أ- من القُرآنِ الكريمِ
- قال تعالى ناهيًا أهلَ الكتابِ عن الإفراطِ والغُلُوِّ في الدِّينِ:
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا [النساء: 171] .
قال
الطَّبَريُّ: (يعني جَلَّ ثناؤه بقَولِه:
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ يا أهلَ الإنجيلِ من النَّصارى
لَا تَغْلُوا فيِ دِينِكُمْ يقولُ: لا تجاوِزوا الحَقَّ في دينِكم فتُفرِطوا فيه، ولا تقولوا في عيسى غيرَ الحَقِّ؛ فإنَّ قِيلَكم في عيسى إنَّه ابنُ اللَّهِ قولٌ منكم على اللَّهِ غيرُ الحَقِّ؛ لأنَّ اللَّهَ لم يتَّخِذْ وَلَدًا، فيكونَ عيسى أو غيرُه مِن خَلقِه له ابنًا
وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ)
[680] ((جامع البيان)) (7/700). .
(
لَا تَغْلُوا: الغُلُوُّ: مجاوَزةُ الحَدِّ. وغُلُوُّ النَّصارى في دينِهم: إفراطُهم في تعظيمِ عيسى حتَّى جعَلوه إلهًا أو ابنًا للهِ! وغُلُوُّ اليَهودِ: مبالغتُهم في الطَّعنِ في عيسى حتَّى اتَّهَموه وأمَّه بما لا يليقُ)
[681] ((التفسير الوسيط)) لمجموعة من المؤلفين (2/ 987). .
- وقال تعالى في ذَمِّ الإفراطِ في القِصاصِ والإسرافِ فيه بما لم يَشرَعْه اللَّهُ سُبحانَه، كما كان صنيعُ أهلِ الجاهليَّةِ:
وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا [الإسراء: 33] .
قال سعيدُ بنُ جُبَيرٍ: (السَّرَفُ في القَتلِ أن يَطلُبَ قَتلَ الجماعةِ بالواحِدِ، وقد كانت الجاهليَّةُ لا يَرضَون بقَتلِ القاتِلِ وَحدَه إذا كان المقتولُ شريفًا، ويَطلُبون قَتلَ القاتلِ وجماعةً معه من أقربائِه وقَومِه!)
[682] ((تفسير القرآن)) للسمعاني (3/238). .
وقال
السَّعديُّ: (
فَلَا يُسْرِفْ الوَليُّ
فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا والإسرافُ مجاوَزةُ الحَدِّ إمَّا أن يُمَثِّلَ بالقاتِلِ، أو يقتُلَه بغيرِ ما قَتَل به، أو يَقتُلَ غيرَ القاتِلِ)
[683] ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 457). .
- وقال تعالى ناهيًا عن الإفراطِ والغُلُوِّ ومجانبةِ الاستقامةِ في الدِّينِ:
فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [هود: 112] .
قال
البَغَويُّ: (
وَلَا تَطْغَوْا لا تجاوِزوا أمري ولا تَعصوني، وقيل: معناه: ولا تَغْلوا فتَزيدوا على ما أَمَرتُ ونهَيتُ)
[684] ((معالم التنزيل)) (4/ 203). .
وقال المراغيُّ: (
فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا، أي: فالزَمِ الصِّراطَ المستقيمَ الذي لا عِوَجَ فيه واثبُتْ عليه، وكذلك فلْيَستقِمْ مَن تاب من الشِّركِ وآمَن معك، ولا تنحَرِفوا عمَّا رُسِم لكم بتجاوزِ حُدودِه غُلُوًّا في الدِّينِ؛ فإنَّ الإفراطَ فيه كالتَّفريطِ، كلاهما زَيغٌ عن الصِّراطِ المستقيمِ، وفي هذا إيماءٌ إلى وُجوبِ اتِّباعِ النُّصوصِ في الأمورِ الدِّينيَّةِ من عقائِدَ وعباداتٍ، واجتنابِ الرَّأيِ، وبطلانِ التَّقليدِ فيها)
[685] ((تفسير المراغي)) (12/90). .
-وقال تعالى في بيانِ ما ابتدعه رهبانُ النَّصارى في دينِهم إفراطًا على أنفُسِهم:
ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد: 27] .
قال
ابنُ كثيرٍ: (قولُه:
وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا أي: ابتدعَتْها أمَّةُ النَّصارى
مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ أي: ما شرَعْناها لهم، وإنَّما هم التَزموها من تلقاءِ أنفُسِهم. وقولُه:
إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فيه قولانِ؛ أحدُهما: أنَّهم قَصدوا بذلك رِضوانَ اللَّهِ، قاله سعيدُ بنُ جُبَيرٍ، وقتادةُ. والآخَرُ: ما كتَبْنا عليهم ذلك، إنَّما كتَبْنا عليهم ابتغاءَ رِضوانِ اللَّهِ. وقولُه:
فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا أي: فما قاموا بما التَزموه حقَّ القيامِ. وهذا ذمٌّ لهم من وجهَينِ؛ أحدُهما: في الابتداعِ في دينِ اللَّهِ ما لم يأمُرْ به اللَّهُ. والثَّاني: في عَدَمِ قيامِهم بما التَزموه ممَّا زعموا أنَّه قُربةٌ يُقَرِّبُهم إلى اللَّهِ عزَّ وجَلَّ)
[686] ((تفسير القرآن العظيم)) (8/ 29). .
- وقال تعالى محَذِّرًا من إفراطِ التَّابعين في محبَّةِ متبوعيهم حتَّى أفضَتْ بهم إلى الشِّركِ باللَّهِ سُبحانَه:
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة: 165] .
قال القاسميُّ: (وذلك لا يليقُ إلَّا بمن اتَّخذ الرِّجالَ أندادًا وأمثالًا للهِ تعالى يلتَزِمون من تعظيمِهم والانقيادِ لهم ما يلتَزِمُه المُؤمِنون من الانقيادِ للهِ تعالى،
وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ من المُشرِكين لأندادِهم؛ لأنَّ أولئك أشركوا في المحبَّةِ، والمُؤمِنون أخلَصوها كُلَّها للهِ، ولأنَّهم يعلمون أنَّ جميعَ الكَمالاتِ له ومنه، ولأنَّهم لا يَعدِلون عنه إلى غيرِه)
[687] ((محاسن التأويل)) (1/462). .