موسوعة الآداب الشرعية

ثاني عَشَرَ: سؤالُ الله عندَ آياتِ الرحمةِ، والاستعاذةُ عندَ الوعيدِ، والتسبيحُ عندَ التنزيهِ


يُستَحَبُّ للقارِئِ إذا مَرَّ بآيةِ رَحمةٍ ووَعدٍ أن يَرغَبَ إلى اللهِ تعالى ويَسألَه عَزَّ وجَلَّ مِن فَضلِه، وإذا مَرَّ بآيةِ وَعيدٍ وعَذابٍ أن يَستَعيذَ باللهِ مِنَ الشَّرِّ ومِنَ العَذابِ، أو يَقولَ: اللَّهُمَّ إنِّي أسألُك العافيةَ، أو أسألُك المُعافاةَ مِن كُلِّ مَكروهٍ، أو نَحوَ ذلك، وإذا مَرَّ بآيةِ تَنزيهٍ للهِ تعالى نَزَّهَ، فقال: سُبحانَه وتعالى، أو تَبارَكَ وتعالى، أو جَلَّت عَظَمةُ رَبِّنا، وكَذلك يَنبَغي له أن يَقِفَ على أمثالِه فيَتَمَثَّلَها [1724] يُنظر: ((نوادر الأصول)) للحكيم الترمذي (3/ 253)، ((الإفصاح عن معاني الصحاح)) لابن هبيرة (2/ 237)، ((التذكار)) للقرطبي (ص: 178)، ((التبيان)) للنووي (ص: 91)، ((نيل الأوطار)) للشوكاني (2/ 266). قال النَّوويُّ: (قال أصحابُنا رَحِمَهمُ اللهُ تعالى: ويُستَحَبُّ هذا السُّؤالُ والاستِعاذةُ والتَّسبيحُ لكُلِّ قارِئٍ، سَواءٌ كان في الصَّلاةِ أو خارِجًا مِنها، قالوا: ويُستَحَبُّ ذلك في صَلاةِ الإمامِ والمُنفَرِدِ والمَأمومِ؛ لأنَّه دُعاءٌ، فاستَوَوا فيه كالتَّأمينِ عَقِبَ الفاتِحةِ. وهذا الذي ذَكَرناه مِنِ استِحبابِ السُّؤالِ والاستِعاذةِ هو مَذهَبُ الشَّافِعيِّ رَضيَ اللهُ عنه وجَماهيرِ العُلَماءِ رَحِمَهمُ اللهُ. قال أبو حَنيفةَ رَحِمَه اللهُ تعالى: ولا يُستَحَبُّ ذلك، بَل يُكرَهُ في الصَّلاةِ، والصَّوابُ قَولُ الجَماهيرِ). ((التبيان)) (ص: 92). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ والآثارِ:
أ- مِنَ السُّنَّةِ
عن حُذَيفةَ رَضيَ اللهُ عنه، قال: ((صَلَّيتُ مَعَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذاتَ لَيلةٍ، فافتَتَحَ البَقَرةَ، فقُلتُ: يَركَعُ عِندَ المِائةِ، ثُمَّ مَضى، فقُلتُ: يُصَلِّي بها في رَكعةٍ، فمَضى، فقُلتُ: يَركَعُ بها، ثُمَّ افتَتَحَ النِّساءَ، فقَرَأها، ثُمَّ افتَتَحَ آلَ عِمرانَ، فقَرَأها، يَقرَأُ مُتَرَسِّلًا [1725] يَقرَأُ مُتَرَسِّلًا، أي: مُتَرَفِّقًا مُتَمَهِّلًا، مِن قَولِهم: على رِسلِك، أي: على رِفقِك، ومُرَتِّلًا بتَبيينِ الحُروفِ وأداءِ حَقِّها، والتَّرَسُّلُ: تَرتيلُ الحُروفِ وأداؤُها حَقَّها. يُنظر: (المفهم)) لأبي العباس القرطبي (2/ 405)، ((دليل الفالحين)) لابن علان (2/ 320) و(6/ 643). ، إذا مَرَّ بآيةٍ فيها تَسبيحٌ سَبَّحَ، وإذا مَرَّ بسُؤالٍ سَألَ، وإذا مَرَّ بتَعَوُّذٍ تَعوَّذ، ثُمَّ رَكَعَ، فجَعَلَ يَقولُ: سُبحانَ رَبِّيَ العَظيمِ، فكان رُكوعُه نَحوًا مِن قيامِه، ثُمَّ قال: سَمِعَ اللهُ لمَن حَمِدَه، ثُمَّ قامَ طَويلًا قَريبًا مِمَّا رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ، فقال: سُبحانَ رَبِّيَ الأعلى، فكان سُجودُه قَريبًا مِن قيامِه)) [1726] أخرجه مسلم (772). .
ب- مِن الآثارِ:
عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِي اللَّهُ عَنهُما قال: (إذا قَرأتَ سَبِّحِ اسمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى فقلَ سُبحَانَ ربِّيَ الأعلى، وإذا قرأت أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحيِيَ الْمَوْتَى فقُلْ: سبحانَك وبلَى) [1727] أخرجه عبد الرزاق (4051)، وابن الضريس في ((فضائل القرآن)) (13) واللفظ له، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (1930). صححه ابن حجر في ((نتائج الأفكار)) (2/48)، وصحح إسناده الألباني في ((أصل صفة الصلاة)) (1/408) وقال: على شرطهما. .
مما ورَد عن السَّلَفِ:
عن حُسَينِ بنِ عَليٍّ يَعني الكَرابيسيَّ، قال: (بِتُّ مَعَ الشَّافِعيِّ غَيرَ لَيلةٍ، فكان يُصَلِّي نَحوَ ثُلُثِ اللَّيلِ... وكان لا يَمُرُّ بآيةِ رَحمةٍ إلَّا سَألَ اللهَ لنَفسِه وللمُؤمِنينَ أجمَعينَ، ولا يَمُرُّ بآيةِ عَذابٍ إلَّا تَعَوَّذَ مِنها، وسَألَ النَّجاةَ لنَفسِه ولجَميعِ المُسلِمينَ. قال: فكَأنَّما جُمِع له الرَّجاءُ والرَّهبةُ جَميعًا) [1728] أخرجه الخطيب في ((تاريخ بغداد)) (2/63)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (51/392). .

انظر أيضا: