أ- مِنَ القُرآنِ الكريمِ
لمَّا كان الحَذَرُ واليَقَظةُ والحَيطةُ مَطالِبَ إيمانيَّةً وحاجاتٍ بشريَّةً ضروريَّةً، لا غنى للإنسانِ عنها قديمًا وحديثًا ومُستقبلًا؛ لأنَّها بمثابةِ الأمنِ الوِقائيِّ للإنسانِ- فقد أولاها القرآنُ اهتمامًا خاصًّا من خلالِ سُوَرِه وآياتِه.
1- قال تعالى في كَشفِ كَيدِ الشَّيطانِ الذي يسعى جاهِدًا لصَرفِ الإنسانِ عن إيمانِه، وفتنتِه عن دينِه، ولافتًا لوجوبِ أخذِ الحَيطةِ، والحَذَرِ لمواجَهةِ كَيدِه:
يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ [الأعراف: 27] .
قال
ابنُ كثيرٍ: (يقولُ تعالى محَذِّرًا بني آدَمَ من إبليسَ وقبيلِه، ومُبَيِّنًا لهم عداوتَه القديمةَ لأبي البَشَرِ آدَمَ، عليه السَّلامُ، في سَعْيه في إخراجِه من الجنَّةِ التي هي دارُ النَّعيمِ، إلى دارِ التَّعَبِ والعَناءِ، والتَّسبُّبِ في هَتكِ عَورتِه بعدما كانت مستورةً عنه، وما هذا إلَّا عن عداوةٍ أكيدةٍ)
[2926] ((تفسير القرآن العظيم)) (3/402). .
(فاحذَروا أن تفتَتِنوا بوَسْوستِه فتُعاقَبوا، كما فَتَن أبَويكم آدَمَ وحوَّاءَ، فأخرَجَهما من الجنَّةِ بسَبَبِ اتِّباعِهما إيَّاه، بعدَ ما تسَبَّب في نزعِ لِباسِهما عنهما ليُريَهما عَوراتِهما)
[2927] ((التفسير الوسيط)) لمجموعة من المؤلفين (3/ 1402). .
2- وقال تعالى مُحَذِّرًا عبادَه منه سُبحانَه، وهو أدَقُّ وأخطَرُ ما ينبغي أن يحتاطَ المُسلِمُ له ويحذَرَه، فيبقى يَقِظًا منتَبِهًا خوفَ مخالفةِ هذا الأمرِ الجليلِ:
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ [البقرة: 235] .
قال
السَّعديُّ: (
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أي: فانووا الخيرَ، ولا تَنووا الشَّرَّ؛ خوفًا من عقابِه، ورَجاءً لثوابِه)
[2928] ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 105). .
3- وقال تعالى داعيًا عبادَه إلى اليَقَظةِ في كافَّةِ أعمالِهم، والحَذَرِ من جنايتِهم على أنفُسِهم بالقبيحِ من القَولِ والفِعلِ:
يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران: 30] .
قال
السَّعديُّ: (
يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا أي: كاملًا موفَّرًا لم ينقُصْ مثقالَ ذَرَّةٍ، كما قال تعالى:
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، والخيرُ: اسمٌ جامعٌ لكُلِّ ما يُقَرِّبُ إلى اللَّهِ من الأعمالِ الصَّالحةِ صغيرِها وكبيرِها، كما أنَّ السُّوءَ اسمٌ جامِعٌ لكُلِّ ما يسخِطُ اللَّهَ من الأعمالِ السَّيِّئةِ صغيرِها وكبيرِها،
وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا، أي: مسافةً بعيدةً؛ لعِظَمِ أسَفِها وشِدَّةِ حُزنِها، فلْيَحذَرِ العبدُ من أعمالِ السُّوءِ التي لا بُدَّ أن يحزَنَ عليها أشَدَّ الحُزنِ، ولْيترُكْها وقتَ الإمكانِ قبلَ أن يقولَ:
يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ. ولِيَجمَعَ لنا بَيْنَ التَّرغيبِ الموجِبِ للرَّجاءِ والعَمَلِ الصَّالحِ، والتَّرهيبِ الموجِبِ للخَوفِ وتَركِ الذُّنوبِ، فقال:
وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ، فنَسألُه أن يمُنَّ علينا بالحَذَرِ منه على الدَّوامِ؛ حتَّى لا نفعَلَ ما يُسخِطُه ويُغضِبُه
[2929] يُنظَر: ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 128). .
4- وقال تعالى مُبَيِّنًا ما يجِبُ على المُسلِمِ في احتياطِه لأمرِ دينِه، وذلك بأن يكونَ يَقِظًا في البُعدِ عمَّا نهى اللَّهُ سُبحانَه عنه، حريصًا على وجودِ مَسافةٍ كافيةٍ بَينَه وبينَ الوُقوعِ في شَرَكِ المعصيةِ:
تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة: 187] .
(أي: تلك الأشياءُ التي مُنِعْتُم عنها إنَّما مُنِعْتُم عنها بمنعِ اللَّهِ ونهْيِه عنها؛ فلا تَقْرَبوها)
[2930] ((مفاتيح الغيب)) للرازي (5/ 278). .
وقال
السَّعديُّ: (جَعَل اللَّهُ التَّحَرُّزَ والبُعدَ عن الموبقاتِ المُهلِكةِ، والحَذَرَ من وسائِلِها: طريقًا سهلًا هَيِّنًا لتَرْكِها)
[2931] ((تيسير اللطيف المنان)) (2/ 353). .
5- وقال تعالى مُنَبِّهًا المُؤمِنين على ضرورةِ التَّيقُّظِ لخِداعِ المُنافِقين وحلاوةِ منطوقِهم، وأخذِ الحَذَرِ والحَيطةِ من خُبْثِهم ومَكْرِهم:
وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المُنافِقون: 4] .
قال
الطَّبَريُّ: (قَولُه:
يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ يقولُ جَلَّ ثناؤه: يحسَبُ هؤلاء المُنافِقون من خُبثِهم وسُوءِ ظَنِّهم، وقِلَّةِ يقينِهم، كُلَّ صَيحةٍ عليهم؛ لأنَّهم على وَجَلٍ أن يُنزِلَ اللَّهُ فيهم أمرًا يَهتِكُ به أستارَهم ويفضَحُهم، ويُبيحُ للمُؤمِنين قَتْلَهم وسَبْيَ ذراريِّهم، وأخذَ أموالِهم، فهم من خَوفِهم من ذلك كلَّما نَزَل بهم من اللَّهِ وَحيٌ على رَسولِه ظنُّوا أنَّه نَزَل بهلاكِهم وعَطَبِهم. يقولُ اللَّهُ جَلَّ ثناؤه لنَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: هم العَدُوُّ -يا محمَّدُ- فاحذَرْهم؛ فإنَّ ألسِنَتَهم إذا لقوكم معكم، وقلوبُهم عليكم مع أعدائِكم، فهم عَينٌ لأعدائِكم عليكم)
[2932] ((جامع البيان)) (22/653). .