موسوعة الآداب الشرعية

ثانيًا: الاستعدادُ للحجِّ والعمرةِ


ومِن آدابِ الاستعدادِ للحجِّ والعمرةِ ما يلي:
1- المبادَرةُ بالتَّوبةِ مِن جميعِ الذُّنوبِ والمعاصي، والخروجُ عن مظالمِ النَّاسِ.
الدَّليلُ على ذلك مِن الكتابِ والسنَّةِ:
أ – مِنَ الكِتابِ
قال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور: 31] .
وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة: 222] .
ب- من السنةِ
- عن أبي هريرةَ رضِي الله عنه قال قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((واللَّهِ إنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وأَتُوبُ إلَيْهِ في اليَومِ أكْثَرَ مِن سَبْعِينَ مَرَّةً)) [1492] أخرجه البخاري (6307). .
- وعن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن كانت له مَظلِمةٌ لأحَدٍ من عِرضِه أو شَيءٍ فليتَحَلَّلْه منه اليومَ قَبل أن لا يكونَ دينارٌ ولا دِرهَمٌ، إن كان له عَمَلُ صالحٌ أُخِذَ منه بقَدرِ مَظلمَتِه، وإن لم تَكُنْ له حَسَناتٌ أُخِذَ من سَيِّئاتِ صاحِبِه فحُمِل عليه)) [1493] أخرجه البخاري (2449). .
2- كتابَةُ وصِيَّتِه وما لَه وما عليه من دينٍ، ويُشهِدُ، وقضاءُ ما يُمكِنُه مِنَ الدُّيونِ، ويرُدُّ الودائعَ، ويُوكِّلُ مَن يقضي ما لم يتمكَّنْ من قضائِه مِن دُيونِه.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكتاب والسَّنةِ:
أ – مِنَ الكِتابِ
وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء: 58]
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال: 27]
وقال تعالى:وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [المؤمنون: 8 - 11]
ب- من السُّنَّةِ
عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((ما حقُّ امرئٍ مُسلمٍ له شيءٌ يُوصِي فيه، يَبيتُ ليلَتَينِ إلَّا ووصِيَّتُه مكتوبةٌ عندَه)) [1494] أخرجه البخاري (2738) واللفظ له، ومسلم (1627). .
قال الخَطَّابيُّ: (قَولُه: «ما حَقُّ امرِئٍ مُسلمٍ» مَعناه: ما حَقُّه مِن جِهةِ الحَزمِ والاحتياطِ إلَّا أن تَكونَ وصيَّتُه مَكتوبةً عِندَه إذا كان له شَيءٌ يُريدُ أن يوصيَ فيه؛ فإنَّه لا يَدري مَتى توافيه مَنيَّتُه، فتَحولُ بَينَه وبَينَ ما يُريدُ مِن ذلك ...
وفيه أنَّ الوصيَّةَ إنَّما تُستَحَبُّ لِمَن له مالٌ يُريدُ أن يوصيَ فيه دونَ مَن ليسَ له فَضلُ مالٍ، وهذا في الوصيَّةِ التي هو مُتَبَرِّعٌ بها مِن نَحوِ صَدَقةٍ وبِرٍّ وصِلةٍ، دونَ الدُّيونِ والمَظالِمِ التي يَلزَمُه الخُروجُ عنها؛ فإنَّ مَن عليه دَينٌ أو قِبَلَه تَبِعةٌ لأحَدٍ مِنَ النَّاسِ فالواجِبُ عليه أن يوصيَ فيه، وأن يَتَقدَّمَ إلى أوليائِه فيه؛ لأنَّ أداءَ الأمانةِ فَرضٌ واجِبٌ عليه) [1495] ((معالم السنن)) (4/ 82). .
3- يترُكُ نفَقَةً لأهلِه ولِمَن يَلْزَمُه نَفقَتُه إلى حينِ رُجوعِه.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((كَفى بالمَرءِ إثمًا أن يَحبِسَ عَمَّن يَملِكُ قُوتَه)) [1496] أخرجه مسلم (996). .
4- أن تكون نفَقَتُه طيِّبةً حَلالًا بعيدةً من الشُّبَهِ.
الدَّليلُ على ذلك من الكِتابِ والسُّنَّةِ:
أ- مِنَ الكِتابِ
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَامُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 267-268] .
ب- مِنَ السُّنَّةِ
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أيُّها النَّاسُ إنَّ اللهَ طيِّبٌ لا يَقبَلُ إلَّا طيِّبًا، وإنَّ اللهَ أمرَ المؤمنين بما أمَرَ به المرسَلينَ، فقال: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا [المؤمنون: 51] ، وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة: 172] ، ثمَّ ذَكَر الرَّجُلَ يُطيلُ السَّفَرَ أشعَثَ أغبَرَ، يمُدُّ يديه إلى السَّماءِ: يا ربِّ، يا ربِّ، ومَطعَمُه حرامٌ، ومَشرَبُه حرامٌ، ومَلبَسُه حرامٌ، وغُذِيَ بالحرامِ؛ فأنَّى يُستجابُ لذلك؟!)) [1497] أخرجه مسلم (1015). .
5- أن يتعَلَّمَ ما يُشرَعُ له في حَجِّه وعُمْرَتِه، ويتفَقَّهَ في ذلك، ويسأل عما أَشْكَلَ عليه، وأنْ يستصْحِبَ معه كتابًا واضحًا في أحكامِ المناسِك جامعًا لمقاصِدِها [1498] وقال النَّوويُّ: (إذا أرادَ سَفَرَ حَجٍّ أو غَزوٍ لزِمَه تَعَلُّمُ كَيفيَّتِهما؛ إذ لا تَصِحُّ العِبادةُ مِمَّن لا يَعرِفُها، ويُستَحَبُّ لمُريدِ الحَجِّ أن يَستَصحِبَ مَعَه كِتابًا واضِحًا في المَناسِكِ جامِعًا لمَقاصِدِها، ويُديمَ مُطالعَتَه ويُكَرِّرَها في جَميعِ طَريقِه؛ لتَصيرَ مُحَقَّقةً عِندَه، ومَن أخَلَّ بهذا مِنَ العَوامِّ يُخافُ ألَّا يَصِحَّ حَجُّه لإخلالِه بشَرطٍ مِن شُروطِ أركانِه ونَحوِ ذلك، ورُبَّما قَلَّدَ بَعضُهم بَعضَ عَوامِّ مَكَّةَ، وتَوهَّمَ أنَّهم يَعرِفونَ المَناسِكَ مُحَقَّقةً، فاغتَرَّ بهم، وذلك خَطَأٌ فاحِشٌ). ((المجموع)) (4/ 386). .

انظر أيضا: