أ- من القُرآنِ الكريمِ
1- ضِدُّ التَّفاؤُلِ التَّشاؤُمُ والتَّطَيُّرُ، وقد قال تعالى في ذمِّ أعداءِ أنبيائِه ورُسُلِه الذين تطَيَّروا بالأنبياءِ، وظَنُّوا أنَّ حُلولَ المصائِبِ بسَبَبِهم:
فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [الأعراف: 131] .
قال
الشَّوكانيُّ: (قَولُه:
فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ أي: الخَصلةُ الحَسَنةُ من الخِصبِ بكثرةِ المطَرِ وصلاحِ الثَّمَراتِ، ورخاءِ الأسعارِ، قالوا:
لَنَا هَذِهِ أي: أُعطيناها باستحقاقٍ، وهي مختصَّةٌ بنا
وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ أي: خَصلةٌ سَيِّئةٌ من الجَدبِ والقَحطِ وكثرةِ الأمراضِ ونحوِها من البلاءِ
يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أي: يتشاءَموا بموسى ومَن معه من المؤمِنينَ به.
قولُه:
أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ أي: سبَبُ خَيرِهم وشَرِّهم بجميعِ ما ينالُهم من خِصبٍ وقَحطٍ، من عندِ اللهِ، ليس بسبَبِ موسى ومَن معه، وكان هذا الجوابُ على نمَطِ ما يعتَقِدونه وبما يفهَمونه؛ ولهذا عَبَّر بالطَّائِرِ عن الخيرِ والشَّرِّ الذي يجري بقَدَرِ اللهِ وحِكمتِه ومَشيئتِه، ولكِنَّ أكثَرَهم لا يَعلَمون بهذا، بل يَنسُبون الخَيرَ والشَّرَّ إلى غيرِ اللهِ جَهلًا منهم)
[2004] ((فتح القدير)) (2/270-271). .
فالشَّاهِدُ في هذه الآيةِ: أنَّ فِرعَونَ وقَومَه كانوا يتشاءَمون ويتطَيَّرون مِن موسى عليه السَّلامُ وأتباعِه (أهلِ الصَّلاحِ) معتَقِدين أنَّهم هم سَبَبُ ما أصابهم من الجَدبِ، فبَيَّن اللهُ تعالى لهم أنَّ ما أصابهم إنَّما هو بقضاءِ اللهِ وقَدَرِه، وليس ما يجِدونَه في أنفُسِهم من إلحاقِ هذا الأمرِ بموسى وأتباعِه.
2- وقال تعالى كاشِفًا ما كان عليه المُشرِكون من اعتقادٍ باطِلٍ في تطيُّرِهم برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا [النساء: 78] .
قال
السَّعديُّ: (يخبِرُ تعالى عن الذين لا يَعلَمونَ، المُعرِضين عمَّا جاءت به الرُّسُلُ، المعارِضين لهم: أنَّهم إذا جاءتهم حَسَنةٌ، أي: خِصبٌ وكثرةُ أموالٍ، وتوفُّرُ أولادٍ وصِحَّةٌ، قالوا:
هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وأنَّهم إن أصابَتْهم سَيِّئةٌ، أي: جَدبٌ وفَقرٌ، ومَرَضٌ وموتُ أولادٍ وأحبابٍ، قالوا:
هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ أي: بسَبَبِ ما جِئْتَنا به يا محمَّدُ، تطَيَّروا برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كما تطَيَّرَ أمثالُهم برُسُلِ اللهِ)
[2005] ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 188). .
3- وقال تعالى مخبِرًا عن أهلِ القَريةِ إذ جاءها المُرسَلون:
قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ [يس: 18 - 19] .
قال
الزَّمَخشَريُّ: (
تَطَيَّرْنَا بِكُمْ تشاءَمنا بكم، وذلك أنَّهم كَرِهوا دينَهم، ونَفَرت منه نفوسُهم، وعادةُ الجُهَّالِ أن يتيَمَّنوا بكُلِّ شيءٍ مالوا إليه واشتَهَوه وآثروه وقَبِلَته طباعُهم، ويتشاءَموا بما نَفَروا عنه وكَرِهوه، فإن أصابهم نِعمةٌ أو بلاءٌ قالوا ببركةِ هذا وبشؤمِ هذا)
[2006] ((الكشاف)) (4/9). .
ثمَّ توعَّدوهم فقالوا: (
لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ: قال قتادةُ: بالحِجارةِ. وقال مجاهِدٌ: بالشَّتمِ)
[2007] ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (6/569). .
(حينَئذٍ أجابهم الرُّسُلُ:
قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أي: قالوا لهم: سَبَبُ شؤمِكم من أفعالِكم لا من قِبَلِنا كما تزعَمون، فأنتم أشرَكْتُم باللهِ سِواه، وأُولِعْتُم بالمعاصي واجتَرَحْتُم السَّيِّئاتِ، أمَّا نحن فلا شؤمَ مِن قِبَلِنا، فإنَّا لا ندعو إلَّا إلى توحيدِ اللهِ، وإخلاصِ العبادةِ له، والإنابةِ إليه، وفي ذلك منتهى اليُمنِ والبَرَكةِ)
[2008] ((تفسير المراغي)) (22/152). .
4- وقال تعالى حاكيًا ما قاله قومُ صالحٍ لنبيِّهم عليه السَّلامُ:
قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ [النمل: 47] .
قال
القُرطبيُّ: (قولُه تعالى:
قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ أي: تشاءَمْنا. والشُّؤمُ: النَّحسُ. ولا شيءَ أضَرُّ بالرَّأيِ ولا أفسَدَ للتَّدبيرِ مِن اعتقادِ الطِّيَرةِ. ومَن ظَنَّ أنَّ خُوارَ بَقَرةٍ أو نَعيقَ غُرابٍ يَرُدُّ قضاءً، أو يدفَعُ مقدورًا، فقد جَهِل)
[2009] ((الجامع لأحكام القرآن)) (13/214). .
(وأجاب صالحٌ كلامَهم بأنَّه ومَن معه ليسوا سَبَبَ شُؤمٍ، ولكِنْ سَبَبُ شُؤمِهم وحلولِ المضارِّ بهم هو قُدرةُ اللهِ)
[2010] ((التحرير والتنوير)) للطاهر بن عاشور (19/281). .
قال
الرَّازيُّ: (ثمَّ بَيَّن أنَّ هذا جَهلٌ منهم، بقَولِه:
بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ، فيحتَمِلُ أنَّ غيرَهم دعاهم إلى هذا القَولِ، ويحتَمِلُ أن يكونَ المرادُ أنَّ الشَّيطانَ يَفتِنُكم بوسوستِه)
[2011] ((مفاتيح الغيب)) (24/560). .