ب- نماذِجُ من الرَّحمةِ عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
قال تعالى واصِفًا نبيَّه الكريمَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة: 128] .
فقد كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أرحَمَ النَّاسِ بالنَّاسِ وأرأَفَهم بهم؛ المُؤمِنين ومن لم يكُنْ يدينُ بدينِ الإسلامِ أصلًا، بل إنَّ رحمتَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تعدَّت ذلك إلى الحيوانِ والجمادِ، وسنَعرِضُ هنا بعضَ النَّماذجِ من رحمتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
رحمتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للعالَمينَ:قال تعالى:
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء: 107] .
فقد تخلَّق بخُلُقِ الرَّحمةِ، وأحاطت الرَّحمةُ بتصاريفِ شريعتِه، فكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رحمةً لجميعِ العالَمِ؛ مُؤمِنِهم وكافِرِهم؛ لأنَّه جاءهم بالسَّعادةِ الكبرى، والنَّجاةِ من الشَّقاوةِ العُظمى، ونالوا على يديه الخيراتِ الكثيرةَ في الآخرةِ والأولى، وعَلَّمَهم بعدَ الجهالةِ، وهداهم بعدَ الضَّلالةِ
[4107] يُنظَر: ((تأويل آي القرآن)) للطبري (16/441)، ((التسهيل)) لابن جزي (2/31)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/166). .
وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قيل: يا رسولَ اللهِ ادعُ على المُشرِكين، قال:
((إني لم أبعَثْ لعَّانًا، وإنَّما بُعِثتُ رحمةً)) [4108] أخرجه مسلم (2599). .
رحمتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأمَّتِه:عن
عبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنهما
((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تلا قولَ اللهِ عزَّ وجَلَّ في إبراهيمَ: رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [إبراهيم: 36] ، وقال عيسى عليه السَّلامُ: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة: 118] ، فرفَع يديه وقال: اللَّهُمَّ أمَّتي أمَّتي، وبكى! فقال اللهُ عزَّ وجَلَّ: يا جِبريلُ اذهَبْ إلى محمَّدٍ -وربُّك أعلَمُ- فسَلْه: ما يبكيك؟! فأتاه جبريلُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، فسأله، فأخبره رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بما قال -وهو أعلَمُ-، فقال اللهُ: يا جِبريلُ، اذهَبْ إلى محمَّدٍ، فقُلْ: إنَّا سُنرضيك في أمَّتِك، ولا نَسوءُك)) [4109] أخرجه مسلم (202). .
وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((إنما مَثَلي ومَثَلُ أمَّتي كمَثَلِ رَجُلٍ استوقَدَ نارًا، فجعَلَت الدَّوابُّ والفراشُ يقَعْنَ فيه، فأنا آخِذٌ بحُجَزِكم [4110] بحُجَزِكم: جمعُ حُجزةٍ، وهي مَعقِدُ الإزارِ. يُنظَر: ((إرشاد الساري)) للقسطلاني (9/277). وأنتم تَقَحَّمون [4111] التقَحُّمُ: التقدُّمُ والوقوعُ في الأهويةِ وشِبهِها، والدُّخولُ في الأمورِ الشَّاقَّةِ من غيرِ تثبُّتٍ ولا رويَّةٍ. يُنظَر: ((إكمال المعلم بفوائد مسلم)) للقاضي عياض (7/ 253). فيه)) [4112] أخرجه البخاري (6483)، ومسلم (2284) واللفظ له. .
وقد كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يتركُ بعضَ النَّوافلِ خوفًا من أن يُفرَضَ على أمَّتِه إذا فعلوه اقتداءً به، كما ترَك القيامَ في شهرِ رمَضانَ بعدَ أن قام بهم ليلةً أو ليلتينِ
[4113] ((معالم السنن)) للخطابي (2/ 129). . فلم يمنَعْه من المواظبةِ عليه إلَّا خَشيةُ أن يُفرَضَ على أمَّتِه، وكان بالمُؤمِنين رؤوفًا رحيمًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
[4114] يُنظَر: ((التمهيد)) لابن عبد البر (8/109)، ((الاستذكار)) لابن عبد البر (2/ 62). .
وعن أبي هُرَيرةَ أيضًا: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((لولا أن أشُقَّ على أمَّتي -أو على النَّاسِ- لأمرتُهم بالسِّواكِ مع كُلِّ صلاةٍ)) [4115] أخرجه البخاري (887) واللفظ له، ومسلم (252). .
وعن أبي هُرَيرةَ قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((لولا أن أشُقَّ على أمَّتي لأمرتُهم أن يؤخِّروا العِشاءَ إلى ثُلُثِ اللَّيلِ أو نِصفِه)) [4116] أخرجه الترمذي (167) واللفظ له، وابن ماجه (691)، وأحمد (9591). صحَّحه الترمذي، وابن حبان في ((صحيحه)) (1539)، وابن عساكر في ((معجم الشيوخ)) (2/1169)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (1/718). .
وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((والذي نفسُ محمَّدٍ في يَدِه لولا أن أشُقَّ على المُؤمِنين ما قعَدْتُ خَلفَ سَرِيَّةٍ تغزو في سبيلِ اللهِ، ولكِنْ لا أجِدُ سَعةً فأحمِلَهم، ولا يجِدون سَعةً فيَتَّبِعوني، ولا تطيبُ أنفُسُهم أن يَقعُدوا بعدي)) [4117] أخرجه البخاري (2972)، ومسلم (1876) واللفظ له. .
- رحمتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالصِّغارِ:عن
أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (ما صلَّيتُ وراءَ إمامٍ قَطُّ أخفَّ صلاةً ولا أتَمَّ من النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وإن كان ليَسمَعُ بُكاءَ الصَّبيِّ، فيُخَفِّفُ مخافةَ أن تُفتَنَ أُمُّه)
[4118] أخرجه البخاري (708) واللفظ له، ومسلم (469) مختصَرًا. .
وعن
أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال:
((دخَلْنا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على أبي سَيفٍ القَينِ [4119] القَينُ: الحَدَّادُ والصَّائِغُ، والجَمعُ: القُيونُ. يُنظَر: ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (4/ 135). ، وكان ظِئرًا [4120] الظِّئرُ: المرضِعةُ غيرَ وَلَدِها. يُنظَر: ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (3/ 154). لإبراهيمَ عليه السَّلامُ، فأخذ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إبراهيمَ، فقَبَّله وشَمَّه، ثمَّ دخَلْنا عليه بعد ذلك وإبراهيمُ يجودُ بنَفسِه [4121] أي: يُخرِجُها من جسَدِه. يُنظَر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/ 100). ، فجعَلَت عينا رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تَذرِفانِ [4122] أي: يجري دَمْعُهما. يُنظَر: ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 174). ، فقال له عبدُ الرَّحمنِ بنُ عوفٍ رَضِيَ اللهُ عنه: وأنت يا رسولَ اللهِ؟! فقال: يا ابنَ عَوفٍ، إنَّها رحمة، ثمَّ أتبعَها بأُخرى، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ العينَ تدمَعُ، والقَلبَ يحزَنُ، ولا نقولُ إلَّا ما يُرضي رَبَّنا، وإنَّا بفِراقِك يا إبراهيمُ لمحزونون)) [4123] أخرجه البخاري (1303) واللفظ له، ومسلم (2315). .
وعن عبدِ اللهِ بنِ بُرَيدةَ، عن أبيه، قال:
((خطَبَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأقبل الحَسَنُ والحُسَينُ رَضِيَ اللهُ عنهما، عليهما قميصانِ أحمرانِ يَعثُرانِ ويقومانِ، فنزل فأخذَهما، فصَعِد بهما المنبَرَ، ثمَّ قال: صدَق اللهُ: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن: 15] ، رأيتُ هذينِ فلم أصبِرْ، ثمَّ أخَذ في الخُطبةِ)). قال
ابنُ القَيِّمِ: (نظَرْتُ إلى هذينِ الصَّبيَّينِ يمشيانِ ويَعثُرانِ، فلم أصبِرْ حتى قطَعْتُ حديثي ورفَعْتُهما، وهذا من كَمالِ رحمتِه ولُطفِه بالصِّغارِ وشَفَقتِه عليهم، وهو تعليمٌ منه للأُمَّةِ الرَّحمةَ والشَّفَقةَ واللُّطفَ بالصِّغارِ)
[4124] ((عدة الصابرين)) (ص: 64، 65). .
رحمتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأصحابِه:عن أبي سُلَيمانَ مالِكِ بنِ الحُوَيرثِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال:
((أتينا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ونحن شَبَبةٌ متقارِبون، فأقَمْنا عندَه عِشرين ليلةً، فظَنَّ أنَّا اشتَقْنا أهلَنا، وسأَلَنا عمَّن ترَكْنا في أهلِنا فأخبَرْناه، وكان رفيقًا رحيمًا، فقال: ارجِعوا إلى أهليكم، فعَلِّموهم ومُروهم، وصلُّوا كما رأيتُموني أصلِّي، وإذا حضَرَتِ الصَّلاةُ، فليُؤَذِّنْ لكم أحَدُكم، ثمَّ ليَؤُمَّكم أكبَرُكم)) [4125] أخرجه البخاري (6008) واللفظ له، ومسلم (674). .
رحمةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأمِّ سُلَيمٍ:عن
أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه:
((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يكُنْ يدخُلُ بيتًا بالمدينةِ غيرَ بيتِ أمِّ سُلَيمٍ، إلَّا على أزواجِه، فقيل له، فقال: إني أرحَمُها قُتِل أخوها معي)) [4126] أخرجه البخاري (2844) واللفظ له، ومسلم (2455). .
رحمتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالكُفَّارِ:- عن
عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها زوجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّها قالت للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((هل أتى عليكَ يومٌ كان أشَدَّ من يومِ أُحُدٍ؟ فقال: لقَد لَقِيتُ مِن قَومِكِ، وكانَ أشَدَّ ما لَقِيتُ منهم يَومَ العَقَبَةِ؛ إذْ عَرَضْتُ نَفسي على ابنِ عبدِ يَالِيلَ بنِ عبدِ كُلَالٍ، فلم يُجِبْني إلى ما أرَدْتُ، فانطَلَقْتُ وأنا مَهمومٌ على وَجهي، فلم أستَفِقْ إلَّا بقَرنِ الثَّعَالِبِ، فرَفَعتُ رَأسي فإذا أنا بسَحابةٍ قد أظَلَّتني، فنَظَرتُ فإذا فيها جِبريلُ، فناداني، فقال: إنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ قد سمِعَ قَولَ قَومِك لك وما ردُّوا عليك، وقد بَعَث إليك ملَكَ الجِبالِ لتَأمُرَه بما شِئتَ فيهم، قال: فناداني مَلَكُ الجِبالِ وسَلَّم عَلَيَّ، ثمَّ قال: يا محمَّدُ، إنَّ اللهَ قد سمِعَ قَولَ قَومِك لك، وأنا مَلَكُ الجِبالِ، وقد بعثَني ربُّك إليكَ لتَأمُرَني بأمرِك، فما شِئتَ؛ إنْ شِئتَ أن أُطبِقَ عليهم الأخشَبَينِ، فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: بل أرجو أن يُخرِجَ اللهُ من أصلابِهم من يعبُدُ اللهَ وَحدَه لا يُشرِكُ به شيئًا)) [4127] رواه البخاري (3231) واللفظ له، ومسلم (1795). .
قال
ابنُ حَجَرٍ: (في هذا الحديثِ بَيانُ شَفَقةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على قومِه، ومزيدِ صَبرِه وحِلمِه، وهو مُوافِقٌ لقَولِه تعالى:
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ [آل عمران: 159] ، وقَولِه:
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء: 107] )
[4128] ((فتح الباري)) (6/316). .
رحمتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالحَيَوانِ:عن عبدِ اللهِ بنِ جعفَرٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال:
((أردَفَني رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خَلْفَه ذاتَ يَومٍ، فأسرَّ إليَّ حديثًا لا أُحَدِّثُ به أحدًا مِنَ النَّاسِ، وكان أحبَّ ما استتر به رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لحاجتِهِ هَدَفٌ أو حائِشُ نخلٍ فدخلَ حائطًا لرجلٍ من الأنصار فإذا جمَلٌ، فلمَّا رأى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حنَّ وذرَفَت عيناه، فأتاه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فمَسَح ذِفْراه [4129] الذِّفْرى من البعيرِ: مؤخَّرُ رأسِه، وهو الموضِعُ الذي يُعرَفُ من قفاه. وقيل: أصلُ أُذُنِه، وهما ذِفْرَيان. يُنظَر: ((عون المعبود)) للعظيم آبادي (7/ 159). ، فسكَت، فقال: من رَبُّ هذا الجمَلِ؟ لِمَن هذا الجَمَلُ؟ فجاء فتًى من الأنصارِ، فقال: لي يا رَسولَ اللهِ. فقال: أفلا تتَّقي اللهَ في هذه البهيمةِ التي ملَّكَك اللهُ إيَّاها؛ فإنَّه شكى إليَّ أنَّك تُجيعُه وتُدْئِبُه [4130] أي: تُكرِهُه وتُتعِبُه. يُنظَر: ((عون المعبود)) للعظيم آبادي (7/ 159). ) [4131] رواه أبو داود (2549) واللفظ له، وأحمد (1745). صحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (1412)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2549)، والوادعي على شرط مسلم في ((صحيح دلائل النبوة)) (559)، وصحَّح إسناده الحاكم في ((المستدرك)) (2485)، وأحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (3/189)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (3/ 274). والحديثُ أصلُه في الصَّحيحِ، أخرجه مسلم (342) مختصَرًا. .
- عن
عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال:
((كنَّا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في سَفَرٍ، فانطلق لحاجتِه فرَأَينا حُمَّرةً [4132] هي طائِرٌ صغيرٌ كالعُصفورِ. يُنظَر: ((الكاشف عن حقائق السنن)) للطيبي (8/ 2501). معها فرخانِ، فأخَذْنا فرْخَيها، فجاءت الحُمَّرةُ فجعَلَت تُفَرِّشُ، فجاء النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: من فجَّع هذه بولَدِها؟ ردُّوا ولَدَها إليها. ورأى قريةَ نملٍ قد حرَقْناها فقال: مَن حرَق هذه؟ قُلْنا: نحن. قال: إنَّه لا ينبغي أن يُعَذِّبَ بالنَّارِ إلَّا ربُّ النَّارِ!)) [4133] رواه أبو داود (2675). صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2675)، وصحَّح إسناده النووي في ((رياض الصالحين)) (455)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (8/689)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (2675). ورواه أحمد (3763) بلفظ: (نزل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم منزِلًا، فانطلق لحاجتِه، فجاء وقد أوقَد رجُلٌ على قريةِ نملٍ، إمَّا في الأرضِ، وإمَّا في شَجَرةٍ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أيُّكم فعَل هذا؟ فقال رجُلٌ من القومِ: أنا يا رسولَ اللهِ، قال: أطْفِها، أطْفِها). حسَّنه لغيرِه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (6/ 307)، وحسَّن إسناده أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (5/288)، ووثَّق رجاله البوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (6/99). .
رحمتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالجَمادِ:- عن
جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما:
((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كانَ يَقُومُ يَومَ الجُمُعَةِ إلى شَجَرةٍ -أو نَخلةٍ- فَقالتِ امرَأةٌ مِنَ الأنصارِ -أو رَجُلٌ-: يا رَسولَ اللَّهِ، ألا نَجعَلُ لك مِنبَرًا؟ قال: إن شِئْتُم. فجَعَلوا له مِنبَرًا، فلمَّا كان يَومُ الجُمُعةِ دُفِعَ إلى المنبَرِ، فصاحَتِ النَّخلةُ صِياحَ الصَّبيِّ، ثمَّ نزَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فضَمَّه إليه [4134] أي: ضَمَّ جِذعَ النَّخلةِ إليه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ. ، تَئِنُّ أنينَ الصَّبيِّ الذي يُسَكَّنُ. قال: كانت تَبكي على ما كانت تَسمَعُ مِنَ الذِّكرِ عِندَها)) [4135] رواه البخاري (3584). .