موسوعة الآداب الشرعية

رابعًا: الاغْتِسالُ


يُسنُّ الاغتِسالُ للإحرامِ [1500] وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَةِ. يُنظر: ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/344)، ((الشرح الكبير)) للدردير (2/38)، ((المجموع)) للنووي (7/212)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/183). . وحُكِيَ فيه الإجماعُ [1501] قال النووي: (اتَّفق العلماءُ على أنَّه يُستَحَبُّ الغُسْلُ عندَ إرادةِ الإحرامِ بحجٍّ أو عُمْرةٍ أو بهما، سواءٌ كان إحرامُه مِن الميقاتِ الشَّرعيِّ أو غيرِه). ((المجموع)) (7/212). وقال أيضًا: (وهو مُجْمَعٌ على الأمْرِ به، لكِنْ مَذْهَبُنا ومذهبُ مالكٍ وأبي حنيفةَ والجمهورِ أنَّه مُستحَبٌّ، وقال الحسَنُ وأهلُ الظَّاهرِ: هو واجِبٌ). ((شرح مسلم)) (8/133). لكن قال ابنُ قُدامةَ: (وعلى كلِّ حالٍ؛ فمَن أراد الإحرامَ استُحِبَّ له أن يغتَسِلَ قبْلَه؛ في قولِ أكثرِ أهلِ العِلْمِ؛ منهم: طاوسٌ، والنَّخَعيُّ، ومالكٌ، والثَّوْريُّ، والشَّافعيُّ، وأصحابُ الرأي). ((المغني)) (3/ 256). وقال ابنُ رُشدٍ: (اتَّفَق جمهورُ العلماءِ على أنَّ الغُسْلَ للإهلالِ سُنَّةٌ، وأنَّه مِن أفعالِ المُحْرِمِ). ((بداية المجتهد)) (1/336). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن جابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((أتَيْنا ذا الحُلَيفةِ، فولَدَت أسماءُ بِنْتُ عُمَيسٍ محمَّدَ بنَ أبي بكرٍ، فأرسَلَتْ إلى رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم: كيف أصنَعُ؟ قال: اغتَسِلي، واستَثْفِري [1502] الاستِثفارُ: شَدُّ الثَّوبِ على مَحَلِّ الدَّمِ ليَمنَعَ الجَرَيانَ. يُنظر: ((غريب الحديث)) للقاسم بن سلام (3/ 251، 252)، ((مشارق الأنوار)) لعياض (1/ 134)، ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (3/ 63)، ((فتح الباري)) لابن حجر (1/ 95). بثوبٍ، وأَحْرِمي)) [1503] أخرجه مسلم (1218). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّه إذا كانت الحائِضُ أو النُّفَساءُ لا تنتَفِعُ مِن غُسْلِها في استباحةِ العِبادةِ كالصَّلاةِ، ومع ذلك أمَرَها النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم بالاغتسالِ؛ فاغْتِسالُ المُحْرِمِ الطَّاهِرِ مِن بابِ أَوْلَى، وكان للسُّنِّيَّةِ وليس للوُجوبِ؛ لأنَّ الأصْلَ هو براءَةُ الذِّمَّةِ، حتَّى يَثبُتَ الوُجوبُ بأمرٍ لا مَدْفَعَ فيه [1504] ((الاستذكار)) لابن عبد البر (4/5)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/337). .
2- عن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((مِن السُّنَّةِ أن يغتسِلَ عندَ إحرامِه، وعندَ مَدخَلِ مَكَّةَ)) [1505] أخرجه الطبراني (13/273) (14034) واللَّفْظُ له، والحاكم (1659)، والبيهقي (9018). صَحَّحه الحاكم وقال: على شرطهما، وابنُ حَجَرٍ في ((نتائج الأفكار)) (5/213)، والألْبانيُّ في ((إرواء الغليل)) (1/179)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (719). .
مسألةٌ: حكمُ اغْتِسالِ الحائِضِ والنُّفَساءِ
يُسنُّ للحائِضِ والنُّفَساءِ الغُسْلُ للإحرامِ [1506] وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَة. يُنظر: ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/344)، ((الشرح الكبير)) للدردير (2/38)، ((المجموع)) للنووي (7/212)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/183). قال ابنُ عبدِ البرِّ: (جمهورُ العلماءِ يستحِبُّونه ولا يُوجِبونَه، وما أعلمُ أحدًا مِن المتقدِّمين أوجَبَه إلَّا الحَسَنَ البصريَّ؛ فإنَّه قال في الحائضِ والنُّفَساءِ: إذا لم تغتَسِلْ عندَ الإهلالِ اغتسلتْ إذا ذَكَرَت. وبه قال أهلُ الظَّاهرِ؛ قالوا: الغُسْلُ واجبٌ عندَ الإهلالِ على كلِّ مَن أراد أن يُهِلَّ، وعلى كلِّ مَن أراد الحَجَّ طاهرًا كان أو غيرَ طاهرٍ). ((الاستذكار)) (4/5). وقال النَّوويُّ: (وفيه صحَّةُ إحرامِ النُّفَساءِ والحائضِ، واستحبابُ اغتسالِهما للإحرامِ، وهو مُجمَعٌ على الأمْرِ به، لكنْ مذهَبُنا ومذهبُ مالكٍ وأبي حنيفةَ والجمهورِ أنَّه مستحَبٌّ، وقال الحسَنُ وأهلُ الظَّاهرِ: هو واجِبٌ). ((شرح مسلم)) (8/133).   .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((... فخَرَجْنا معه، حتَّى أتَيْنا ذا الحُلَيفةِ، فولَدَت أسماءُ بِنْتُ عُمَيسٍ مُحمَّدَ بنَ أبي بكرٍ، فأرسَلَتْ إلى رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم: كيف أصنَعُ؟ قال: اغتَسِلي، واستَثْفِري بثوبٍ، وأَحْرِمي)) [1507] أخرجه مسلم (1218). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ قَوْلَه: ((اغتسلي)) أمرٌ لها بأن تغتَسِلَ مع أنَّها نُفَساءُ لا تَسْتَبيحُ باغتِسالِها هذا الصَّلاةَ ولا غَيْرَها مِمَّا تُشتَرَطُ له الطَّهارةُ [1508] ((شرح السنة)) للبغوى (7/ 43). .
وأما التعليل فللآتي:
1- أنَّه غُسلٌ يُراد به النُّسُكُ؛ فاستوى فيه الحائِضُ والطَّاهِرة [1509] ((المجموع)) للنووي (7/211). .
2- لأنَّ المقصودَ مِن غُسْلِ الإحرامِ: التَّنظيفُ، وهما أجدَرُ بذلك [1510] ((شرح الزركشي على مختصر الخرقي)) (3/ 100). .

انظر أيضا: