سادسًا: وسائِلُ اكتسابِ الحِكمةِ
1- التَّفقُّهُ في الدِّينِ، وهو من الخيرِ الكثيرِ الذي أشارت إليه الآيةُ: قال تعالى:
يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ [البقرة: 269] [3590] ((هذه أخلاقنا حين نكون مُؤمِنين حقًّا)) لمحمود محمد الخزندار (ص: 122). . وهي ثمَرةٌ من ثمارِ التَّربيةِ القرآنيَّةِ، ونتيجةٌ من نتائجِها.
2- مجالَسةُ أهلِ العِلمِ والصَّلاحِ، والاختلاطُ بهم، والاستفادةُ منهم؛ لذا كان لقمانُ يقولُ لابنِه وهو يوصيه ويدُلُّه على طريقِ الحِكمةِ: (يا بُنَيَّ، جالِسِ العُلَماءَ وزاحِمْهم بركبَتَيك؛ فإنَّ اللهَ يُحيي القلوبَ بنورِ الحِكمةِ كما يُحيي الأرضَ الميتةَ بوابِلِ السَّماءِ)
[3591] ((تنوير الحوالك في شرح موطأ مالك)) (3/161). .
3- العبادةُ الحقَّةُ للهِ سُبحانَه، والارتباطُ الوثيقُ به، والبعدُ عن المعاصي، وطردُ الهوى، كُلُّ ذلك من طرُقِ نَيلِ الحِكمةِ؛ فعن الحَسَنِ قال: (من أحسَنَ عبادةَ اللهِ في شبيبتِه لقَّاه اللهُ الحِكمةَ عِندَ كِبَرِ سِنِّه، وذلك قولُه:
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [القصص: 14] )
[3592] ((المجالسة وجواهر العلم)) لأبي بكر الدينوري (6/240). . وقال
ابنُ الجوزيِّ: (لكُلِّ بابٍ مِفتاحٌ، ومفتاحُ الحِكمةِ: طَردُ الهوى)
[3593] ((التبصرة)) لابن الجوزي (1/396). .
4- تحرِّي الحلالِ في مأكَلِه ومَشرَبِه ومَلبَسِه وشأنِه كُلِّه سَبَبٌ في نيلِ الحِكمةِ.5- كثرةُ التَّجارِبِ والاستفادةُ من مدرسةِ الحياةِ؛ فــ(من مشارِبِ الحِكمةِ: الاستفادةُ من العُمرِ والتَّجارِبِ بالاعتبارِ، وأخذِ الحَيطةِ لأمرِ الدِّينِ والدُّنيا، ففي الحديثِ:
((لا يُلدَغُ المُؤمِنُ من جُحرٍ مرَّتين)) [3594] أخرجه البخاري (6133)، ومسلم (2998) من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه بلفظ: ((لا يُلدَغُ المُؤمِنُ من جُحرٍ واحدٍ مرَّتينِ)). . وكثرةُ التَّجارِبِ هي التي تَكسِبُ صاحِبَها الحِلمَ والحِكمةَ)
[3595] ((هذه أخلاقنا حين نكون مُؤمِنين حقًّا)) لمحمود محمد الخزندار (ص: 123). .
6- ألَّا يعتَمِدَ المرءُ على رأي نفسِه، بل عليه أن يستشيرَ ذوي الخِبرةِ والتَّجربةِ من إخوانِه الصَّالحين؛ ليزدادَ بصيرةً بالعواقِبِ
[3596] ((الرائد- دروس في التربية والدعوة)) لمازن بن عبد الكريم الفريح (3/44). .
7- التَّحَلِّي بالصَّمتِ عمَّا لا فائدةَ فيه طريقٌ إلى اكتسابِ الحِكمةِ؛ فالحكيمُ يُعرَفُ بالصَّمتِ وقِلَّةِ الكلامِ، وإذا تكلَّم تكلَّم بالحَقِّ، وإن تلفَّظ تلفَّظ بخيرٍ أو سكت، قال وَهبُ بنُ مُنبِّهٍ: (أجمَعَت الحُكَماءُ على أنَّ رأسَ الحِكمةِ: الصَّمتُ)
[3597]رواه ابنُ أبي الدنيا في ((الصمت)) (619). .
وقال
عُمَرُ بنُ عبدِ العزيزِ: (إذا رأيتُم الرَّجُلَ يُطيلُ الصَّمتَ، ويَهرُبُ من النَّاسِ، فاقتربوا منه؛ فإنَّه يُلقَّى الحِكمةَ)
[3598] ((التبصرة)) لابن الجوزي (2/289). .
وقال وُهَيبُ بنُ الوردِ: (بلَغَنا أنَّ الحِكمةَ عَشَرةُ أجزاءٍ: تِسعةٌ منها في الصَّمتِ، والعاشِرةُ في عُزلةِ النَّاسِ)
[3599]رواه الخطابي في ((العزلة)) (ص: 19). .
وقيل: (زَينُ المرأةِ الحياءُ، وزَينُ الحكيمِ الصَّمتُ)
[3600] ((حسن السمت في الصمت)) للسيوطي (ص: 84). .
وعن كَعبِ الأحبارِ قال: (قِلَّةُ المنطِقِ حِكمةٌ، فعليكم بالصَّمتِ؛ فإنَّه رِعةٌ
[3601] الرِّعَةُ: الهَدْيُ، وحُسنُ الهيئةِ. يُنظَر: ((تاج العروس)) للزبيدي (22/ 315). حَسَنةٌ، وقِلَّةُ وِزرٍ، وخِفَّةٌ من الذُّنوبِ... واعلَموا أنَّ كَلِمةَ الحِكمةِ ضالَّةُ المسلِمِ)
[3602] ((الصمت)) لابن أبي الدنيا (426، 569)، ((حلية الأولياء)) لأبي نعيم (5/ 367) و (6/ 26). .
8- ومِن طُرُقِ اكتسابِها أيضًا ما ذكَره لقمانُ الحكيمُ عندما سُئِل: أنَّى أُوتيَ الحِكمةَ؟ قال: (بشيئينِ: لا أتكَلَّفُ ما كُفِيتُ، ولا أُضَيِّعُ ما كُلِّفتُ)
[3603] ((قوت القلوب)) لأبي طالب المكي (2/234). .
وعن
سُفيانَ بنِ عُيَينةَ قال: سَمِعتُ أبا خالدٍ يقولُ: (تحضُرُ الحِكمةُ بثلاثٍ: الإنصاتُ، والاستماعُ، والوَعيُ، وتُلقَّحُ الحِكمةُ بثلاثِ خِصالٍ: الإنابةُ إلى دارِ الخلودِ، والتَّجافي عن دارِ الغُرورِ، والاستعدادُ للموتِ قبلَ نزولِ الموتِ)
[3604] ((حلية الأولياء)) لأبي نعيم (7/ 280). .