موسوعة الآداب الشرعية

ثاني عَشَرَ: إقبالُ الإمامِ على المأمومينَ بَعدَ التَّسليمِ


مِنَ السُّنَّةِ أن يَستَقبِلَ الإمامُ المَأمومينَ إذا سَلَّمَ مِنَ الصَّلاةِ [939] قال ابنُ القَيِّمِ في هَديِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (كان إذا سَلَّمَ استَغفرَ ثَلاثًا، وقال: «اللهُمَّ أنتَ السَّلامُ، ومِنك السَّلامُ، تَبارَكَت يا ذا الجَلالِ والإكرامِ»، ولم يَمكُثْ مُستَقبِلَ القِبلةِ إلَّا مِقدارَ ما يَقولُ ذلك، بَل يُسرِعُ الانتِقالَ إلى المَأمومينَ، وكان يَنفَتِلُ عن يَمينِه وعن يَسارِه). ((زاد المعاد)) (1/ 285). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن سَمُرةَ بنِ جُندُبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا صَلَّى صَلاةً أقبَلَ علينا بوَجهِه)) [940] أخرجه البخاري (845) واللفظ له، ومسلم (2275). .
قال ابنُ حَجَرٍ: (سياقُ سَمُرةَ ظاهِرُه أنَّه كان يواظِبُ على ذلك، قيل: الحِكمةُ في استِقبالِ المَأمومينَ أن يُعَلِّمَهم ما يَحتاجونَ إليه، فعلى هذا يَختَصُّ بمَن كان في مِثلِ حالِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن قَصدِ التَّعليمِ والمَوعِظةِ، وقيل: الحِكمةُ فيه تَعريفُ الدَّاخِلِ بأنَّ الصَّلاةَ انقَضَت؛ إذ لوِ استَمَرَّ الإمامُ على حالِه لأوهَمَ أنَّه في التَّشَهُّدِ مَثَلًا، وقال الزَّينُ بنُ المُنيرِ: استِدبارُ الإمامِ المَأمومينَ إنَّما هو لحَقِّ الإمامةِ، فإذا انقَضَتِ الصَّلاةُ زال السَّبَبُ، فاستِقبالُهم حينَئِذٍ يَرفعُ الخُيَلاءَ والتَّرَفُّعَ على المَأمومينَ. واللَّهُ أعلمُ) [941] ((فتح الباري)) (2/ 334). .
2- عنِ البَراءِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كُنَّا إذا صَلَّينا خَلفَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أحبَبنا أن نَكونَ عن يَمينِه، يُقبِلُ علينا بوَجهِه، قال: فسَمِعتُه يَقولُ: رَبِّ قِني عَذابَك يَومَ تَبعَثُ -أو تَجمَعُ- عِبادَك)) [942] أخرجه مسلم (709). .
3- عن زَيدِ بنِ خالدٍ الجُهَنيِّ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّه قال: ((صَلَّى لنا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صَلاةَ الصُّبحِ بالحُدَيبيةِ على إثرِ سَماءٍ [943] السَّماءُ هاهنا: المَطَرُ، سُمِّيَ بذلك لأنَّه يَنزِلُ مِنَ السَّماءِ. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (11/ 577). كانت مِنَ اللَّيلةِ، فلمَّا انصَرَف أقبَلَ على النَّاسِ، فقال: هَل تَدرونَ ماذا قال رَبُّكُم؟ قالوا: اللهُ ورَسولُه أعلمُ، قال: أصبَحَ مِن عِبادي مُؤمِنٌ بي وكافِرٌ، فأمَّا مَن قال: مُطِرنا بفَضلِ اللهِ ورَحمَتِه، فذلك مُؤمِنٌ بي وكافِرٌ بالكَوكَبِ، وأمَّا مَن قال: بنَوءِ [944] النَّوءُ: واحِدُ الأنواءِ، وهيَ ثَمانٍ وعِشرونَ مَنزِلةً، يَنزِلُ القَمَرُ كُلَّ ليلةٍ في مَنزِلةٍ مِنها، ويَسقُطُ في الغَربِ كُلَّ ثَلاثَ عَشرةَ ليلةً مَنزِلةً مَعَ طُلوعِ الفجرِ، وتَطلُعُ أُخرى مُقابِلَها، فتَنقَضي جَميعُها مَعَ انقِضاءِ السَّنةِ، وكانتِ العَرَبُ تَزعُمُ أنَّ مَعَ سُقوطِ المَنزِلةِ وطُلوعِ رَقيبِها: يَكونُ مَطَرٌ، فيَنسُبونَ المَطَرَ إلى المَنزِلةِ، ويَقولونَ: "مُطِرنا بنَوءِ كَذا"، وإنَّما سُمِّيَ نوءًا؛ لأنَّه إذا سَقَطَ السَّاقِطُ مَها بالمَغرِبِ ناءَ الطَّالعِ بالمَشرِقِ، يَنوءُ نَوءًا، أي: نَهَضَ وطَلعَ، وقيل: إنَّ النَّوءَ هو الغُروبُ، فهو مِنَ الأضدادِ. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (11/ 577، 578). كَذا وكَذا، فذلك كافِرٌ بي ومُؤمِنٌ بالكَوكَبِ)) [945] أخرجه البخاري (846)، ومسلم (71). .
4- عن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((أخَّرَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الصَّلاةَ ذاتَ ليلةٍ إلى شَطرِ اللَّيلِ، ثُمَّ خَرَجَ علينا، فلمَّا صَلَّى أقبَل علينا بوَجهِه، فقال: إنَّ النَّاسَ قد صَلَّوا ورَقَدوا، وإنَّكُم لن تَزالوا في صَلاةٍ ما انتَظَرتُمُ الصَّلاةَ)) [946] أخرجه البخاري (847) واللفظ له، ومسلم (640).

انظر أيضا: