موسوعة الآداب الشرعية

ثالِثَ عشرَ: عَدَمُ الجَهرِ بالذِّكرِ وقِراءةِ القُرآنِ في المَسجِدِ إذا آذى غيرَه


لا يُشرَعُ الجَهرُ بالقِراءةِ والذِّكرِ إذا كان يُؤذي غَيرَه أو يُلبسُ عليه صَلاتَه ويَخلِطُها عليه [454] قال الحَكيمُ التِّرمذيُّ: (مِن حُرمةِ القُرآنِ أن لا يَجهَرَ بَعضٌ على بَعضٍ في القِراءةِ، فيُفسِدَ عليه، حتَّى يُبغِّضَ إليه ما يَسمَعُ، ويَكونَ كهَيئةِ المُغالَبةِ). يُنظر: ((نوادر الأصول)) (3/ 256). وقال القُرطُبيُّ: (هذا حُكمُ كُلِّ مُصَلٍّ وقارِئٍ، فلا يَنبَغي لمُصَلٍّ غَيرِه أو قارِئٍ سِواه أن يَخلطَ قِراءَتَه عليه). ((التذكار في أفضل الأذكار)) (ص: 190). ويُنظر: ((التبيان في آداب حملة القرآن)) للنووي (ص: 107). وقال ابنُ مُفلحٍ: (قال الشَّيخُ تَقيُّ الدِّينِ: مَن كان يَقرَأُ القُرآنَ والنَّاسُ يُصَلُّونَ تَطَوُّعًا، فليسَ له أن يَجهَرَ جَهرًا يَشغَلُهم به؛ فإنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خَرَجَ على بَعضِ أصحابِه وهم يُصَلُّونَ مِنَ السَّحرِ، فقال: «أيُّها النَّاسُ كُلُّكُم يُناجي رَبَّه، فلا يَجهَرْ بَعضُكُم على بَعضٍ في القِراءةِ» انتَهى كَلامُه. وذَكَرَ الحافِظُ أبو موسى وغَيرُه أنَّ مِن جُملةِ الأدَبِ: أن لا يَجهَرَ بَينَ مُصَلِّينَ أو نيامٍ أو تالينَ جَهرًا، يُؤذيهم). ((الآداب الشرعية)) (2/ 327). وقال ابنُ تَيميَّةَ: (جَهرُ المُنفرِدِ بالقِراءةِ إذا كان فيه أذًى لغَيرِه لم يُشرَعْ، كَما خَرَجَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على أصحابِه وهم يُصَلُّونَ، فقال: «أيُّها النَّاسُ، كُلُّكُم يُناجي رَبَّه؛ فلا يَجهَرْ بَعضُكُم على بَعضٍ بالقِراءةِ»، وأمَّا المَأمومُ فالسُّنَّةُ له المُخافتةُ باتِّفاقِ المُسلِمينَ، لكِنْ إذا جَهَرَ أحيانًا بشَيءٍ مِنَ الذِّكرِ فلا بَأسَ، كالإمامِ إذا أسمَعَهم أحيانًا الآيةَ في صَلاةِ السِّرِّ؛ فقد ثَبَتَ في الصَّحيحِ عن أبي قتادةَ: «أنَّه أخبَرَ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه كان في صَلاةِ الظُّهرِ والعَصرِ يُسمِعُهمُ الآيةَ أحيانًا»، وثَبَتَ في الصَّحيحِ أنَّ مِنَ الصَّحابةِ المَأمومينَ مَن جَهَرَ بدُعاءٍ حينَ افتِتاحِ الصَّلاةِ، وعِندَ رَفعِ رَأسِه مِنَ الرُّكوعِ، ولم يُنكِرِ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذلك). ((مجموع الفتاوى)) (22/239). وقال ابنُ بازٍ: (السُّنَّةُ للمَأمومِ: الإخفاتُ بقِراءَتِه وسائِرِ أذكارِه ودَعَواتِه في الصَّلاةِ؛ لعَدَمِ الدَّليلِ على جَوازِ الجَهرِ، ولأنَّ في جَهرِه بذلك تَشويشًا على مَن حَولَه مِنَ المُصَلِّينَ). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/238). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((اعتَكَف رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في المَسجِدِ، فسَمِعَهم يَجهَرونَ بالقِراءةِ، فكَشَف السِّترَ، فقال: ألا إنَّ كُلَّكُم مُناجٍ رَبَّه، فلا يُؤذينَّ بَعضُكُم بَعضًا، ولا يَرفعْ بَعضُكُم على بَعضٍ في القِراءةِ، أو قال: في الصَّلاةِ)) [455] أخرجه أبو داود (1332) واللفظ له، وأحمد (11896). صحَّحه ابنُ خزيمة في ((صحيحه)) (2/333)، والحاكم على شرط الشيخين في ((المستدرك)) (1169)، وابن عبدالبر في ((التمهيد)) (23/318)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1332)، والوادعي على شرط الشيخين في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (419). .
قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (لا يُحَبُّ لكُلِّ مُصَلٍّ يَقضي فَرْضَه وإلى جَنبِه مَن يَعمَلُ مِثلَ عَمَلِه أن يُفرِطَ في الجَهرِ؛ لئَلَّا يَخلِطَ عليه، كما لا يُحَبُّ ذلك لمُتَنَفِّلٍ إلى جَنبِ مُتَنَفِّلٍ مِثلِه) [456] ((الاستذكار)) (1/ 435). .
2- عنِ البَياضيِّ رَضيَ اللهُ عنه ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خَرَجَ على النَّاسِ وهم يُصَلُّونَ، وقد عَلَت أصواتُهم بالقِراءةِ، فقال: إنَّ المُصَلِّيَ يُناجي رَبَّه، فليَنظُرْ بما يُناجيه به، ولا يَجهَرْ بَعضُكُم على بَعضٍ بالقُرآنِ)) [457] أخرجه أحمد (19022)، ومالك (2/109) واللَّفظُ له، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (3350). صحَّحه ابنُ عبدِ البَرِّ في ((التمهيد)) (23/315)، وابنُ حجر في ((نتائج الأفكار)) (2/17)، والسخاويُّ في ((المقاصد الحسنة)) (425)، وشعيبٌ الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (19022). .
3- عن عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اعتَكَف وخَطَبَ النَّاسَ، فقال: أمَا إنَّ أحَدَكُم إذا قامَ في الصَّلاةِ فإنَّه يُناجي رَبَّه، فليَعلَمْ أحَدُكُم ما يُناجي رَبَّه، ولا يَجهَرْ بَعضُكُم على بَعضٍ بالقِراءةِ في الصَّلاةِ)) [458] أخرجه من طرقٍ: أحمد (4928) واللفظ له، وابن خزيمة (2237)، والطبراني (12/428) (13572). صحَّحه ابنُ خُزَيمةَ، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (7/63)، والألبانيُّ في ((هداية الرواة)) (817)، وشعيبٌ الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (4928). .

انظر أيضا: