موسوعة الآداب الشرعية

سابعًا: صلاةُ ركعتَيْ تحيَّةِ المسجدِ قبْلَ الجُلوسِ


تُسنُّ صلاةُ ركعتينِ [398] وتُسمَّى هاتان الرَّكعتان تحيَّةَ المسجدِ؛ قال الألبانيُّ: (قال العجلونيُّ: «تحيَّة المسجدِ إذا دخلتَ أن تركعَ ركعتينِ» رواه أحمدُ في "الزُّهد" عن ميمونِ بنِ مِهْرانَ أنَّه كان يقولُه مِن قولِه. قال النَّجمُ: وهذا الكلامُ يَجري على ألسنةِ الفقهاءِ، ومِن العجبِ أنَّ بعضَ المتفقِّهينَ في العصرِ زعَم أنَّه لا يُقالُ تحيَّةُ المسجدِ، مع وُرودِ مِثلِ ذلك وجرَيانِه على ألْسِنةِ الفُقهاءِ قديمًا وحديثًا). ((الثمر المستطاب)) (ص: 616). عندَ دخولِ المسجدِ [399] وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ. يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/173)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/296)، ((المجموع)) للنووي (4/52)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/444). ، وحُكيَ الإجماعُ على ذلك [400] قال النوويُّ: («فلا يجلس حتَّى يركعَ ركعتين»: فيه استحبابُ تحيَّةِ المسجدِ بركعتين، وهي سُنَّةٌ بإجماعِ المسلمين، وحكى القاضي عِياضٌ عن داودَ وأصحابِه وُجوبَهما). ((شرح مسلم)) (5/226). وقال العينيُّ: (اعلَمْ أنَّ هذه سُنَّةٌ بإجماعِ المسلمين؛ إلَّا ما رُويَ عن داودَ وأصحابِه وُجوبُها بظاهِرِ الأمْرِ، وليس كذلك؛ لأنَّ الأمرَ محمولٌ على الاستحبابِ والنَّدبِ؛ لقولِه عليه السَّلامُ للَّذي سأله عن الصَّلَواتِ: هل علَيَّ غيرُها؟ قال: «لا، إلَّا أن تَطوَّعَ»، وغيرِ ذلك مِن الأحاديثِ، ولو قُلْنا بوُجوبِهما لَحَرُمَ على المحدِثِ الحدثَ الأصغرَ دُخولُ المسجدِ حتَّى يَتوضَّأَ؛ ولا قائلَ به، فإذا جاز دُخولُ المسجدِ على غيرِ وُضوءٍ لَزِم منه أنَّه لا يجِبُ عليه سُجودُهما عندَ دُخولِه). ((شرح أبي داود)) (2/378). وقال ابن رجب: (في الحديثِ: الأمرُ لِمَن دخَل المسجدَ أن يركَعَ ركعتَينِ قبلَ جُلوسِه، وهذا الأمرُ على الاستحبابِ دُونَ الوُجوبِ عندَ جميعِ العلماءِ المعتدِّ بهم. وإنَّما يُحكَى القولُ بوُجوبِه عن بعضِ أهلِ الظَّاهرِ. وإنَّما اختلَف العُلماءُ: هل يُكرَهُ الجلوسُ قبْلَ الصَّلاةِ أم لا؟ فرُويَ عن طائفةٍ منهم كراهةُ ذلك؛ منهم: أبو سلَمةَ بنُ عبدِ الرَّحمنِ، وهو قولُ أصحابِ الشَّافعيِّ. ورخَّص فيه آخَرون؛ منهم: القاسمُ بنُ محمَّدٍ، وابنُ أبي ذئبٍ، وأحمدُ بنُ حنبلٍ، وإسحاقُ بنُ راهَويه. قال أحمدُ: قد يدخُلُ الرَّجُلُ على غيرِ وُضوءٍ، ويدخُلُ في الأوقاتِ الَّتي لا يُصلَّى فيها. يُشيرُ إلى أنَّه لو وجبَتِ الصَّلاةُ عندَ دُخولِ المسجدِ لوجَب على الدَّاخلِ إليه أن يتوضَّأَ، وهذا ممَّا لم يوجِبْه أحدٌ مِن المسلمينَ). ((فتح الباري)) (2/462، 463). وقال الباجي: (قول مالكٌ: "وذلك حسَنٌ وليس بواجبٍ"، يريدُ أنَّ الرُّكوعَ حينَ دُخولِ المسجدِ ليس بواجبٍ، وعلى ذلك فُقهاءُ الأمصارِ. وذهب داودُ إلى وُجوبِ ذلك. الدَّليلُ على صِحَّةِ ما ذهب إليه الجمهورُ قولُه عليه السَّلامُ للَّذي سأله عمَّا يجبُ عليه مِن الصَّلَواتِ، فقال: «الصَّلَواتُ الخَمْسُ»، فقال: هل علَيَّ غيرُهُنَّ؟ فقال: «لا، إلَّا أن تَطوَّعَ»). ((المنتقى))‏ (1/287). وقال القُرْطُبيُّ: (عامَّة العلماءِ على أنَّ الأمرَ بالرُّكوعِ على النَّدبِ والتَّرغيبِ). ((الجامع لأحكام القرآن)) (12/273). وقال ابنُ حجر: (اتَّفَق أئمَّةُ الفتوى على أنَّ الأمرَ في ذلك للنَّدبِ، ونقَل ابنُ بطَّالٍ عن أهلِ الظَّاهرِ الوُجوبَ، والَّذي صرَّح به ابنُ حُزمٍ عدَمُه). ((فتح الباري)) (1/537، 538). وقال ابنُ عبد البَرِّ: (لا يختلِفُ العلماءُ أنَّ كلَّ مَن دخَل المسجدَ في وقتٍ يجوزُ فيه التَّطوُّعُ بالصَّلاةِ أنَّه يُستحَبُّ له أن يَركَعَ فيه عندَ دُخولِه ركعتَينِ، قالوا: فيهما تحيَّةُ المسجدِ، وليس ذلك بواجبٍ عندَ أحدٍ على ما قال مالكٌ رحمه الله، إلَّا أهلَ الظَّاهِرِ، فإنَّهم يُوجِبونهما، والفُقهاءُ بأجمَعِهم لا يُوجِبونهما). ((التمهيد)) (20/100). .
الدَّليلُ على ذلك من السُّنَّةِ:
1- عن أبي قَتادةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا دخَلَ أحدُكم المسجدَ، فلا يجلِسْ حتَّى يركعَ ركعتينِ)) [401] أخرجه البخاري (444)، مسلم (714) واللفظ له. .
2- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((جَاءَ سُلَيْكٌ الغَطَفَانِيُّ يَومَ الجُمُعَةِ، وَرَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَخْطُبُ، فَجَلَسَ، فَقالَ له: يا سُلَيْكُ قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا)) [402] أخرجه البخاري (930)، ومسلم (875) واللفظ له. .
أمَّا التَّعليلُ: فلأنَّ تحيةَ المسجدِ لو كانتْ واجبةً لَحَرُمَ دُخولُ المسجدِ على المُحدِثِ الحدثَ الأصغرَ حتَّى يتوضَّأَ، ولا قائلَ به [403] قال القُرْطُبيُّ: (وقد ذهب داودُ وأصحابُه إلى أنَّ ذلك على الوُجوبِ، وهذا باطلٌ، ولو كان الأمرُ على ما قالوه لَحَرُمَ دُخولُ المسجدِ على المُحْدِثِ الحدَثَ الأصغَرَ حتَّى يَتوضَّأَ، ولا قائلَ به فيما أعلَمُ). ((الجامع لأحكام القرآن)) (12/274). .

انظر أيضا: