موسوعة الآداب الشرعية

حادِيَ عَشَرَ: تخفيفُ الإمامِ


يُستحبُّ للإمامِ تخفيفُ الصَّلاةِ، ويُكرهُ التَّطويلُ فيها [931] وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ. ينظر: ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 115)، ((حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب)) (1/263)، ((المجموع)) للنووي (4/228)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/467). وحُكِي الإجماعُ على ذلِك: قال ابنُ عبد البَرِّ: (والتَّخفيفُ لكلِّ إمامٍ أمرٌ مُجتمَعٌ عليه، مندوبٌ عندَ العلماءِ إليه، إلَّا أنَّ ذلك إنما هو أقلُّ الكمالِ). ((التمهيد)) (19/4). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن أبي مَسعودٍ الأنصاريِّ رضي الله عنه، قال: ((قال رجلٌ: يا رسولَ اللهِ، لا أكادُ أُدرِكُ الصَّلاةَ؛ ممَّا يُطوِّلُ بنا فلانٌ، فما رأيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في موعظةٍ أشدَّ غضبًا من يومئذٍ! فقال: أيُّها الناسُ، إنَّكم مُنفِّرون! فمَن صلَّى بالناسِ فلْيُخفِّف؛ فإنَّ فيهم المريضَ، والضَّعيفَ، وذا الحاجةِ)) [932] أخرجه البخاري (90) واللفظ له، ومسلم (466). .
2- عن جابرِ بن عبدِ اللهِ الأنصاريِّ رضيَ الله عنهما، قال: ((أقبَلَ رجلٌ بناضحَينِ [933] النَّاضِحُ: هو البَعيرُ الذي يُستَقى عليه. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (5/ 589). وقد جَنَحَ [934] جَنَح اللَّيلُ، أي: أقبَلَ بظُلمتِه. يُنظر: ((أعلام الحديث)) للخطابي (1/ 480). اللَّيلُ، فوافقَ معاذًا يُصلِّي، فترَكَ ناضحَه وأقبل إلى معاذٍ، فقرأَ بسورةِ البقرةِ -أو النِّساءِ- فانطلق الرَّجلُ وبلَغَه أنَّ معاذًا نال منه، فأتَى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فشَكَا إليه معاذًا، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يا معاذُ، أفتَّانٌ أنت -ثلاث مرار؟! فلولا صليتَ بـسَبِّحِ اسْمَ ربِّكَ، وَالشَّمسِ وضُحَاهَا، وَاللَّيلِ إِذَا يَغْشَى؛ فإنَّه يُصلِّي وراءَك الكبيرُ والضعيفُ وذو الحاجة)) [935] أخرجه البخاري (705) واللفظ له، ومسلم (465). .
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أَنكرَ عليه التطويلَ؛ فدلَّ على أنَّه يُستحبُّ للإمامِ تخفيفُ الصَّلاةِ مع إتمامِها [936] ينظر: ((شرح مسند الشافعي)) لأبي القاسم الرافعي (1/446)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين اين قدامة (2/15). .
3- عن عُثمانَ بن أبي العاصِ رضي الله عنه، قال: ((قلتُ: يا رسولَ اللهِ، اجعلْني إمامَ قومي، قال: أنتَ إمامُهم، واقتدِ بأضعفِهم...)) [937] أخرجه أبو داود (531)، والنسائي (672)، وأحمد (16270). صحَّحه ابن خزيمة في ((صحيحه)) (1/502)، والحاكم في ((المستدرك)) (734)، وابنُ كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/106)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (531)، والوادعيُّ على شَرطِ مسلمٍ في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (928). .
قَولُه: "واقتَدِ بأضعَفِهم"، أي: وافِقْ أضعَفَ القَومِ في الصَّلاةِ، يَعني: خَفِّفِ الصَّلاةَ؛ ليَقدِرَ الضُّعَفاءُ أن يُصَلُّوا مَعَك، ولا يَجوزُ تَركُ أركانِ الصَّلاةِ، ولكِن يُقَصِّرُ القِراءةَ والتَّسبيحاتِ [938] يُنظر: ((المفاتيح في شرح المصابيح)) للمظهري (2/ 54). .

انظر أيضا: