خامِسًا: مظاهِرُ وصُوَرُ الدِّياثةِ
للدِّياثةِ صُوَرٌ كثيرةٌ؛ منها:
1- الجَمعُ بَيْنَ الرِّجالِ والنِّساءِ في الحرامِ.2- نِكاحُ البَغيِّ ابتداءً، أو إبقاؤها في عِصمتِه؛ قال
ابنُ تَيميَّةَ: (الصَّحيحُ مِن قَولَيِ العُلَماءِ: أنَّ الزَّانيةَ لا يجوزُ تزَوُّجُها إلَّا بعدَ التَّوبةِ، وكذلك إذا كانت المرأةُ تزني لم يكُنْ له أن يُمسِكَها على تلك الحالِ، بل يُفارِقُها وإلَّا كان دَيُّوثًا)
[3355] ((مجموع الفتاوى)) (32/ 141). .
وقال أيضًا: (والذي يتزوَّجُ ببَغيٍّ هو دَيُّوثٌ، وهذا ممَّا فَطَر اللَّهُ على ذَمِّه وعَيبِه بذلك جميعَ عبادِه المُؤمِنين، بل وغيرِ المُسلِمين من أهلِ الكِتابِ وغَيرِهم؛ كُلُّهم يذُمُّ من تكونُ امرأتُه بَغيًّا ويُشتَمُ بذلك ويُعَيَّرُ به)
[3356] ((مجموع الفتاوى)) (32/ 117، 118). .
3- سَماحُ الرَّجُلِ لمحارِمِه بلُبسِ ما لا يَستُرُ العورةَ، وتمكينُه لهنَّ من إبداءِ زينتِهنَّ، والخُروجِ بها إلى الشَّوارعِ والأسواقِ، ومزاحمةِ الرِّجالِ.
قال الغَزِّيُّ، وهو يذكُرُ أعمالَ بني إسرائيلَ التي يجِبُ ألَّا يُتَشَبَّهَ بهم فيها: (السَّادِسَ عَشَرَ: حَملُ النِّساءِ على السُّروجِ ومراكِبِ الرِّجالِ بادياتٍ وُجوهُهنَّ وزينتُهنَّ.
بل تمكينُ النِّساءِ من إبدائِهنَّ زينَتَهنَّ مُطلَقًا، وهذه دِياثةٌ، وهَتكُ مروءةٍ، وإن كُنَّ إماءَه، وإن كان لهنَّ جاهٌ. ورُبَّما فَعَل ذلك كُفَّارُ الفِرِنجِ، ونساءُ اليهودِ لا يحتَجِبْنَ من الرِّجالِ.
وقد قال اللَّهُ تعالى:
وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور: 31] )
[3357] ((حسن التنبه لما ورد في التشبه)) (8/ 49). .
وقال أحمد شاكِر: (انظُرْ أيُّها الرَّجُلُ المُسلِمُ، وانظُري أيَّتُها المرأةُ المُسلِمةُ... إلى ما يفعَلُ نِساءُ عَصْرِنا المُتهَتِّكاتُ الفاجِراتُ الدَّاعِراتُ، وهنَّ ينتَسِبْنَ إلى الإسلامِ زُورًا وكَذِبًا، يساعِدُهنَّ الرِّجالُ الفُجَّارُ الأجرياءُ على اللَّهِ وعلى رَسولِه وعلى بديهيَّاتِ الإسلامِ، يزعُمونَ جميعًا أنْ لا بأسَ بسُفورِ المرأةِ وبخُروجِها عاريةً باغيةً، وباختِلاطِها بالرِّجالِ في الأسواقِ وأماكِنِ اللَّهوِ والفُجورِ، ويَجتَرئونَ جميعًا فيَزعُمون أنَّ الإسلامَ لم يُحَرِّمْ على المرأةِ الاختلاطَ، ولم يحَرِّمْ عليها تولِّيَ المناصِبِ العامَّةِ، ولم يُحَرِّمْ عليها السَّفَرَ في البَعَثاتِ التي يُسَمُّونَها "عِلميَّة"! ويُجيزون لها أن تتولَّى المناصِبَ السِّياسيَّةَ!
بل انظُروا إلى منظَرِ هؤلاء الفواجِرِ في الأسواقِ والطُّرُقاتِ، وقد كشَفْنَ عن عَوراتِهنَّ التي أمَر اللَّهُ ورسولُه بسَتْرِها...، وتَلبَسُ الثِّيابَ التي لا تستُرُ شيئًا، والتي تشِفُّ عمَّا تحتَها، وتُظهِرُه في أجمَلِ مَظهَرٍ لها. بل إنَّنا نرى هذه المُنكَراتِ في نهارِ شَهرِ رَمَضانَ، لا يَسْتَحينَ ولا يَسْتَحي من استرعاه اللَّهُ إيَّاهنَّ من الرِّجالِ، بل مِن أشباهِ الرِّجالِ الدَّياييثِ! ثمَّ قُلْ بعدَ ذلك: أهؤلاء رجالٌ ونِساءٌ مُسلِمون؟!)
[3358] ((تحقيق مسند أحمد)) (8/ 79، 80). .
4- أن يَسمَحَ الرَّجُلُ لامرأةٍ من محارِمِه أن تمازِحَ أجنبيًّا عنها وتفاكِهَه، وربَّما وَصَل الحالُ ببعضِ الدَّياييثِ إلى أن يأذَنَ للأجانِبِ بالرَّقصِ مع محارِمِه، والخَلوةِ بهِنَّ!
قال
بكر أبو زيد: (وقد ترى السَّافِرةَ الفاجِرةَ تحادِثُ أجنبيًّا فاجِرًا تَظُنُّ مِن حالِهما أنَّهما زوجانِ بعَقدٍ أُشهِدَ عليه أبو هُرَيرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه! ولو رآها الدَّيُّوثُ زوجُها وهي على هذه الحالِ لمَّا تحرَّكَت منه شَعرةٌ؛ لمَواتِ غَيرتِه، نعوذُ باللَّهِ من موتِ الغَيرةِ، ومن سُوءِ المُنقَلَبِ!)
[3359] يُنظَر: ((حراسة الفضيلة)) (ص: 88، 89). .
وقديمًا كانوا يَعُدُّون صاحِبَ الجاريةِ إذا جمع النَّاسَ لسَماعِها دَيُّوثًا، وكانوا يَعُدُّونَ فِعلَه هذا دِياثةً
[3360] ((إغاثة اللهفان)) (1/ 230). !
- تمكينُ المرءِ مَن تحتَ ولايتِه من معاشَرةِ مَن يخشى عليه منه ولا يؤمَنُ فَسادُه على يديه، قال
ابنُ تَيميَّةَ: (مَن أقَرَّ صَبيًّا يتولَّاه -مثلُ ابنِه وأخيه أو مملوكِه أو يتيمٍ- عِندَ من يعاشِرُه على هذا الوَجهِ: فهو دَيُّوثٌ ملعونٌ، ولا يدخُلُ الجنَّةَ دَيُّوثٌ)
[3361] ((مجموع الفتاوى)) (32/ 249). ويُنظَر: ((الفروع)) لابن مُفلِح (8/ 190). .
وقال
ابنُ القَيِّمِ: (والحَذَرَ كُلَّ الحَذَرِ مِن تمكينِه من تناوُلِ ما يزيلُ عَقلَه من مُسكِرٍ وغيرِه، أو عِشرةِ مَن يُخشى فسادُه أو كلامُه له أو الأخذُ في يَدِه؛ فإنَّ ذلك الهلاكُ كُلُّه، ومتى سَهُل عليه ذلك فقد استَسهَلَ الدِّياثةَ، ولا يدخُلُ الجنَّةَ دَيُّوثٌ. فما أفسَدَ الأبناءَ مِثلُ تَغفُّلِ الآباءِ وإهمالِهم واستِسهالِهم شَرَرَ النَّارِ بَيْنَ الثِّيابِ)
[3362] ((تحفة المودود بأحكام المولود)) (ص: 242). .
وقال الغَزِّيُّ وهو يتكَلَّمُ عن تشَبُّهِ الحُرِّ بالرَّقيقِ: (مِن تشَبُّهِ الأحرارِ بالأرِقَّاءِ: خِدمةُ الإنسانِ أكابِرَ النَّاسِ بالأُجرةِ، وأقبَحُ هذا النَّوعِ خِدمةُ المُردِ الحِسانِ عِندَ الأجانِبِ، خُصوصًا عِندَ الأجنادِ؛ فإنَّهم يعتَقِدون أنَّ لهم التَّصَرُّفَ في الصَّبيِّ إذا خَدَم عندَهم وأخَذَ نوالَهم كما يتصَرَّفُ المالِكُ في مملوكِه! فإن تجاوَزوا ذلك إلى اللِّواطِ ومُقَدِّماتِه فقد هلكوا ولو كان ذلك مع مماليكِهم؛ فإنَّ هذا أمرٌ لم يَحِلَّ في شريعةٍ، وإنَّما نبَّهْتُ عليه لكثرةِ وقوعِه مِن غالِبِهم.
وأولياءُ المُردِ إذا رَضُوا لهم بذلك أَثِموا، فإن أمروهم بذلك أو حَملوهم إلى الجُندِ فأخدَموهم إيَّاهم، تضاعَفَ إثمُهم، وكان ذلك نوعًا من الدِّياثةِ والقيادةِ)
[3363] ((حسن التنبه لما ورد في التشبه)) (10/ 122، 123). .
- إفشاءُ الأسرارِ الزَّوجيَّةِ والتَّفكُّهُ بها:(إنَّ إفشاءَ الأسرارِ لَمِن أسوَأِ العاداتِ التي يُبتلى بها الإنسانُ؛ ذلك أنْ ليس كُلُّ ما يُعلَمُ يُقالُ في هذه الحياةِ، فهناك أمورٌ تقضي الرُّجولةُ والمروءةُ والشَّرَفُ والغَيرةُ أن تبقى في طَيِّ الكِتمانِ، وبخاصَّةٍ إذا كانت هذه الأمورُ من متعَلِّقاتِ الحياةِ الزَّوجيَّةِ. ولا يَنشُرُ مِثلَ هذه الأمورِ على أسماعِ النَّاسِ إلَّا رجُلٌ في عَقلِه لَوثةٌ من الجُنونِ، أو في شَخصيَّتِه مُيوعةٌ ودِياثةٌ وتفاهةٌ. ومِن هنا كان هذا الضَّربُ من الرِّجالِ الثَّرثارينَ في زُمرةِ الأشرارِ، بل مِن شَرِّ النَّاسِ عِندَ اللَّهِ، كما بَيَّنَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في قولِه:
((إنَّ مِن أشَرِّ النَّاسِ عِندَ اللَّهِ منزلةً يومَ القيامةِ الرَّجُلَ يُفضي إلى امرأتِه وتُفضي إليه، ثمَّ يَنشُرُ سِرَّها)) [3364] رواه مسلم (1437). )
[3365] ((شخصية المسلم كما يصوغها الإسلام في الكتاب والسنة)) (ص: 211، 212). .
- سماحُ الرَّجُلِ لزَوجتِه وأبنائِه وبَناتِه بمشاهَدةِ الأفلامِ العاهِرةِ والمُسَلسلاتِ الماجنةِ، وسماعِ الأغاني. (ولا رَيبَ أنَّ كُلَّ غَيُورٍ يجَنِّبُ أهلَه سَماعَ الغِناءِ كما يُجَنِّبُهنَّ أسبابَ الرَّيبِ. ومَن طَرَّقَ أهلَه إلى سَماعِ رُقيةِ الزِّنا فهو أعلَمُ بالاسمِ الذي يَستَحِقُّه)
[3366] ((إغاثة اللهفان)) لابن القيم (1/ 436). .
نزل الحُطَيئةُ برَجُلٍ من العَرَبِ ومعه ابنتُه مليكةُ، فلمَّا جَنَّه اللَّيلُ سَمِع غناءً، فقال لصاحِبِ المنزِلِ: كُفَّ هذا عنِّي، قال له: وما يُكرَهُ من ذلك؟ قال: إنَّ الغناءَ رائِدٌ من رادةِ الفُجورِ، ولا أحِبُّ أن تسمَعَ هذه -يعني ابنَتَه- فإنْ كفَفْتَه وإلَّا خرَجْتُ عنك
[3367] ((ذم الملاهي)) لابن أبي الدنيا (51). .
- السَّماحُ للنِّساءِ بالسَّفَرِ للتَّنَزُّهِ وغيرِه والخَلوةِ بالرِّجالِ، كالطَّبيبِ أو العامِلِ، دونَ مَحرَمٍ.ومن ذلك تساهُلُ البَعضِ بجُلوسِ المَخطوبةِ مع خَطيبِها والخَلوةِ بها دونَ مَحرَمٍ.
- نشرُ الصُّوَرِ والمقاطِعِ التي تُظهِرُ فيها المرأةُ مَفاتِنَها على وسائِلِ التَّواصُلِ.- السَّماحُ للنِّساءِ في بَعضِ البُلدانِ بالاختِلاطِ بالرِّجالِ، ولُبسِ الملابِسِ الضَّيِّقةِ، وإبداءِ الزِّينةِ والمفاتِنِ، والرَّقصِ، وتَوَلِّي الرِّجالِ تصفيفَ شُعورِهنَّ وتزيينِهنَّ في الأعراسِ والمُناسَباتِ.