موسوعة الآداب الشرعية

ثامِنَ عَشَرَ: أن يَخطُبَ خُطبَتَينِ قائِمًا ويَجلِسَ بَينَهما


أوَّلًا: قيامُ الخَطيبِ واشتِراطُ الخُطبَتَينِ
يُشتَرَطُ أن تَكونَ للجُمُعةِ خُطبَتانِ [1103] وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّةِ والشَّافِعيَّةِ، والحَنابلةِ، وهو قَولُ عامَّةِ العُلماءِ. يُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (5/175)، ((الأم)) للشافعي (1/230)، ((المغني)) لابن قدامة (2/225)، ((شرح مسلم)) للنووي (6/150). ، ويَخطُبَ الخَطيبُ قائِمًا [1104] وقدِ اختَلف العُلماءُ في حُكمِ قيامِ الخَطيبِ في خُطبةِ الجُمُعةِ على أقوالٍ، أقواها قَولانِ: الأوَّلُ: أنَّ قيامَ الخَطيبِ حالَ الخُطبةِ شَرطٌ مَعَ القُدرةِ عليه. وهو مَذهَبُ الشَّافِعيَّةِ، وقَولُ الأكثَرِ مِنَ المالكيَّةِ، واختارَه القُرطُبيُّ مِنَ المالكيَّةِ، وهو رِوايةٌ عنِ الإمامِ أحمَدَ، وحُكيَ الإجماعُ على ذلك. يُنظر: ((المجموع)) للنووي (4/514،515)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/531)، ((تفسير القرطبي)) (18/114)، ((الإنصاف)) للمرداوي (2/278). قال ابنُ عَبد البَرِّ: (وأجمَعوا أنَّ الخُطبةَ لا تَكونُ إلَّا قائِمًا لمَن قدَرَ على القيامِ) ((الاستِذكار)) (2/61). الثَّاني: يُسَنُّ أن يَخطُبَ قائِمًا، وهو مَذهَبُ الحَنَفيَّةِ والحَنابلةِ، وقَولٌ للمالكيَّةِ، واختارَه ابنُ عُثيمين. يُنظر: ((البناية)) للعيني (3/56)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/36)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/79)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (16/95). يُنظر بَيانُ ذلك مَعَ أدِلَّتِه في: ((المَوسوعة الفِقهيَّة بمَوقِعِ الدُّرَرِ السَّنيَّةِ)) https://dorar.net/feqhia .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن جابِرِ بنِ سَمُرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَخطُبُ قائمًا، ثم يَجلِسُ، ثم يقومُ فيخطبُ قائمًا)) [1105] أخرجه مسلم (862). .
2- عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عنهما، قال: ((كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يخطُبُ خُطبَتَينِ يقعُدُ بينهما)) [1106] أخرجه البخاري (928) واللفظ له، ومسلم (861). .
أمَّا التَّعليلُ فللآتي:
1-لمواظبةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على خُطبتَي الجُمُعةِ مواظبةً غيرَ منقطعةٍ، وهذا الدوامُ المستمرُّ يدلُّ على وجوبِهما [1107] ينظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/31)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/51). .
2- أنَّ الخُطبتينِ أُقيمتَا مقامَ الرَّكعتينِ مِن صلاةِ الظُّهرِ؛ فكلُّ خُطبةٍ مكانَ ركعةٍ، فالإخلالُ بإحداهما كالإخلالِ بإحْدى الركعتينِ [1108] ينظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/225)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/31). .
ثانيًا: الجِلسةُ بيْنَ الخُطبتينِ
يُستحَبُّ الجلوسُ بين الخُطبتين [1109] قال ابنُ دقيقِ العيدِ: (وفي الحديث: دليلٌ على الجلوسِ بين الخُطبتينِ، ولا خِلافَ فيه). ((إحكام الأحكام)) (1/224). ، ولا يجِبُ [1110] وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّةِ، والمالِكيَّةِ، والحَنابِلَةِ، وبه قال أكثرُ أهلِ العِلمِ. ينُظر: ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/159)، ((التاج والإكليل)) للمواق (2/ 165)، ((شرح منتهي الإرادات)) للبهوتي (1/ 317)، ((المجموع)) للنووي (4/515). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن جابرِ بنِ سَمُرةَ رضي الله عنه، قال: ((كانتْ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خُطبتانِ يَجلِسُ بينهما يقرأُ القرآنَ، ويُذكِّرُ الناسَ)) [1111] أخرجه مسلم (862). .
2- عنِ ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يخطُبُ يوم الجمعة قائمًا، ثم يجلِسُ، ثم يقومُ)) قال: كما يَفعلونَ اليومَ [1112] أخرجه البخاري (920)، ومسلم (861) واللفظ له. .
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ هذا فِعلُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهو يُفيدُ النَّدبَ [1113] ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/263)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/36). .
وأمَّا التَّعليلُ فللآتي:
1-أنَّها جلسةٌ ليس فيها ذِكرٌ مشروعٌ؛ فلم تكُنْ واجبةً [1114] ((المغني)) لابن قدامة (2/227). .
2- أنَّ جلوسَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان للاستراحةِ؛ فلم تكُنْ واجبةً [1115] قال ابنُ رُشدٍ: (ليسَ مِن شَرطِ الخُطبةِ عِندَ مالكٍ الجُلوسُ، وهو شَرطٌ -كَما قُلنا- عِندَ الشَّافِعيِّ؛ وذلك أنَّه مَنِ اعتَبَرَ المَعنى المَعقولَ مِنه مِن كَونِه استِراحةً للخَطيبِ لم يَجعَلْه شَرطًا، ومَن جَعَل ذلك عِبادةً جَعَلَه شَرطًا). ((بداية المجتهد)) (1/161). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/227).
3- أنَّ المقصودَ من الخُطبةِ هو الوعظُ والتذكيرُ، وهو يَحصُلُ بدون هذا الجِلسةِ [1116] ((شرح الزركشي على مختصر الخرقي)) (2/176). .

انظر أيضا: