أ- من القُرآنِ الكريمِ
الوَقارُ والرَّزانةُ من الصِّفاتِ المحمودةِ؛ إذ هي صفةُ عُقَلاءِ النَّاسِ وحُكَمائِهم، فهي تَعصِمُ الإنسانَ في أقوالِه وأفعالِه من الزَّلَلِ والشَّطَطِ، وتقيه النَّدَمَ والتَّحسُّرَ؛ ولذلك أثنى سُبحانَه وتعالى في القرآنِ على من اتَّصَف بها، وحَرَص عليها في أقوالِه وأفعالِه.
- قال تبارك وتعالى:
وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا [الفرقان: 63] .
(فذَكَر أنَّ صِفاتِهم أكمَلُ الصِّفاتِ، ونعوتَهم أفضَلُ النُّعوتِ، فوَصَفهم بأنَّهم
يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا أي: ساكِنين متواضِعين للهِ والخَلقِ، فهذا وَصفٌ لهم بالوَقارِ والسَّكينةِ والتَّواضُعِ للهِ ولعِبادِه.
وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ أي: خطابَ جَهلٍ، بدليلِ إضافةِ الفِعلِ وإسنادِه لهذا الوَصفِ،
قَالُوا سَلَامًا أي: خاطَبوهم خطابًا يَسلَمون فيه من الإثمِ ويَسلَمون من مقابلةِ الجاهِلِ بجَهْلِه. وهذا مدحٌ لهم بالحِلمِ الكثيرِ، ومُقابلةِ المُسيءِ بالإحسانِ، والعَفوِ عن الجاهِلِ، ورزانةِ العَقلِ الذي أوصَلَهم إلى هذه الحالِ)
[9715] ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص: 586). .
قال
ابنُ كثيرٍ: (هذه صِفاتُ عِبادِ اللهِ المُؤمِنين
الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا [الفرقان: 63] ، أي: بسكينةٍ ووقارٍ من غيرِ جَبريَّةٍ ولا استكبارٍ، كما قال:
وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا [الإسراء: 37] ، فأمَّا هؤلاء فإنَّهم يمشون من غيرِ استكبارٍ ولا مَرَحٍ، ولا أشَرٍ ولا بَطَرٍ، وليس المرادُ أنَّهم يمشون كالمَرضى من التَّصانُعِ تصَنُّعًا ورياءً، ... وقد كَرِه بعضُ السَّلَفِ المشيَ بتضَعُّفٍ وتصنُّعٍ، حتى رُوِيَ عن عُمَرَ أنَّه رأى شابًّا يمشي رويدًا، فقال: ما بالُك؟ أأنت مريضٌ؟ قال: لا، يا أميرَ المُؤمِنين، فعَلاه بالدِّرَّةِ، وأمَره أن يمشيَ بقُوَّةٍ، وإنَّما المرادُ بالهَوْنِ هاهنا: السَّكينةُ والوَقارُ)
[9716] ((تفسير القرآن العظيم)) (6/121، 122). .
- وقال اللهُ تبارك وتعالى:
وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ [لقمان: 19] .
هذه إحدى وصايا لُقمانَ الحكيمِ لابنِه وهو يَعِظُه، وفيها أمرٌ بالسَّكينةِ والوَقارِ حالَ مَشْيِه بَيْنَ النَّاسِ؛ قال
البَغَويُّ: (أي: ليكُنْ مَشيُك قَصدًا لا تخيُّلًا ولا إسراعًا. وقال عَطاءٌ: امْشِ بالوَقارِ والسَّكينةِ، كقَولِه:
يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا [الفرقان: 63] )
[9717] ((معالم التنزيل)) (6/289). .
وقال الخازِنُ: (أي: ليكُنْ في مِشيتِك قَصْدٌ بَيْنَ الإسراعِ والتَّأنِّي، أمَّا الإسراعُ فهو من الخُيَلاءِ، وأمَّا التَّأنِّي فهو أن يرى في نفسِه الضَّعفَ تزَهُّدًا، وكِلا الطَّرفينِ مذمومٌ، بل ليَكُنْ مشيُك بَيْنَ السَّكينةِ والوَقارِ)
[9718] ((لباب التأويل في معاني التنزيل)) (3/399). .
-وقال تعالى:
وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت: 34] .
أي: (ولا تستوي الحَسَنةُ والسَّيِّئةُ، يعني: الصَّبرَ والغَضَبَ، والحِلمَ والجَهلَ، والعَفوَ والإساءةَ،
ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ كدفعِ الغَضَبِ بالصَّبرِ، والإساءةِ بالعَفوِ،
فَإِذَا الَّذِي بَينَكَ وَبَيْنَهُ أي: فإذا فعَلْتَ ذلك، ودَفَعْتَ السَّيِّئةَ بالتي هي أحسَنُ، صار
الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كالصَّديقِ القَريبِ)
[9719] ((التفسير الوسيط)) للواحدي (4/36). .
وقال
السَّعديُّ: (من آذاه الخَلقُ بالأقوالِ البَشِعةِ، وصان لسانَه عن مشاتمتِهم، ودافَع عن نفسِه برِفقٍ ولينٍ؛ اندفع عنه مِن أذاهم ما لا يندَفِعُ بمقابلتِهم بمِثلِ مقالِهم وفِعالِهم، ومع ذلك فقد كَسَب الرَّحمةَ والطُّمَأنينةَ والرَّزانةَ والحِلمَ)
[9720] ((الحق الواضح المبين)) (ص: 63، 64). .