موسوعة الآداب الشرعية

خامسًا: اتِّخاذُ السُّترةِ


يستحبُّ للمُصلِّي إذا كان إمامًا أو منفرِدًا أن يُصلِّي إلى سُترةٍ [570] وهي سنَّةٌ مؤكَّدةٌ باتِّفاقِ المذاهبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ. يُنظر: ((الدر المختار للحصكفي وحاشية ابن عابدين)) (1/637، 636)، ((الكافي)) لابن عبد البر (1/209)، ((المجموع)) للنووي (3/247)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/382). . وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك [571] قال ابنُ رُشدٍ: (اتَّفَق العلماءُ بأجمَعِهم على استحبابِ السُّترةِ بيْن المصلِّي والقِبلةِ إذا صلَّى منفردًا كان أو إمامًا). ((بداية المجتهد)) (1/113). وقال النَّوويُّ: (السُّنَّةُ للمُصلِّي أن يكونَ بيْن يديه سُترةٌ مِن جِدارٍ أو ساريةٍ أو غيرِهما، ويَدنو منها، ونقَل الشَّيخُ أبو حامدٍ الإجماعَ فيه). ((المجموع)) (3/247). وقال ابنُ قُدامةَ: (وجملتُه: أنَّه يُستحَبُّ للمصلِّي أن يُصلِّيَ إلى سُترةٍ، فإنْ كان في مسجدٍ أو بيتٍ صلَّى إلى الحائطِ أو ساريةٍ، وإنْ كان في فضاءٍ صلَّى إلى شيءٍ شاخصٍ بيْن يديه، أو نصَب بيْن يديه حَرْبةً أو عصًا، أو عرَض البَعيرَ فصلَّى إليه، أو جعَل رَحْلَه بيْن يديه. وسُئل أحمدُ: يُصلِّي الرَّاحلُ إلى سُترةٍ في الحضرِ والسَّفرِ؟ قال: نعمْ، مِثل آخِرةِ الرَّحلِ. ولا نعلَمُ في استحبابِ ذلك خلافًا). ((المغني)) (2/174). وقال برهانُ الدِّينِ ابنُ مُفلِحٍ: ("ويُستحَبُّ أن يصلِّيَ إلى سُترةٍ" مع القُدرةِ عليها، بغيرِ خِلافٍ نَعلَمُه). ((المبدع)) (1/437). .
الدَّليلُ على ذلك مِن السنَّةِ:
1- عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا صلَّى أحَدُكم فليُصَلِّ إلى سُترةٍ، ولْيَدْنُ منها)) [572] أخرجه أبو داود (698)، وابن ماجه (954). صححه ابن خزيمة في ((صحيحه)) (2/66)، وابن حبان في ((صحيحه)) (2372)، وابنُ باز في ((فتاوى نور على الدرب)) (9/308)، وقال الألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (698): حسن صحيح. .
2- عن أبي ذَرٍّ الغِفاريِّ رضيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا قام أحَدُكم يُصلِّي، فإنَّه يَستُرُه إذا كان بيْن يديه مِثلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ [573] آخِرةُ الرَّحلِ: هي الخَشَبةُ التي يَستَنِدُ إليها الرَّاكِبُ من كورِ البعيرِ. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (1/ 29). ، فإذا لم يكُنْ بيْن يديه مِثلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ فإنَّه يقطَعُ صلاتَه الحِمارُ والمرأةُ والكلبُ الأسودُ [574] مُرورُ المرأةِ والكلبِ الأسودِ والحمارِ بيْن يَدَي المصلِّي يُبطِلُ صلاتَه، وهو روايةٌ عن أحمدَ، وقولُ طائفةٍ من السَّلفِ وأصحابِ الحديثِ، واختارَه ابنُ المنذرِ، وابنُ حزمٍ، وابنُ تيميَّةَ، وابنُ القيِّم، والشَّوكانيُّ، وابنُ باز، وابنُ عُثَيمين. يُنظر: ((الإنصاف)) للمرداوي (2/78)، ((صحيح ابن خزيمة)) (2/23)، ((الأوسط)) لابن المنذر (5/92، 94)، ((المحلى)) لابن حزم (2/320)، ((المستدرك على مجموع الفتاوى لابن تيمية)) (3/99)، ((زاد المعاد)) لابن القيم (1/306)، ((نيل الأوطار)) للشوكاني (3/18)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/90)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (13/318). ) [575] أخرجه مسلم (510). .
3- عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضيَ اللهُ عنه، قال: ((سمِعتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: إذا صلَّى أحَدُكم إلى شيءٍ يَستُرُه مِن النَّاسِ فأراد أحدٌ أنْ يجتازَ بيْن يديه فلْيَدْفَعْه، فإنْ أبى فلْيُقاتِلْه؛ فإنَّما هو شيطانٌ [576] فإنَّما هو شَيطانٌ: قيل مَعناه: إنَّما حَمَله على مُرورِه وامتِناعِه مِنَ الرُّجوعِ الشَّيطانُ، وقيل مَعناه: يَفعَلُ فِعلَ الشَّيطانِ؛ لأنَّ الشَّيطانَ بَعيدٌ مِنَ الخَيرِ وقَبولِ السُّنَّةِ، ولأنَّه يُشَوِّشُ المُصَلِّي، أو هو شَيطانٌ؛ لأنَّ الشَّيطانَ هو مارِدٌ مِنَ الجِنِّ والإنسِ، وقيل: المُرادُ بالشَّيطانِ القَرينُ، كَما جاءَ في الحَديثِ الآخَرِ: «فإنَّ مَعَه القَرينَ» [أخرجه مسلم (506) من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما]. يُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (1/ 188)، ((أعلام الحديث)) للخطابي (1/ 420)، ((إكمال المعلم)) لعياض (2/ 420)، ((شرح مسلم)) للنووي (4/ 223، 224)، ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (2/ 643). ) [577] أخرجه البخاري (509) واللفظ له، ومسلم (505). .
4- عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنهما، قال: ((أقبَلْتُ راكبًا على حِمارٍ أتَانٍ، وأنا يومَئذٍ قد ناهَزْتُ [578] ناهزتُ: أي: قارَبتُ، وناهَزتُ الشَّيءَ: قارَبتُه ودانَيتُه، ومنه انتهازُ الفُرصةِ، وهو الاقترابُ من التمَكُّنِ منها. يُنظر: ((أعلام الحديث)) للخطابي (1/ 563)، ((الشافي في شرح مسند الشافعي)) لابن الأثير (1/ 494). الاحتلامَ، ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلِّي بمِنًى إلى غيِر جِدارٍ، فمرَرْتُ بيْن يدَيْ بعضِ الصَّفِّ، وأرسَلْتُ الأتَانَ [579] الأَتَانُ: الحمارةُ الأُنثى خاصَّةً. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (1/21). ترتَعُ [580] ترتَعُ: أي: ترعى أو تتَّسِعُ في المرعى، والرَّتعُ: الرَّعيُ في الخِصبِ والسَّعةِ. يُنظر: ((تهذيب اللغة)) لأبي منصور الأزهري (2/ 159)، ((إكمال المعلم)) لعياض (2/ 417)، ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (2/ 316). ، فدخَلْتُ في الصَّفِّ، فلم يُنكَرْ ذلك علَيَّ)) [581] أخرجه البخاري (76) واللفظ له، ومسلم (504). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
قولُه: ((يُصلِّي بمِنًى إلى غيرِ جِدارٍ))، فيه: أنَّ الإمامَ يجوزُ أنْ يُصلِّيَ إلى غيرِ سُترةٍ [582] ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (1/162). ، فقَولُه: ((إلى غَيرِ جِدارٍ)) أي: إلى غَيرِ سُترةٍ، واستُدِلَّ بذلك على أنَّ السُّترةَ غَيرُ واجِبةٍ في الصَّلاةِ [583] يُنظر: ((السنن الكبرى)) للبيهقي (2/ 387، 393)، ((فتح الباري)) لابن رجب (4/ 7). .

انظر أيضا: