خَمسٌ وعِشرونَ: صَلاةُ النَّافِلةِ في البُيوتِ
يُستَحَبُّ أن يُصَلِّيَ المَرءُ النَّوافِلَ في بَيتِه، وأداءُ صَلاةِ النَّافِلةِ في البَيتِ أفضَلُ مِن تَأديَتِها في المَسجِدِ
[685] وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ، والمالكيَّةِ، والشَّافِعيَّةِ، والحَنابلةِ. يُنظر: (البناية)) للعيني (2/572)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/159)، ((تحفة المحتاج)) للهيتمي (2/107)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/422). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ: 1- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((إذا قَضى أحَدُكُمُ الصَّلاةَ في مَسجِدِه فليَجعَلْ لبَيتِه نَصيبًا مِن صَلاتِه؛ فإنَّ اللَّهَ جاعِلٌ في بَيتِه مِن صَلاتِه خَيرًا)) [686] أخرجه مسلم (778). .
2- عن ابنِ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال:
((اجعَلوا مِن صَلاتِكُم في بُيوتِكُم، ولا تَتَّخِذوها قُبورًا)) [687] أخرجه البخاري (432)، ومسلم (777) واللفظ له. .
قال عِياضٌ: (هذا مِنَ التَّمثيلِ البَديعِ حينَ شَبَّهَ البَيتَ الذي لا يُصَلَّى فيه بالقَبرِ الذي لا يَتَأتَّى فيه مِن ساكِنِه عِبادةٌ، وشَبَّه النَّائِمَ ليلَه كُلَّه بالمَيِّتِ في قَبرِه، وكذلك تَمثيلُه بالحَيِّ والمَيِّتِ؛ لأنَّ العَمَلَ إنَّما يَتَأتَّى مِنَ الحَيِّ، وقد يَرجِعُ التَّمثيلُ إلى صاحِبِ البَيتِ)
[688] ((إكمال المعلم)) (3/ 144). .
وقال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: (قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «اجعَلوا مِن صَلاتِكُم في بُيوتِكُم» "مِن" هنا للتَّبعيضِ، ويَعني به النَّوافِلَ، بدَليلِ قَولِه في الحَديثِ الآخَرِ: «إذا قَضى أحَدُكُمُ الصَّلاةَ في مَسجِدِه فليَجعَلْ لبَيتِه نَصيبًا مِن صَلاتِه».
وقَولُه: «ولا تَتَّخِذوها قُبورًا» أي: لا تُصَيِّروها كالقُبورِ التي ليسَ فيها صَلاةٌ.
وقَولُه: «فإنَّ اللَّهَ جاعِلٌ في بَيتِه مِن صَلاتِه خَيرًا» الضَّميرُ في "بَيتِه" عائِدٌ على المُصَلِّي الذي تَضَمَّنَه الكَلامُ المُتَقدِّمُ. و"مِن" هاهنا سَبَبيَّةٌ، بمَعنى: مِن أجلِ.
والخَيرُ الذي يُجعَلُ في البَيتِ بسَبَبِ التَّنَفُّلِ فيه هو: عِمارَتُه بذِكرِ اللهِ، وبطاعَتِه، وبالمَلائِكةِ، وبدُعائِهم، واستِغفارِهم، وما يَحصُلُ لأهلِه مِنَ الثَّوابِ والبَرَكةِ)
[689] ((المفهم)) (2/ 411). .
3- عن زَيدِ بنِ ثابتٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((... عليكُم بالصَّلاةِ في بُيوتِكُم؛ فإنَّ خَيرَ صَلاةِ المَرءِ في بَيتِه إلَّا الصَّلاةَ المَكتوبةَ)) [690] أخرجه البخاري (6113)، ومسلم (781). .
وفي رِوايةٍ:
((... فصَلُّوا أيُّها النَّاسُ في بُيوتِكُم؛ فإنَّ أفضَلَ صَلاةِ المَرءِ في بَيتِه إلَّا الصَّلاةَ المَكتوبةَ)) [691] أخرجها البخاري (7290). .
4- عن عبدِ اللهِ بنِ سَعدٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال:
((سَألتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أيُّما أفضَلُ؟ الصَّلاةُ في بَيتي أوِ الصَّلاةُ في المَسجِدِ؟ قال: ألا تَرى إلى بَيتي ما أقرَبَه مِنَ المَسجِدِ، فلأن أُصَلِّيَ في بَيتي أحَبُّ إليَّ مِن أن أُصَلِّيَ في المَسجِدِ، إلَّا أن تَكونَ صَلاةً مَكتوبةً)) [692] أخرجه ابن ماجه (1378) واللفظ له، وأحمد (19007) مطولًا. صححه ابن خزيمة في ((صحيحه)) (2/362)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (1378)، وحسنه الوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1/493). .
5- عن عبدِ اللهِ بنِ شَقيقٍ، قال: سَألتُ عائِشةَ عن صَلاةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، عن تَطَوُّعِه؟ فقالت:
((كان يُصَلِّي في بَيتي قَبلَ الظُّهرِ أربَعًا، ثُمَّ يَخرُجُ فيُصَلِّي بالنَّاسِ، ثُمَّ يَدخُلُ فيُصَلِّي رَكعَتَينِ، وكان يُصَلِّي بالنَّاسِ المَغرِبَ، ثُمَّ يَدخُلُ فيُصَلِّي رَكعَتَينِ، ويُصَلِّي بالنَّاسِ العِشاءَ، ويَدخُلُ بَيتي فيُصَلِّي رَكعَتَينِ، وكان يُصَلِّي مِنَ اللَّيلِ تِسعَ رَكَعاتٍ فيهنَّ الوِترُ، وكان يُصَلِّي ليلًا طَويلًا قائِمًا، وليلًا طَويلًا قاعِدًا، وكان إذا قَرَأ وهو قائِمٌ رَكَع وسَجَدَ وهو قائِمٌ، وإذا قَرَأ قاعِدًا رَكَعَ وسَجَدَ وهو قاعِدٌ، وكان إذا طَلعَ الفجرُ صَلَّى رَكعَتَينِ)) [693] أخرجه البخاري (1182) مختصرًا، ومسلم (730) واللفظ له. .
وأمَّا التَّعليلُ فللآتي: 1- لكَونِه أخفى وأبعَدَ مِنَ الرِّياءِ، وأصوَنَ مِنَ المُحبِطاتِ
[694] ((شرح مسلم)) للنووي (6/68). .
2- ليَتَبَرَّكَ البَيتُ بذلك، وتَنزِلَ فيه الرَّحمةُ والمَلائِكةُ، ويَنفِرَ مِنه الشَّيطانُ
[695] ((شرح مسلم)) للنووي (6/68). .
انظر أيضا:
عرض الهوامش