موسوعة الآداب الشرعية

ثالثًا: برُّه والإحسانُ إليه ولا سيَّما إن كان جارًا


مِنَ الأدَبِ مَعَ الكافِرِ غَيرِ المُحارِبِ: برُّه والإحسانُ إليه، ولا سيَّما إن كان جارًا، مِن غَيرِ موالاةٍ أو إلقاءٍ إليه بالمَودَّةِ.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكِتابِ:
1-قال تعالى: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الممتحنة: 8-9] .
أي: لا يَنهاكم اللهُ -أيُّها المؤمِنونَ- عن الكافِرينَ الَّذين لم يُقاتِلوكم مِن أجْلِ دينِكم؛ مِن أقارِبِكم وغَيرِهم مِن الكُفَّارِ، ولم يُخرِجوكم مِن بلادِكم كما أخرَجَكم كُفَّارُ مَكَّةَ؛ أن تُحسِنوا إليهم وتُكرِموهم، وتَعدِلوا في تعامُلِكم معهم عدلًا تامًّا، إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُنصِفينَ الَّذين يُنصِفونَ النَّاسَ، ويُعطونَهم الحقَّ، ويَحكُمونَ بَيْنَهم بالعَدلِ التَّامِّ.
إنَّما يَنهاكم اللهُ -أيُّها المؤمِنونَ- عن الكافِرينَ المحارِبينَ الَّذين ناصَبوكم العَداوةَ، فقاتَلوكم بسبَبِ إيمانِكم برَبِّكم، وأخرَجوكم مِن بلادِكم، وعاوَنوا غَيرَهم على إخراجِكم، أن تتوَلَّوهم، فتَكونوا لهم محِبِّينَ مُناصِرينَ، ومَن يتَّخِذِ الكافِرينَ أولياءَ يُحِبُّهم ويُناصِرُهم، فأولئك هم الظَّالِمونَ الَّذين وَضَعوا المُوالاةَ في غيرِ مَوضِعِها، وعرَّضوا أنفُسَهم لعذابِ اللهِ تعالى [2477] يُنظر: ((التفسير المحرر- الدرر السنية)) (38/ 64-68). .
قال ابنُ الجَوزيِّ: (قال المُفسِّرونَ: هذه الآيةُ رُخصةٌ في صِلةِ الذينَ لم يَنصِبوا الحَربَ للمُسلِمينَ، وجَوازِ بِرِّهم، وإن كانتِ الموالاةُ مُنقَطِعةً) [2478] ((زاد المسير)) (4/ 270). .
وقال الرَّازيُّ: (قال أهلُ التَّأويلِ: هذه الآيةُ تَدُلُّ على جَوازِ البرِّ بَينَ المُشرِكينَ والمُسلمينَ، وإن كانتِ الموالاةُ مُنقَطِعةً) [2479] ((مفاتيح الغيب)) (29/ 521). .
2-قال تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا [النساء: 36] .
قوله: وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى أي: وأحسِنوا إلى جارِكم الَّذي بينكم وبينه قَرابةٌ، وَالْجَارِ الْجُنُبِ أي: وأحسِنوا كذلك إلى جارِكم الَّذي ليس بينكم وبينه قرابةٌ [2480] ((التفسير المحرر- الدرر السنية)) (3/ 212). .
فالجارُ ذو القُربى: هو الجارُ ذو القَرابةِ والرَّحِمِ، والجارُ ذو الجَنابةِ: هو الغَريبُ الَّذي ليست بينَكُم وبينَه قَرابةٌ، مُسلِمًا كان أو مُشرِكًا، يَهوديًّا كان أو نَصرانيًّا؛ ففي الآيةِ وصيَّةٌ بجَميعِ أصنافِ الجيرانِ؛ قَريبِهم وبعيدِهم [2481] يُنظر: ((جامع البيان)) لابن جرير الطبري (7/ 10، 11). ، فإذا كان الجارُ قَريبَه وهو مُسلِمٌ، فله حَقُّ القَرابةِ، وحَقُّ الإسلامِ، وحَقُّ الجِوارِ، وأمَّا الَّذي له حَقَّانِ فالجارُ المُسلِمُ؛ فله حَقُّ الإسلامِ، وحَقُّ الجِوارِ، وأمَّا الَّذي له حَقٌّ واحِدٌ فجارُك الذِّمِّيُّ؛ فله حَقُّ الجِوارِ، فيَنبَغي أن يَعرِفَ حَقَّ الجارِ وإن كان ذِمِّيًّا [2482] يُنظر: ((تنبيه الغافلين)) للسمرقندي (ص: 142). وقال ابنُ حَجَرٍ: (الجيرانُ ثَلاثةٌ: جارٌ له حَقٌّ، وهو المُشرِكُ له حَقُّ الجِوارِ، وجارٌ له حَقَّانِ، وهو المُسلمُ له حَقُّ الجِوارِ وحَقُّ الإسلامِ، وجارٌ له ثَلاثةُ حُقوقٍ، مُسلمٌ له رَحِمٌ؛ له حَقُّ الجِوارِ والإسلامِ والرَّحِمِ). ((فتح الباري)) (10/ 442). .

انظر أيضا: