موسوعة الآداب الشرعية

ثامنًا: الإتيانُ بدُعاءِ الاستفتاحِ


مِنَ السُّنَّةِ الإتيانُ بدُعاءِ الاستِفتاحِ بَعدَ تَكبيرةِ الإحرامِ [592] وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّةِ، والشَّافِعيَّةِ، والحَنابلةِ. يُنظر: ((البناية)) للعيني (2/184)، ((المجموع)) للنووي (3/318)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/220). قال النَّوويُّ: (أمَّا الاستِفتاحُ فقال باستِحبابِه جُمهورُ العُلماءِ مِنَ الصَّحابةِ والتَّابعينَ فمَن بَعدَهم، ولا يُعرَفُ مَن خالف فيه إلَّا مالكًا رَحِمَه اللهُ، فقال: لا يَأتي بدُعاءِ الاستِفتاحِ ولا بشَيءٍ بَينَ القِراءةِ والتَّكبيرِ أصلًا، بَل يَقولُ: اللهُ أكبَرُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ إلى آخِرِ الفاتِحةِ). ((المجموع)) (3/321).  وقال ابنُ قُدامةَ: (وجُملتُه: أنَّ الاستِفتاحَ مِن سُنَنِ الصَّلاةِ في قَولِ أكثَرِ أهلِ العِلمِ، وكان مالِكٌ لا يَراه، بَل يُكَبِّرُ ويَقرَأُ). ((المغني)) (1/341). ويَستَفتِحُ لكُلِّ صَلاةٍ، فريضةً كانت أو نافِلةً، ومِن ذلك الاستِفتاحُ في قيامِ اللَّيلِ في بدايةِ كُلِّ رَكعَتَينِ. قال ابنُ بازٍ: (السُّنَّةُ: الاستِفتاحُ في كُلِّ الصَّلواتِ بـ: «سُبحانَك اللهُمَّ وبحَمدِك، وتَبارَكَ اسمُك، وتعالى جَدُّك، ولا إلهَ غَيرُك» في جَميعِ الصَّلواتِ؛ التَّراويحِ وغَيرِ التَّراويحِ، هذا مُستَحَبٌّ، ولو تَرَكَ فلا بَأسَ، لكِنَّه مُستَحَبٌّ، إذا كَبَّرَ تَكبيرةَ الإحرامِ في كُلِّ تسليمةٍ أن يَقولَ: سُبحانَك اللهُمَّ وبحَمدِك؛ لأنَّه مُختَصَرٌ، هذا استِفتاحٌ مُختَصَرٌ، وإنِ استَفتَحَ بغَيرِه مِنَ الاستفتاحاتِ الصَّحيحةِ الثَّابتةِ عن رَسولِ اللهِ فلا بَأسَ). ((فتاوى نور على الدرب)) (10/15). وقال ابنُ عُثَيمين: (دُعاءُ الاستِفتاحِ مَشروعٌ عِندَ كُلِّ تَكبيرةِ إحرامٍ، فإذا كَبَّرتَ للإحرامِ في فريضةٍ أو نَفلٍ فاستَفتِحْ). ((الموقع الرسمي للشيخ محمد بن صالح العثيمين)). وقالتِ اللَّجنةُ الدَّائِمةُ: (لا يَكفي الاستِفتاحُ في صَلاةِ التَّراويحِ في الرَّكعةِ الأولى لجَميعِ التَّراويحِ، بَل يُشرَعُ الاستِفتاحُ في أوَّلِ كُلِّ ركعتينِ، كالفريضةِ؛ لأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَستَفتِحُ في صَلاةِ اللَّيلِ، وهيَ نافِلةٌ، ولأنَّ الأصلَ مُساواةُ النَّافِلةِ بالفريضةِ إلَّا ما خَصَّه الدَّليلُ؛ لعُمومِ قَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «صَلُّوا كَما رَأيتُموني أُصَلِّي»، ويَلحَقُ بالتَّراويحِ جَميعُ أنواعِ صَلاةِ النَّافِلةِ، كالرَّواتِبِ، وصَلاةِ الضُّحى، وغَيرِها). ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الثانية)) (5/313). .
الدَّليلُ على ذلك مِن السُّنَّةِ والآثارِ:
أ- مِنَ السُّنَّةِ
1- عن أبي هُرَيرةَ رضيَ اللهُ عنه، قال: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يسكُتُ بيْن التَّكبيرِ والقراءةِ، فقلتُ: بأبي وأمِّي يا رسولَ اللهَ، في إسكاتِك بيْن التَّكبيرِ والقراءةِ ما تقولُ؟ قال: أقولُ: اللَّهمَّ باعِدْ بيْني وبيْنَ خَطايايَ كما باعَدْتَ بيْن المشرِقِ والمغرِبِ، اللَّهمَّ نقِّني مِن الخطايا كما يُنقَّى الثَّوبُ الأبيضُ مِن الدَّنَسِ [593] الدَّنَسُ: الوَسَخُ. يُنظر: ((تهذيب اللغة)) لأبي منصور الأزهري (12/ 255)، ((الصحاح)) للجوهري (3/ 931). ، اللَّهمَّ اغسِلْ خطايايَ بالماءِ والثَّلجِ والبَرَدِ [594] البَرَدُ: الماءُ الجامِدُ يَنزِلُ من السَّحابِ قِطَعًا صغارًا، ويُسَمَّى حَبَّ الغمامِ، وحَبَّ المُزْنِ. يُنظر: ((العين)) للخليل (8/ 27)، ((الصحاح)) للجوهري (2/ 446)، ((المصباح المنير)) للفيومي (1/ 43)، ((المعجم الوسيط)) (1/ 48). ) [595] أخرجه البخاري (744) واللفظ له، ومسلم (598). .
2- عن أنسٍ رضيَ اللهُ عنه: ((أنَّ رجُلًا جاء فدخَل الصَّفَّ وقد حفَزه النَّفَسُ [596] حفَزَه النَّفَسُ: جهدَه النَّفَسُ مِن شدَّةِ السَّعيِ إلى الصَّلاةِ، وأصلُ الحفزِ: الدَّفعُ العنيفُ. يُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (1/ 197). ، فقال: الحمدُ للهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيه، فلمَّا قضى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلاتَه، قال: أيُّكم المتكلِّمُ بالكلماتِ؟ فأرَمَّ القومُ [597] فأرَمَّ القَومُ: يريدُ أنَّهم سكتوا مُطرِقينَ، يقالُ: أرَمَّ فُلانٌ حتَّى ما به نُطْقٌ. يُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (1/ 230). ، فقال: أيُّكم المتكلِّمُ بها؛ فإنَّه لم يقُلْ بأسًا؟ فقال رجُلٌ: جئتُ وقد حفَزني النَّفَسُ فقُلتُها، فقال: رأيتُ اثنَيْ عشَرَ ملَكًا يَبتَدِرونها أيُّهم يَرفَعُها)) [598] أخرجه مسلم (600). .
4- عن ابنِ عُمرَ رضيَ اللهُ عنهما، قال: ((بَيْنَما نحنُ نصلِّي مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذْ قال رجُلٌ في القَومِ: اللهُ أكبَرُ كبيرًا، والحمدُ للهِ كثيرًا، وسُبحانَ اللهِ بُكرةً وأصيلًا، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَن القائلُ كلمة كذا وكذا؟ قال رجُلٌ مِن القومِ: أنا يا رسولَ الله، قال: عجِبْتُ لها، فُتِحَتْ لها أبوابُ السَّماءِ، قال ابنُ عُمَرَ: فما تركتُهنَّ منذُ سمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ ذلك)) [599] أخرجه مسلم (601). .
ب- مِنَ الآثارِ
1- عن عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رضيَ اللهُ عنه أنَّه كان يجهر بهؤلاء الكلمات يقول: (سُبحانَك اللَّهمَّ وبحمدِك، تبارَكَ اسمُك، وتعالى جَدُّك، ولا إلهَ غيرُك) [600] أخرجه مسلم (399). .
2- عن عَلْقَمةَ: (أنَّه انطلَق إلى عُمَرَ بنِ الخطَّابِ، قال: فرأَيْتُه قال حينَ افتَتَح الصَّلاةَ: سُبحانَكَ اللَّهمَّ وبحَمدِكَ، وتبارَك اسمُكَ، وتعالى جَدُّكَ، ولا إلهَ غيرُكَ) [601]أخرَجه القاسِمُ بنُ سلامٍ في ((الطهور)) (96)، والدَّارقُطْني (2/62). صحَّح إسنادَه ابنُ كثيرٍ في ((الأحكام الكبير)) (2/407). وأخرَجه الدَّارقُطْني (2/61) بلفظِ: عن ابنِ عُمرَ عن عُمرَ أنَّه كان إذا كبَّر للصَّلاةِ قال: (سُبْحانَك اللَّهمَّ وبحَمْدِك وتبارَك اسمُكَ وتعالَى جَدُّك ولا إلهَ غيرُك). صحَّحه الدَّارقُطْني. .

انظر أيضا: