المطلبُ الخامسُ: مُنكَرٌ ونَكيرٌ
وهما المَلَكانِ الموكَّلانِ
بفِتنةِ القَبرِ وسُؤالِ العَبدِ عن رَبِّه ودينِه ونَبيِّه؛ لحديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((إِذَا قُبِرَ الْمَيِّتُ -أوْ قَالَ: أحَدُكُمْ- أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ، يُقَالُ لَأحَدِهِمَا الْمُنْكَرُ وَالآخَرُ النَّكِيرُ، فَيَقُولَانِ: مَا كُنْتَ تَقُولُ في هَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ مَا كَانَ يَقُولُ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولَانِ: قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ هَذَا... وَإِنْ كَانَ مُنَافِقًا قَالَ: سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ فَقُلْتُ مِثْلَهُ، لَا أَدْرِى، فَيَقُولَانِ: قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ ذَلِك )) [3740] أخرجه مطولًا الترمذي (1071) واللَّفظُ له، والبزار (8462)، وابن حبان (3117). صححه ابن حبان، وابن قتيبة في ((تأويل مختلف الحديث)) (294)، وحسنه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (1071)، وشعيب الأرناؤوط في ((تخريج شرح السنة)) (5/416)، وقال الترمذي: حسن غريب. .
قال
أحمَدُ بنُ حَنبَلٍ ذاكِرًا أُصولَ السُّنَّة التي يجب التمَسُّكُ بها: (الإيمانُ بعَذابِ القَبرِ، وأنَّ هذه الأُمَّةَ تُفتَنُ في قُبورِها وتُسأَلُ عن الإيمانِ والإسلامِ، ومَن رَبُّه، ومن نَبِيُّه، ويأتيه
مُنكَرٌ ونَكيرٌ كيف شاء وكيف أراد، والإيمانِ به والتصديقِ به)
[3741] يُنظر: ((أصول السنة)) (ص: 30). .
وقال أحمدُ بنُ القاسِمِ ل
أحمدَ بنِ حَنبَلٍ: (قلتُ: يا
أبا عبدِ اللهِ، تُقِرُّ ب
مُنكَرٍ ونكيرٍ وما يُروى من عَذابِ القَبرِ؟ فقال: نَعَمْ. سُبحانَ اللهِ! نُقِرُّ بذلك ونقولُه. قلتُ: هذه اللَّفظةُ
مُنكَرٌ ونَكيرٌ، تقولُ هذا، أو تقولُ مَلَكَينِ؟ قال: نقولُ:
مُنكَرٌ ونكيرٌ، وهما مَلَكانِ)
[3742] يُنظر: ((طبقات الحنابلة)) لابن أبي يعلى (1/ 55). .
وقال عبَّاسُ بنُ مشكويهِ في مناظرتِه للخليفةِ الواثِقِ في كَونِ القُرآنِ غَيرَ مَخلوقٍ: (فقال لي يعني الواثِقَ: وما السُّنَّةُ والجماعةُ؟ قُلتُ: سألتُ عنها العُلَماءَ فكُلٌّ يخبرُ ويقولُ: إنَّ صِفةَ المُؤمِنِ مِن أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ أن يقولَ العَبدُ مخلِصًا: لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَه لا شريكَ له، وإنَّ مُحمَّدًا عَبدُه ورَسولُه... والإيمانُ بالبَعثِ والنُّشورِ وعَذابِ القَبرِ، و
مُنكَرٍ ونَكيرٍ، والصِّراطِ والميزانِ...)
[3743] يُنظر: ((الإبانة الكبرى)) لابن بطة (6/ 286). .
وقال ابنُ أبي عاصمٍ: (الأخبارُ التي في المساءَلةِ في القَبرِ
مُنكَر ونَكير أخبارٌ ثابتةٌ تُوجِبُ العِلمَ، فنرغَبُ إلى الله أن يُثَبِّتَنا في قُبورِنا عند مسألةِ
مُنكَرٍ ونَكيرٍ بالقَولِ الثَّابِتِ في الحَياةِ الدُّنيا وفي الآخِرةِ)
[3744] يُنظر: ((السنة)) (2/ 419). .
وقال
الطحاوي: (ونؤمِنُ بمَلَكِ الموتِ الموَكَّلِ بقَبضِ أرواحِ العالَمينَ، وبعَذابِ القَبرِ لِمن كان له أهلًا، وسؤالِ
مُنكَرٍ ونكيرٍ في قَبْرِه عن رَبِّه ودِينِه ونَبِيِّه، على ما جاءت به الأخبارُ عن رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وعن الصَّحابةِ رضوانُ اللهِ عليهم. والقَبرُ رَوضةٌ مِن رياضِ الجَنَّةِ، أو حُفرةٌ مِن حُفَرِ النِّيرانِ)
[3745] يُنظر: ((متن الطحاوية)) (ص: 71). .
وقال
أبو الحسَنِ الأشعريُّ: (نؤمِنُ بعَذابِ القَبرِ، و
مُنكَرٍ ونَكيرٍ عليهما الصَّلاةُ والسَّلامُ، ومُساءَلَتِهما المدفونينَ في القبورِ)
[3746] يُنظر: ((الإبانة عن أصول الديانة)) (ص: 31). .
وقال
البَرْبَهاري: (والإيمان بعَذابِ القَبْرِ، و
مُنكَرٍ ونكيرٍ)
[3747] يُنظر: ((شرح السنة)) (ص: 43). .
وقال أبو بكرٍ الإسماعيليُّ ذاكِرًا مُعتَقَدَ أهلِ الحَديثِ: (ويؤمِنون بمسألةِ
مُنكَرٍ ونَكيرٍ)
[3748] يُنظر: ((اعتقاد أئمة الحديث)) (ص: 70). .
وقال
ابنُ عبدِ البَرِّ: (أمَّا قَولُه:
((إنَّكم تُفتَنون في قبورِكم)) فإنَّه أراد فِتنةَ المَلَكينِ
مُنكَرٍ ونكيرٍ حين يسألانِ العبدَ: مَن ربُّك؟ وما دينُك؟ ومن نبيُّك؟ فالآثارُ بذلك مُتواتِرةٌ، وأهلُ السُّنَّةِ والجَماعةِ -وهم أهلُ الحَديثِ والرَّأيِ في أحكامِ شَرائِعِ الإسلامِ- كُلُّهم مُجمِعون على الإيمانِ والتَّصديقِ بذلك، إلَّا أنهم لا يتكَلَّفون فيه شيئًا، ولا يُنكِرُه إلَّا أهلُ البِدَعِ)
[3749] يُنظر: ((الاستذكار)) (2/ 423). .
وقال
ابنُ قُدامةَ: (
فِتنةُ القَبرِ حَقٌّ، وسُؤالُ
مُنكَرٍ ونَكيرٍ حَقٌّ)
[3750] يُنظر: ((لمعة الاعتقاد)) (ص: 31). .
وقال ابنُ العطَّار: (يجِبُ الإيمانُ بالمَلائِكةِ جَميعِهم، وبالكِرامِ الكاتِبين، وأنَّ اللهَ تعالى قد جعلهم علينا حافِظين. وبسؤالِ
مُنكَرٍ ونَكيرٍ الميِّتَ في قَبرِه عن رَبِّه ودِينِه ونِبِيِّه، على ما جاءت به الأخبارُ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وعن أصحابِه رَضِيَ اللهُ عنهم أجمعينَ)
[3751] يُنظر: ((الاعتقاد الخالص)) (ص: 256). .
وقال
ابنُ تَيمِيَّةَ: (فأمَّا أحاديثُ عَذابِ القَبرِ ومَسألةُ
مُنكَرٍ ونكيرٍ فكَثيرةٌ مُتواتِرةٌ عن النَّبيّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)
[3752] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (4/ 285). .
وقال أيضًا: (يجِبُ الإيمانُ بالمَلائِكةِ والنَّبيّين، ويُؤمِنُ بكُلِّ ما أخبر به الرَّسولُ؛ مِثلُ:
مُنكَرٍ ونَكيرٍ، و
الحُورِ العِينِ، والوِلْدانِ، وغَيرِ ذلك)
[3753] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (1/ 295). .
وقال السفاريني: (أمورُ ما بعدَ الموتِ؛ منها سُؤالُ
مُنكَرٍ ونَكيرٍ... من الأمورِ المهولةِ العَجيبةِ والأشياءِ الصَّعبةِ الغريبةِ؛ فإنَّه حَقٌّ لا يُرَدُّ. (منها) سُؤالُ الملَكينِ
مُنكَرٍ ونَكيرٍ؛ فالإيمانُ بذلك واجِبٌ شَرعًا)
[3755] يُنظر: ((لوامع الأنوار البهية)) (2/ 5). .
وقال
السعديُّ في تفسيرِ قَولِ اللهِ تعالى:
يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ [الفرقان: 22] : (لا يَرَونَها مع استمرارِهم على جُرْمِهم وعنادِهم إلَّا لعُقوبتِهم وحُلولِ البَأْسِ بهم، فأوَّلُ ذلك عند الموتِ إذا تنَزَّلت عليهم المَلائِكةُ... ثمَّ في القَبرِ حيثُ يأتيهم
مُنكَرٌ ونَكيرٌ، فيَسألُهم عن رَبِّهم ونَبيِّهم ودِينِهم، فلا يجيبونَ جَوابًا يُنجِيهم، فيُحِلُّون بهم النِّقْمةَ، وتَزولُ عنهم بهم الرَّحمةُ...)
[3756] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 581). .
وقال
حافِظٌ الحكَميُّ في أقسامِ المَلائِكة: (منهم الموكَّلون بفتنةِ القَبرِ، وهم
مُنكَرٌ ونَكيرٌ)
[3757] يُنظر: ((معارج القبول)) (2/ 665). .