سادسًا: أسبابُ العُجْبِ
1- جَهلُ المرءِ بحقيقةِ نَفسِه وغفلتُه عنها و(أنَّ جَهْلَه بنفسِه وصفاتِها، وآفاتِها وعيوِب عَمَلِه، وجَهْلَه برَبِّه وحقوقِه، وما ينبغي أن يُعامَلَ به: يتولَّدُ منهما رِضاه بطاعتِه، وإحسانُ ظَنِّه بها، ويتولَّدُ من ذلك من العُجْبِ والكِبرِ والآفاتِ ما هو أكبَرُ من الكبائِرِ الظَّاهِرةِ؛ من الزِّنا، وشُربِ الخَمرِ، والفِرارِ من الزَّحفِ ونحوِها)
[4824] ((مدارج السالكين)) لابن القيم (1/192). .
2- المَدحُ والثَّناءُ والإطراءُ في الوَجهِ سَبَبٌ قَويٌّ من أسبابِ العُجْبِ؛ قال
الماوَرديُّ: (من أقوى أسبابِه -أي العُجْبِ- كثرةُ مَديحِ المتقَرِّبين، وإطراءِ المتمَلِّقين، الذين جعلوا النِّفاقَ عادةً ومَكسَبًا، والتَّمَلُّقَ خديعةً ومَلعَبًا، فإذا وجَدوه مقبولًا في العقولِ الضَّعيفةِ أغْرَوا أربابَها باعتقاِد كَذِبِهم، وجعَلوا ذلك ذريعةً إلى الاستهزاءِ بهم)
[4825] ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (ص: 239). .
وقال
ابنُ حَجَرٍ: (قال ابنُ بطَّالٍ: من أفرَط في مدحِ آخَرَ بما ليس فيه لم يأمَنْ على الممدوحِ العُجْبَ؛ لظَنِّه أنَّه بتلك المنزلةِ، فرُبَّما ضَيَّع العَملَ والازديادَ من الخيرِ اتِّكالًا على ما وُصِف به)
[4826] ((فتح الباري)) لابن حجر (10/477). .
و
((أثنى رجُلٌ على رجُلٍ عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: وَيلَك! قطَعْتَ عُنُقَ صاحِبِك، قطَعْتَ عُنُقَ صاحِبِك!)) [4827] رواه مطولًا البخاري (2662) واللفظ له، ومسلم (3000). . أي: أهلَكْتَه
[4828] يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (18/127). .
3- وممَّا يُوصِلُ الإنسانَ إلى العُجْبِ بنفسِه، مقارنتُه لنفسِه بمن هو دونَه في العَمَلِ، والفَضلِ، واعتقادُه أنَّ النَّاسَ هلكى بالذُّنوبِ والمعاصي، وأنَّه على خيرٍ كبيرٍ إذا قورِنَ بغيرِه؛ فعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((إذا قال الرَّجُلُ: هَلَك النَّاسُ، فهو أهلَكَهم [4829] فهو أهلَكَهم: يُروى بفَتحِ الكافِ وضَمِّها، فمَن فَتَحها كانت فِعلًا ماضيًا... وأمَّا الضَّمُّ فمعناه أنَّه إذا قال لهم ذلك فهو أهلَكُهم: أي: أكثَرُهم هلاكًا. وهو الرَّجُلُ يُولَعُ بعَيبِ النَّاسِ ويَذهَبُ بنفسِه عُجبًا، ويرى له عليهم فضلًا. يُنظر: ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (5/270). ) [4830] رواه مسلم (2623). .
4- النَّشأةُ والتَّربيةُ؛ فقد ينشَأُ الإنسانُ في بيئةٍ غَلَب عليها طَبعُ العُجْبِ والكبرِ، فيتأثَّرُ بها. فـ(قد ينشَأُ بَيْنَ أبوينِ يَلمَسُ منهما أو من أحَدِهما حُبَّ المحمَدةِ، ودوامَ تزكيةِ النَّفسِ إنْ بالحَقِّ وإنْ بالباطِلِ، والاستِعصاءَ على النُّصحِ والإرشادِ، ونحوَ ذلك من مظاهِرِ الإعجابِ بالنَّفسِ، فيحاكيهما، وبمرورِ الزَّمَنِ يتأثَّرُ بهما، ويُصبِحُ الإعجابُ بالنَّفسِ جُزءًا من شخصيَّتِه إلَّا مَن رَحِم اللَّهُ)
[4831] ((آفات على الطريق)) لسيد محمد نوح (1/118). .
وكما قال الشَّاعِرُ:
وينشَأُ ناشِئُ الفِتيانِ مِنَّا
على ما كان عوَّده أبوه
[4832] ((اللزوميات)) لأبي العلاء المعري (2/ 413). 5- الرُّفقةُ والصُّحبةُ سَبَبٌ من أسبابِ الإعجابِ بالنَّفسِ؛ ذلك أنَّ الإنسانَ شديدُ المحاكاةِ والتَّأثُّرِ بصاحِبِه، لا سيَّما إذا كان هذا الصَّاحِبُ قَويَّ الشَّخصيَّةِ، ذا خِبرةٍ ودرايةٍ بالحياةِ، وكان المصحوبُ غافِلًا على سجيَّتِه، يتأثَّرُ بكُلِّ ما يُلقى عليه، فإذا كان الصَّاحِبُ مصابًا بداءِ الإعجابِ، فإنَّ عَدْواه تَصِلُ إلى قرينِه فيَصيرُ مِثلَه
[4833] ((آفات على الطريق)) لسيد محمد نوح (1/121). .
6- الاغترارُ بالنِّعمةِ والرُّكونُ إليها، مع نسيانِ ذِكرِ المنعِمِ تبارك وتعالى، (فإذا حباه اللَّهُ نعمةً من مالٍ أو علمٍ، أو قوَّةٍ أو جاهٍ، أو نحوِه، وَقَف عِندَ النِّعمةِ ونَسِيَ المنعِمَ، وتحتَ تأثيرِ بريقِ المواهِبِ وسُلطانِها تحدِّثُه نفسُه أنَّه ما أصابته هذه النِّعمةُ إلَّا لِما لديه من عِلمٍ! على حَدِّ قولِ قارونَ:
قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي [القصص: 78] ، ولا يزالُ هذا الحديثُ يُلِحُّ عليه حتَّى يرى أنَّه بلَغَ الغايةَ أو المنتهى، ويُسَرُّ ويَفرَحُ بنفسِه وبما يصدُرُ عنها، ولو كان باطِلًا، وذلك هو الإعجابُ بالنَّفسِ)
[4834] ((آفات على الطريق)) لسيد محمد نوح (1/121). .
7- توَلِّي المناصِبِ القياديَّةِ، من سُلطةٍ أو قضاءٍ، أو إدارةٍ أو إشرافٍ، وغيرِ ذلك من المسؤوليَّاتِ.
8- التَّمتُّعُ بصِفةٍ أو مزيَّةٍ تجعَلُه يتمَيَّزُ عن غيرِه فيها، سواءٌ كانت هذه الصِّفةُ اضطراريَّةً كالجَمالِ، أو فصاحةِ اللِّسانِ، أو النَّسَبِ، أو العشيرةِ، أو المالِ والبنينَ، أو غيرِها، أو كانت تلك الصِّفةُ اختياريَّةً، كالعِلمِ، والطَّاعةِ، والإقدامِ، وغيرِها.
9- المبالغةُ في التَّوقيرِ والاحترامِ من الأتباعِ، وفي ذلك قاصِمةُ ظَهرٍ للمتبوعِ.
10- قِلَّةُ الوَرَعِ والتَّقوى، وضَعفُ المراقبةِ للهِ عزَّ وجَلَّ.
11- قِلَّةُ النَّاصِحِ والموَجِّهِ، أو فَقدُه بالكُلِّيَّةِ.
12- عَدَمُ التَّفكُّرِ في حالِ الدُّنيا، والافتتانُ بها وبزُخرُفِها الفاني، بالإضافةِ إلى اتِّباعِ هوى النَّفسِ ومتابعتِها فيها.
13- الغَفلةُ عن نهايةِ العُجْبِ والمُعجَبين، ومآلِهم في الدُّنيا والآخِرةِ.
14- عَدَمُ التَّأمُّلِ في النُّصوصِ الشَّرعيَّةِ من القرآنِ والسُّنَّةِ النَّبَويَّةِ النَّاهيةِ عن هذه السَّجيَّةِ القبيحةِ، الآمِرةِ بضِدِّها من تواضُعٍ وخَفضِ جَناحٍ.
15- الأمنُ مِن مَكرِ اللَّهِ عزَّ وجَلَّ، والرُّكونُ إلى عَفوِه ومغفرتِه.
16- قِلَّةُ العِلمِ؛ قال
الماوَرْديُّ: (قلَّما تجِدُ بالعِلمِ مُعجَبًا وبما أدرَك مُفتَخِرًا، إلَّا مَن كان فيه مقِلًّا ومُقَصِّرًا؛ لأنَّه قد يجهَلُ قَدْرَه، ويحسَبُ أنَّه نال بالدُّخولِ فيه أكثَرَه. فأمَّا من كان فيه متوجِّهًا، ومنه مُستكثِرًا، فهو يعلَمُ مِن بُعدِ غايتِه والعَجِز عن إدراكِ نهايتِه، ما يَصُدُّه عن العُجْبِ به.
وقد قال الشَّعبيُّ: العِلمُ ثلاثةُ أشبارٍ، فمَن نال منه شِبرًا شَمَخ بأنفِه وظَنَّ أنَّه ناله، ومَن نال الشِّبرَ الثَّانيَ صَغُرَت إليه نفسُه وعَلِمَ أنَّه لم يَنَلْه، وأمَّا الشِّبرُ الثَّالِثُ فهيهاتَ! لا ينالُه أحَدٌ أبدًا)
[4835] ((أدب الدنيا والدين)) (ص: 73). .