُ فيه، ونصَّ الحَنابِلةُ على أنَّ العدلَ فيه أحسَنُ وأَولى. ونُقِلَ الإجماعُ على عَدَمِ وجوبِ التَّسويةِ في الجِماعِ: قال ابنُ قُدامةَ: (لا نعلَمُ خِلافًا بين أهلِ العِلمِ في أنَّه لا تجِبُ التَّسويةُ بين النِّساءِ في الجِماعِ). ((المغني)) (7/308). وقال قاضي صَفَدَ: (لا تجِبُ التَّسويةُ في الجِماعِ بالإجماعِ). ((رحمة الأمة)) (ص: 224). وقال الكمالُ ابنُ الهمامِ: (الوَطآتُ والقُبُلات والتَّسويةُ فيهما غيرُ لازمةٍ إجماعًا). ((فتح القدير)) (3/432). وقال: (التَّسويةُ المُستحَقَّةُ في البيتوتةِ لا في المجامَعةِ؛ لأنَّها تَبتني على النَّشاطِ، ولا خلافَ فيه). ((فتح القدير)) (3/434). وقال ابنُ نُجَيمٍ: (الوَطآتُ والقُبُلات والتَّسويةُ فيهما غيرُ لازمةٍ إجماعًا). ((البحر الرائق)) (3/234). وقال ابنُ عابِدين: (ممَّا يجِبُ على الأزواجِ للنِّساءِ العَدلُ، والتَّسويةُ بينهنَّ فيما يملِكُه، والبيتوتةُ عندهما... لا في المجامَعةِ؛ لأنَّها تَبتني على النَّشاطِ، ولا خِلافَ فيه). ((حاشية ابن عابدين)) (3/202). .
الدَّليلُ على ذلك مِن الكِتابِ:
قال تعالى: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ [النساء: 129] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ هذا العَدلَ الذي ذكَرَ تعالى هنا أنَّه لا يُستطاعُ: هو العَدلُ في المحبَّةِ والميلِ الطبيعيِّ، بخلاف العَدلِ في الحُقوقِ الشَّرعيَّةِ؛ فإنَّه مُستطاعٌ [1579] ((معالم التنزيل)) للبغوي (2/295)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (1/317). .
أمَّا التعليلُ فللآتي:
1-لأنَّ الميلَ الطبيعيَّ بمَحبَّةِ بَعضِهنَّ أكثَرَ مِن بَعضٍ: غيرُ مُستطاعٍ دَفعُه، وليس تحت قُدرةِ البشَرِ؛ لأنَّه انفِعالٌ وتأثُّرٌ نَفسانيٌّ، لا فِعلٌ [1580] ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/22) و (1/317). .
2- لأنَّ الجِماعَ طَريقُه الشَّهوةُ والمَيلُ، ولا سَبيلَ إلى التَّسويةِ بينهنَّ في ذلك؛ فإنَّ قَلبَه قد يَميلُ إلى إحداهما دونَ الأخرى [1581] ((المغني)) لابن قدامة (7/308). .
3- لأنَّ العَدلَ يكونُ فيما يَملِكُه الزَّوجُ، والمَيلُ القلبيُّ والجِماعُ مِمَّا لا يَملِكُه [1582] ((حاشية ابن عابدين)) (3/202). .
عَدلُ مُعاذِ بنِ جَبَلٍ:
عن يَحيى بنِ سَعيدٍ: (أنَّ مُعاذَ بنَ جَبَلٍ رَضيَ اللهُ تعالى عنه كانت له امرَأتانِ، فإذا كان يَومُ إحداهما لم يَتَوضَّأْ مِن بَيتِ الأُخرى، ثُمَّ توُفِّيَتا في السَّقَمِ الذي أصابَهما بالشَّامِ، والنَّاسُ في شُغلٍ، فدُفِنَتا في حُفرةٍ فأسهَمَ بَينَهما، أيَّتُهما تُقَدَّمُ في القَبرِ) [1583] رواه أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (1/ 234). .
وفي رِوايةٍ قال: (فماتَتا في طاعونٍ أصابَهما في يَومٍ واحِدٍ، فقدَّمَهما إلى الحُفرةِ، ثُمَّ أقرَعَ بَينَهما، أيَّتُهما يُدخِلُ الحُفرةَ قَبلَ الأُخرى؟ ثُمَّ عَفَّرَ دَرَقَهما جَميعًا في حُفرةٍ واحِدةٍ) [1584] رواه ابن أبي الدنيا في ((النفقة على العيال)) (2/ 705). .

انظر أيضا: