موسوعة الآداب الشرعية

ثامنًا: عدَمُ الخروجِ مِن المسجدِ بعدَ الأذانِ إلَّا مِن عُذرٍ


مِن آدابِ المسجدِ: عدمُ الخروجِ منه بعدَ الأذانِ إلَّا بعذرٍ [404] كأن يخرج للوُضوء وقضاءِ الحاجةِ وما تدعو الضَّرورةُ إليه. يُنظر: ((نيل الأوطار)) للشوكاني (2/192). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
عنِ أبي الشَّعثاءِ، قال: كنَّا قُعودًا في المسجدِ مع أبي هُرَيرةَ، فأذَّنَ المُؤذِّنُ، فقام رجُلٌ مِن المسجدِ يَمشي، فأتْبعَه أبو هُريرةَ بصَرَه حتَّى خرَجَ مِن المسجدِ، فقال أبو هريرةَ: ((أمَّا هذا فقد عصَى أبا القاسمِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)) [405] أخرجه مسلم (655). .
مسألةٌ: حكمُ الخروجِ مِن المسجدِ بعدَ الأذانِ
اختَلَف العلماءُ في حُكمِ الخُروجِ مِن المسجدِ بعدَ الأذانِ [406] قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (عن أشعثَ بنِ أبي الشَّعثاءِ، عن أبيه، قال: سمِعتُ أبا هريرةَ ورأى رجُلًا يجتازُ في المسجدِ ويخرجُ بعدَ الأذانِ، فقال: «أمَّا هذا فقد عصى أبا القاسمِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم». أجمَعوا على القولِ بهذا الحديثِ لِمَن لم يُصَلِّ، وكان على طهارةٍ، وكذلك إذا كان قد صلَّى وحدَه إلَّا لِمَا لا يُعادُ مِن الصَّلواتِ ... فلا يحلُّ له الخروجُ من المسجدِ بإجماعٍ إلَّا أن يخرجَ للوُضوءِ وينويَ الرُّجوعَ). ((التمهيد)) (24/213). قال الحطَّابُ بعدَ ذِكرِ كلامِ ابنِ عبدِ البَرِّ السَّابقِ: (قوله: "لا يَحِلُّ" أي: يُكرهُ له الخروجُ؛ لأنَّ المكروهَ ليس بحلالٍ؛ لأنَّ الحلالَ المباحُ، وظاهِرُ اللَّفظِ التَّحريمُ، وكذلك قوله: «عصى أبا القاسمِ»، وليس كذلك، إنَّما يحرُمُ الخروجُ بالإقامةِ، وأمَّا قبْلَها فيجوزُ). ((مواهب الجليل)) (2/133). ؛ على قولين:
القولُ الأوَّل: يُكرَهُ الخروجُ مِن المسجدِ بعدَ الأذانِ، إلَّا بعُذرٍ [407] وهذا مذهبُ الجمهورِ: الحنفيَّة، والمالكيَّة، والشَّافعيَّة. يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/182)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/133)، ((المجموع)) للنووي (2/179). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
حديثُ أبي هريرةَ المتقدِّمُ، وحمَلوه على الكراهةِ.
أمَّا التَّعليلُ: فلأنَّ الأَذانَ إنَّما هو استدعاءٌ للغائبينَ، فإذا خرَج الحاضِرُ فقد فعَلَ ضدَّ المُرادِ [408] ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (3/594). .
القولُ الثَّاني: يَحرُمُ الخروجُ مِن المسجدِ بعدَ الأذانِ [409] قال الشَّيخُ محمدُ بنُ إبراهيمَ في ((الفتاوى)) (2/104): (تحريمُ الخُروجِ مِن المسجِدِ فيه تَفْصيلٌ: إِنْ كان بلا داعٍ، ولا غرضَ له صحيحٌ حرُم، وذلك أَنَّ صورتَه صورةُ مَن يَنصرِفُ عن المسجِدِ لا يُصلِّي. أَمَّا إِذا كان يريدُ الصَّلاةَ في مسجدٍ آخرَ أو له عذرٌ أو ناويًا الرُّجوعَ، والوَقتُ مُتَّسِعٌ- فلا يحرُمُ). بغيرِ عذرٍ [410] وهذا مذهبُ الحنابلةِ، واختاره ابنُ حزمٍ، والشَّوْكانيُّ، وابنُ باز، والألبانيُّ، وابنُ عُثَيمين. يُنظر: ((الإنصاف)) للمرداوي (1/302)، ((المحلى)) لابن حزم (2/183)، ((نيل الأوطار)) للشوكاني (2/192)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/339)، ((الثمر المستطاب)) للألباني (2/641)، ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (6/558). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
حديثُ أبي هريرةَ المتقدِّمُ، وقولُه لمَن خرَجَ مِن المسجدِ: ((أمَّا هذا فقد عصَى أبا القاسمِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)) [411] أخرجه مسلم (655). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ أبا هُرَيرَة أطلَقَ لفظَ المعصيةِ، فكأنَّه سَمِعَ ما يَقتضي تحريمَ الخروجِ مِن المسجدِ بعدَ الأذانِ [412] ((نيل الأوطار)) للشوكاني (2/193). .
وأمَّا التَّعليلُ: فلئلَّا يُشبِهَ فِعلَ الشَّيطانِ في هروبِه؛ حتَّى لا يَسمَعَ النِّداءَ [413] ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (2/235)، ((شرح الزرقاني على الموطأ)) (1/275). .

انظر أيضا: