موسوعة الآداب الشرعية

خامسَ عشرَ: عدَمُ رَفعِ البصرِ إلى السَّماءِ


من الأدبِ في الصَّلاةِ: عدَمُ رَفعِ البصرِ إلى السَّماءِ.
الدليل على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ما بالُ أقوامٍ يَرْفَعونَ أبصارَهم إلى السَّماءِ في صَلاتِهم؟! فاشْتَدَّ قولُه في ذلكَ، حتَّى قال: لَيَنْتَهُنَّ عن ذلكَ، أو لَتُخْطَفَنَّ أبصارُهم [639] لتُخطَفَنَّ أبصارُهم: أي: لتُسلَبَنَّ أبصارُهم إن لم يَنتَهوا عن ذلك، والاختِطافُ: الأخذُ بالسُّرعةِ، والمُرادُ هنا: العَمى. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (5/ 495)، ((اللامع الصبيح)) للبرماوي (4/ 97)، ((شرح المصابيح)) لابن الملك (2/ 56). ) [640] أخرجه البخاري (750). .
2- عن جابرِ بنِ سَمُرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لَيَنْتَهِيَنَّ أقوامٌ يَرْفَعونَ أبصارَهم إلى السَّماءِ في الصَّلاةِ، أو لا تَرجِعُ إليهم [641] قال ابنُ الجَوزيِّ: (لَمَّا كان المأخوذُ على المتعبِّدِ في الصَّلاةِ أن يخشَعَ، والخُشوعُ: التَّذلُّلُ والتَّواضُعُ؛ ناسَبَ هذا الوعيدُ سوءَ الأدبِ). ((كشف المشكل)) (1/ 455). ) [642] أخرجه مسلم (428). قال العَيْنيُّ: (فيه النَّهيُ الأكيدُ والوعيدُ الشَّديدُ، وكان ذلك يقتضي أن يكونَ حرامًا كما جزَم به ابنُ حزمٍ حتَّى قال: تفسدُ صلاتُه، لكنَّ الإجماعَ انعقَد على كراهتِه في الصَّلاةِ). ((عمدة القاري)) (5/309). وقال ابنُ حجَرٍ: (واختُلِف في المرادِ بذلك؛ فقيل: هو وعيدٌ، وعلى هذا فالفعلُ المذكورُ حرامٌ، وأفرَط ابنُ حزمٍ فقال: يُبطِلُ الصَّلاةَ. وقيل: المعنى: أنَّه يخشى على الأبصارِ مِن الأنوارِ الَّتي تنزلُ بها الملائكةُ على المصلِّينَ كما في حديثِ أُسَيْدِ بنِ حُضَيْرِ... أشار إلى ذلك الدَّاوُديُّ ونحوُه في "جامع حمَّادِ بنِ سلَمةَ" عن أبي مِجْلَزٍ أحدِ التَّابِعينَ). ((فتح الباري)) (2/234). .
مسألةٌ: حُكمُ رَفْعِ البَصرِ إلى السَّماءِ في الصَّلاةِ
اختَلفَ أهلُ العِلمِ في حُكمِ رَفْعِ البَصرِ إلى السَّماءِ في الصَّلاةِ [643] قال ابنُ تَيميَّةَ: (اتَّفَق العُلماءُ على أنَّ رفْعَ المصلِّي بصرَه إلى السَّماءِ منهيٌّ عنه). ((مجموع الفتاوى)) (6/577). ؛ على قولَينِ:
القولُ الأوَّلُ: يُكرَهُ رفْعُ البَصرِ إلى السَّماءِ في الصَّلاةِ [644] وذلك باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ. يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/163)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/261)، ((تحفة المحتاج)) للهيتمي (2/161)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/370). ، وحُكيَ الإجماعُ على ذلك [645] قال ابنُ بطَّال: (العلماء مجمِعون... على كراهيةِ النَّظرِ إلى السَّماءِ في الصَّلاةِ). ((شرح صحيح البخاري)) (2/364). .
القولُ الثَّاني: يَحرُم رفْعُ البَصرِ إلى السَّماءِ في الصَّلاة [646] وهذا مذهبُ ابنِ حَزمٍ، واختارَه ابنُ تَيميَّة، والصنعانيُّ والشوكانيُّ، وابنُ باز، وابنُ عُثَيمين. يُنظر: ((المحلى)) لابن حزم (2/330)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (22/559)، ((التنوير)) للصنعاني (9/306)، ((نيل الأوطار)) للشوكاني (2/221)، ((فتاوى نور على الدرب)) لابن باز (9/228)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (3/40). .
فائدةٌ:
قال ابنُ القيِّمِ: (مِنَ الأدبِ: نهيُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم المُصَلِّيَ أن يَرفَعَ بصَرَه إلى السَّماءِ. فسمِعتُ شيخَ الإسلامِ ابنَ تيميَّةَ قدَّس اللهُ رُوحَه يقولُ: هذا مِن كمالِ أدَبِ الصَّلاةِ: أن يقفَ العبدُ بيْن يدَيْ ربِّه مُطرِقًا، خافِضًا طَرْفَه إلى الأرضِ، ولا يرفَع بصرَه إلى فوق.
قال: والجهميَّةُ لَمَّا لم يَفْقَهوا هذا الأدبَ ولا عرَفوه، ظنُّوا أنَّ هذا دليلٌ أنَّ اللهَ ليس فوقَ سمواتِه على عرشِه، كما أخبَر به عن نفْسِه، واتَّفقَتْ عليه رُسلُه وجميعُ أهلِ السُّنَّةِ!
قال: وهذا مِن جَهلِهم، بل هذا دليلٌ لِمَن عقَلَ عن الرَّسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم على نقيضِ قولِهم؛ إذ مِن الأدبِ مع الملوكِ أنَّ الواقفَ بيْن أيديهم يُطرِقُ إلى الأرضِ، ولا يرفعُ بصرَه إليهم، فما الظَّنُّ بملِكِ الملوكِ سُبحانَه؟!) [647] ((مدارج السالكين)) (2/ 364). .

انظر أيضا: