موسوعة الآداب الشرعية

ثالثًا: الاحتسابُ


مِن آدابِ الأذانِ: أن يكونَ المؤذِّنُ محتَسِبًا، لا يأخُذُ على أذانِه أجرًا [193] قال التِّرمذيُّ: (والعملُ على هذا عندَ أهلِ العلمِ: كرِهوا أن يأخُذَ المؤذِّنُ على الأذانِ أجرًا، واستحَبُّوا للمؤذِّنِ أن يحتسِبَ في أذانِه). ((سنن الترمذي)) (1/410). ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/152)، ((حاشية ابن عابدين)) (1/393)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/232)، ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (2/15)، ((فتح العزيز بشرح الوجيز)) للرافعي (3/196)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/139). .
مسألةٌ: حكمُ أخْذِ الأجرِ على الأذانِ
اختلَف الفقهاءُ في حُكمِ أخْذِ الأجرِ على الأذانِ على أقوالٍ، أقواها قَولانِ:
القولُ الأوَّلُ: يَحرُمُ أخْذُ الأُجرةِ على الأذانِ [194]  وهذا مذهبُ الحنابلةِ، وقولُ أبي حنيفةَ ومتقدِّمي الحنفيَّةِ، وقولٌ للمالكيَّةِ، ووجهٌ عندَ الشَّافعيَّةِ، واختاره ابنُ المنذِرِ، وابنُ حزمٍ، وابنُ عُثَيمين. يُنظر: ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/132)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/247)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/116)، ((فتح العزيز)) للرافعي (3/198)، ((الأوسط)) لابن المنذر (3/64)، ((المحلى)) لابن حزم (2/182)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (12/163). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
عن عُثمانَ بنِ أبي العاصِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((قلتُ: يا رسولَ اللهِ، اجعْلَني إمامَ قَومي، قال: أنتَ إمامُهم، واقتَدِ بأضعَفِهم، واتَّخِذْ مؤذِّنًا لا يأخُذُ على أذانه أجرًا)) [195] أخرجه أبو داود (531)، والنسائي (672)، وأحمد (16270). صحَّحه ابن خزيمة في ((صحيحه)) (1/502)، والحاكم في ((المستدرك)) (734)، وابنُ كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/106)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (531)، والوادعيُّ على شَرطِ مسلمٍ في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (928). وأخرجه مختصراً من طريق آخر الترمذي (209)، وابن ماجه (714)؛ ولفظ الترمذي: ((إنَّ من آخرِ ما عَهِدَ إليَّ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: أن اتَّخِذْ مؤذِّنًا لا يأخذُ على أذانِهِ أجرًا)). صححه أحمد شاكر في تخريج ((سنن الترمذي)) (1/409)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (209)، وقال الترمذي: حسن صحيح. .
وأمَّا التَّعليلُ فللآتي:
1- لأنَّه استِئْجارٌ على الطَّاعةِ، وهذا لا يجوزُ؛ لأنَّ الإنسانَ في تحصيلِ الطَّاعةِ عاملٌ لنَفْسِه؛ فلا يجوزُ له أخْذُ الأُجرةِ عليه [196] ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/152). .
2- لأنَّها قُرَبٌ يَعودُ نَفعُها على آخِذِ الأُجرةِ، والعِوَضُ والمُعوَّضُ لا يَجتمعانِ لشخصٍ [197] ((الذخيرة)) للقرافي (5/401). .
القولُ الثَّاني: يجوزُ أخْذُ الأُجرةِ على الأذانِ [198] وهذا مذهبُ المالكيَّةِ، والشَّافعيَّةِ، وروايةٌ عن أحمدَ، وهو قولُ داودَ الظَّاهِريِّ. يُنظر: ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/115)، ((المجموع)) للنووي (3/127)، ((المغني)) لابن قدامة (1/301). ونسبه في ((المجموع)) (3/127) لداود الظاهري. .
الدليل على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
عن أبي مَحذورةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((خرجتُ في نفَرٍ فكُنَّا ببعضِ الطَّريقِ، فأذَّن مؤذِّنُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالصَّلاةِ عندَ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فسَمِعْنا صوتَ المؤذِّنِ ونحن عنه متنكِّبون، فصَرَخْنا نَحكيه نهزأُ به، فسمِعَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فأرسل إلينا قومًا فأقْعَدونا بيْن يديه، فقال: أيُّكم الَّذي سمِعتُ صوتَه قد ارتَفع؟ فأشار إلَيَّ القومُ كلُّهم وصَدَقوا، فأرسَل كلَّهم وحبَسني، وقال لي: قُمْ فأذِّنْ. فقُمتُ ولا شيءَ أكرَهُ إلَيَّ مِن رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولا ممَّا يأمُرُني به، فقُمتُ بيْن يدَيْ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأَلْقى علَيَّ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم التَّأذينَ هو بنفْسِه، فقال: قُلْ: اللهُ أكبر اللهُ أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا الله، أشهد أنْ لا إلهَ إلَّا الله، أشهدُ أنَّ محمَّدًا رسولُ الله، أشهدُ أنَّ محمَّدًا رسولُ الله، ثمَّ قال لي: ارفَعْ فمُدَّ من صوتَك: أشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا الله، أشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا الله، أشهدُ أنَّ محمَّدًا رسولُ الله، أشهدُ أنَّ محمَّدًا رسولُ الله، حَيَّ على الصَّلاة، حَيَّ على الصَّلاة، حَيَّ على الفَلاح، حيَّ على الفَلاح، اللهُ أكبر اللهُ أكبر، لا إلهَ إلَّا الله. ثمَّ دَعاني حينَ قضيتُ التَّأذينَ، فأعطاني صُرَّةً فيها شيءٌ مِن فِضَّةٍ...)) [199] أخرجه النسائي (632)، وابن ماجه (708) واللفظ له. صححه ابن حبان (1680)، والجورقاني في ((الأباطيل والمناكير)) (2/168)، وصححه بطرقه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (1680)، وقال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (708): حسن صحيح. وحديث أبي محذورة في الأذان أصله في صحيح مسلم (379). .
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أَعطاه صُرَّةَ الفِضَّةِ أُجرةً على أذانِه [200] ((تحفة الأحوذي)) (1/527). .
وأمَّا التَّعليلُ: فلأنَّه عملٌ معلومٌ يجوزُ أَخْذُ الرِّزقِ عليه؛ فيجوز أَخْذُ الأجرةِ عليه، كالأُجرَةِ على كِتابةِ المصاحِفِ [201] ((فتح العزيز)) للرافعي (3/198). .
مَسألةُ أخذِ الرِّزقِ مِن بَيتِ المالِ
يجوزُ أخذُ الرِّزقِ [202] الرِّزقُ عندَ الفقهاءِ هو ما يُفرَضُ في بيتِ المالِ بِقَدرِ الحاجةِ والكفايةِ. يُنظر: ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (22/201). على الأذانِ مِن بيتِ المالِ مُقابِلَ الأذانِ [203] وهو مذهبُ الجمهورِ: المالكيَّة، والشَّافعيَّة، والحنابلة، وهو قولُ ابنِ حزمٍ. يُنظر: ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/118)، ((المجموع)) للنووي (3/126)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/290)، ((المحلى)) لابن حزم (2/182). ، وحُكيَ الإجماعُ على ذلك [204] قال القرافيُّ: (اتَّفَق الجميعُ على جوازِ الرَّزْقةِ، وقد أَرْزقَ عُمرُ بنُ الخطَّابِ المؤذِّنينَ). ((الذخيرة)) (2/66). وقال ابنُ قُدامةَ: (لا نَعلَمُ خِلافًا في جوازِ أخْذِ الرِّزقِ عليه). ((المغني)) (1/301). .
وذلك للآتي:
1- أنَّ ما يُؤخَذُ مِن بَيتِ المالِ ليس عِوَضًا وأُجرةً، بل رِزقٌ للإعانةِ على الطَّاعةِ [205] ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (5/409). .
2- أنَّ بالمسلمينَ حاجةً إلى الأذانِ، وقدْ لا يوجَدُ متطوِّعٌ به، وإذا لم يُدفَعِ الرِّزقُ فيه يُعطَّلُ [206] ((المغني)) لابن قدامة (1/301). .
3- أنَّ بَيتَ المالِ مُعَدٌّ لمصالحِ المسلمينَ، ومنها الأذانُ [207] ((فتاوى نور على الدرب)) لابن باز (6/349). .

انظر أيضا: