موسوعة الآداب الشرعية

عاشرًا: رَفعُ الرِّجالِ أصواتَهم بالتَّلبيةِ


يُسَنُّ للرَّجُلِ أن يرفَعَ صَوتَه بالتَّلبِيةِ [1552] وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهِيَّةِ الأربَعةِ، ونصُّوا على أنَّه لا يُعلي صَوتَه جدًّا بما يشُقُّ على نَفسِه؛ خشيةَ أن يُصيبَه ضَرَرٌ. يُنظر: ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/ 446)، ((حاشية العدوي)) (1/ 660)، ((المجموع)) للنووي (7/ 245)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 419). قال ابنُ بازٍ: (... ولهذا شَرَع اللهُ رَفْعَ الصَّوتِ بالتَّلبِيةِ؛ ليَعرِفوا هذا المعنى وليُحَقِّقوه وليتَعَهَّدوه في قلوبِهم وألسِنَتِهم... فالسُّنَّةُ رَفعُ الصَّوتِ بهذه التَّلبِيةِ حتَّى يَعلَمَها القاصي والدَّاني، ويتعلَّمَها الكبيرُ والصَّغيرُ، والرَّجلُ والمرأةُ، وحتَّى يستشعِرَ معناها ويتحقَّقَ معناها، وأنَّ معناها إخلاصُ العبادةِ للهِ وحْدَه، والإيمانُ بأنَّه إلَهُهم الحقُّ، خالِقُهم ورازِقُهم ومعبودُهم جلَّ وعلا، في الحَجِّ وغيرِه). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/205). . وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك [1553] قال النَّوويُّ: (قَولُه: «خَرَجْنا مع رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم نصرُخُ بالحَجِّ صُراخًا»... فيه استحبابُ رَفْعِ الصَّوتِ بالتَّلبِيةِ، وهو متَّفَقٌ عليه، بشَرْطِ أن يكونَ رفعًا مقتَصِدًا بحيثُ لا يؤذِي نَفْسَه... ورَفْعُ الرَّجُلِ مندوبٌ عندَ العُلَماءِ كافَّةً). ((شرح مسلم)) (8/232). وذهب داودُ وابنُ حَزمٍ وبعضُ الظَّاهريَّةِ إلى الوُجوبِ. يُنظر: ((المحلى)) لابن حَزْم (5/81)، ((المجموع)) للنووي (7/225). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن السَّائِبِ بنِ خلَّادٍ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم قال: ((أتاني جبريلُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأمَرَني أن آمُرَ أصحابي ومَن مَعي أن يرفَعُوا أصواتَهم بالإهلالِ -أو قال: بالتَّلبِيةِ- يريدُ أحَدَهما)) [1554] أخرجه أبو داود (1814) واللفظ له، والترمذي (829)، وابن ماجه (2922). صحَّحه ابنُ خُزَيْمةَ في ((صحيحه)) (4/295)، وابنُ العربي في ((عارضة الأحوذي)) (2/258)، وابنُ الملقِّن في ((البدر المنير)) (6/152)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (829)، وقال الترمذي: حسن صحيح. .
2- عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّم قال: ((خَرَجْنا مع رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم نَصرُخُ بالحَجِّ صُراخًا)) [1555] أخرجه البخاري (1247). .
فَوائِدُ ومَسائِلُ:
1- المرأةُ لا ترفَعُ صوتَها بالتَّلبِيةِ، وإنَّما تُلَبِّي سرًّا بالقَدرِ الذي تُسمِعُ به نَفسَها [1556] وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهِيَّةِ الأربَعةِ. يُنظر: ((البناية شرح الهداية)) للبابرتي (4/ 273)، ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبد البر (1/ 365)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 73)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 421). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك [1557] قال ابنُ عبد البرِّ: (وأجمع العُلَماء على أنَّ السُّنَّة في المرأة ألَّا ترفَعَ صَوْتَها، وإنما عليها أن تُسمِعَ نَفْسَها، فخرجت من جملة ظاهِرِ الحديث وخُصَّتْ بذلك) ((التمهيد)) (17/242)، ويُنْظَر: ((الاستذكار)) لابن عَبْدِ البَرِّ (4/57). وحكاه عنه ابن رشد، فقال: (وأجمع أَهْلُ العِلْم على أنَّ تلبية المرأة فيما حكاه أبو عمَرَ هو أن تُسمِعَ نَفْسَها بالقول) ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/337). ؛ وذلك لِما يُخشَى من رَفعِ صَوتِها مِنَ الفِتنةِ [1558] يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (8/90- 91). .
2- يُستَحَبُّ ابتداءُ التَّلبِيةِ مِن حينِ الإحرامِ [1559] وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهِيَّةِ الأربَعةِ. يُنظر: ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/346)، ((الشرح الكبير للدردير مع حاشية الدسوقي)) (2/39)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 73)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 421). ينظر بيانُ ذلك مع أدلته في: ((الموسوعة الفقهية بموقع الدرر السَّنية)) https://dorar.net/feqhia .
3- تنتهي التَّلبِيةُ في الحَجِّ عندَ ابتداءِ رَميِ جمرةِ العَقَبةِ يَومَ النَّحرِ، ولا فَرقَ في ذلك بينَ المُفرِد والقارِن والمتمَتِّعِ [1560] وهذا مذهَبُ جُمهورِ الفُقَهاءِ: الحَنَفيَّةِ، والشَّافِعيَّةِ، والحَنابِلةِ. يُنظر: ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/371). ((المجموع)) للنووي (8/154)، ((الفروع)) لابن مفلح (5/395). ومِمَّن قال بذلك مِنَ السَّلَفِ: ابنُ مَسعودٍ، وابنُ عبَّاسٍ، ومَيمونةُ، رَضِيَ اللهُ عنهم، وعَطاءٌ، وطاوسٌ، وسَعيدُ بنُ جُبَيرٍ، والنَّخَعيُّ، والثَّوريُّ. يُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/383). يُنظر بيانُ ذلك مع أدلته في: ((الموسوعة الفقهية بموقع الدرر السَّنية)) https://dorar.net/feqhia .
4- تنتهي التَّلبِيةُ في العُمرةِ بالشُّروعِ في الطَّوافِ [1561] وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّةِ، والشَّافِعِيَّةِ، والحَنابِلةِ، وهو قولُ طائفةٍ مِنَ السَّلَفِ، وذهب إليه أكثَرُ أهلِ العِلمِ. يُنظر: ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/390)، ((المجموع)) للنووي (8/264)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/19). قال ابنُ المُنْذِر: (فقالت طائفةٌ: يقطع التَّلْبِيَة إذا افتَتَحَ الطوافَ، هذا قول ابن عباس، وعطاء، وعمرو، وابن مسعود، وطاووس، والنخعي، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وأصحاب الرأي، وهو قولُ أكثرِ أَهْل العِلْمِ). ((الإشراف)) (3/378). يُنظر ذلك مع أدِلَّتِه في: ((الموسوعة الفقهية بموقع الدرر السَّنية)) https://dorar.net/feqhia .

انظر أيضا: