المَطلَبُ الخامِسُ: هل يُوصَفُ المَلائِكةُ بالذُّكورةِ أو الأُنوثةِ؟
ضلَّ مُشرِكو العَرَبِ حين زعموا أنَّ المَلائِكةَ إناثٌ، وأنها بناتُ اللهِ.
قال اللهُ عزَّ وجلَّ:
وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ [الزخرف: 19] .
قال
السَّمعاني: (معناه: أحَضَروا خَلْقَهم فعَرَفوا أنهم خُلِقوا إناثًا؟)
[3817] يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (5/ 96). .
وقال
ابنُ كثيرٍ: (أخبر تعالى عنهم أنَّهم جعَلوا المَلائِكةَ الذين هم عبادُ الرَّحمنِ إناثًا، وجَعَلوها بناتِ اللهِ، وعَبَدوها معه، فأخطَؤُوا خَطَأً كبيرًا)
[3818] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (4/ 577). .
قال
سَعيدُ بنُ المسَيِّبِ: (المَلائِكةُ عليهم السَّلامُ ليسوا بذُكورٍ ولا إناثٍ، ولا يتوالدون، ولا يأكُلون ولا يَشرَبونَ)
[3819] يُنظر: ((ربيع الأبرار ونصوص الأخيار)) للزمخشري (1/ 308)، ((فتح الباري)) لابن حجر (6/ 306). .
وقال
ابنُ حجر: (إنَّ المَلائِكةَ ليسوا ذُكورًا ولا إناثًا)
[3820] يُنظر: ((فتح الباري)) (8/ 298). .
وقال
علي القاري عن المَلائِكةِ: (عبادٌ مُكرَمون، لا يَسبِقونَه بالقَولِ وهم بأمْرِه يَعمَلون، وأنَّهم معصومون ولا يَعصُون اللهَ، ومُنَزَّهون عن صفةِ الذُّكُوريَّةِ، ونَعْتِ الأُنوثيَّةِ، وقد أنكر اللهُ في كتابه على من قال إنَّهم بناتُ اللهِ؛ حيث قال:
وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ [الزخرف: 19] ، وقال:
أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [الصافات: 153-154] )
[3821] يُنظر: ((شرح الفقه الأكبر)) (ص: 27). .
فوَصفُ المَلائِكةِ بالأنوثةِ كُفرٌ، وفيه تكذيبٌ بالقُرآنِ الكريمِ، أمَّا وَصْفُهم بالذُّكوريَّةِ فلم يَرِدْ صَراحةً في الكتابِ أو السُّنَّةِ، وقد قال به بعضُ العُلَماءِ.
قال أبو مجلزٍ عن المَلائِكةِ: (إنَّهم ذُكرانٌ ليسوا بإناثٍ)
[3822] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/ 220). .
وقال أيضًا: (المَلائِكةُ ذُكورٌ)
[3823] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/221). .
وقال الفَرَّاءُ: (قَولُه:
لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ المعَقِّباتُ: المَلائِكةُ.. والمعَقِّباتُ: ذُكرانٌ إلَّا أنَّه جميعُ جَمعِ مَلائِكةٍ مُعَقِّبةٍ، ثم جُمِعَت مُعَقِّبة، كما قال: أبْناواتُ سَعدٍ، ورجالاتٌ جمعُ رِجالٍ. ثمَّ قال عَزَّ وجَلَّ:
يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ فرجع إلى التذكيرِ الذي أخبَرْتُك، وهو المعنى)
[3824] يُنظر: ((معاني القرآن)) (2/60). .
وقال
الرازي في تفسيرِ قَولِه تعالى:
لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [الرعد: 11] : (في الآيةِ سُؤالاتٌ:
السُّؤالُ الأوَّلُ: المَلائِكةُ ذُكورٌ، فلِمَ ذُكِرَ في جمعِها جمعُ الإناثِ وهو المعَقِّباتُ؟
والجوابُ: فيه قَولانِ:الأوَّلُ: قال الفَرَّاءُ: المعَقِّباتُ ذُكرانٌ جَمعُ مَلائِكةٍ مُعَقِّبة، ثم جُمِعَت مُعَقِّبة بمُعَقِّبات، كما قيل: أَبْناواتُ سَعدٍ ورِجالاتُ بَكرٍ، جمعُ رِجالٍ، والذي يدُلُّ على التذكيرِ قَولُه:
يَحْفَظُونَهُ.
والثَّاني: وهو قَولُ الأخفَشِ: إنَّما أُنِّثَت لكثرةِ ذلك منها، نحو: نَسَّابة، وعَلَّامة، وهو ذَكَرٌ)
[3825] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (19/17). .
وقال أيضًا: (وَصَف عذابَ هؤلاء الكُفَّارِ من وجهٍ آخَرَ، فقال:
الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ المَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قرأ
حمزةُ:
يَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ بالياءِ؛ لأنَّ المَلائِكةَ ذُكورٌ، والباقون بالتَّاءِ للَّفْظِ)
[3826] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (20/199). .
وقال
ابنُ باز: (المَلائِكةُ ذُكورٌ وليسوا إناثًا)
[3827] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (8/ 424). .
وقال أيضًا: (أمَّا وَصْفُهم بالأنوثةِ فهذا مُنكَرٌ وكُفرٌ وضَلالٌ، وقد أنكره اللهُ على المُشرِكين، وقال سُبحانَه رادًّا عليهم:
وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ [الزخرف: 19] . وأمَّا وَصْفُهم بالذكورةِ فقد وصفهم اللهُ بذلك في جميعِ الآياتِ التي ساقها في كتابِه العظيمِ في شأنِ المَلائِكِة؛ وصفهم بالذُّكورةِ لا بصِفاتِ الإناثِ؛ ولهذا أنكر على المُشرِكين وَصْفَهم بصفاتِ الإناثِ، وجاء من جاء منهم في تشَكُّلِه في صُوَرِ الرِّجالِ، كما جاء جبرائيلُ حين يسألُ بصُورةِ رَجُلٍ أعرابيٍّ، عليه ثيابٌ بِيضٌ، لا يُرى عليه أثَرُ السَّفَرِ، ولا يعرِفُه من الصَّحابةِ أحدٌ. فيه بياضُ الثيابِ، فيه سوادُ الشَّعرِ
[3828] أخرجه مسلم (8) من حديثِ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضِيَ الله عنه ولفظُه: ((... إذ طَلَع علينا رجلٌ شديدُ بياضِ الثِّيابِ شَديدُ سَوادِ الشَّعرِ، لا يرى عليه أثَرُ السَّفَرِ ولا يعرِفُه منا أحدٌ..)). ، وهكذا لَمَّا جاء يومَ بَدرٍ
[3829] أخرجه البخاري (3995) من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عنهما ولفظُه: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال يومَ بدرٍ: ((هذا جبريلُ آخذٌ برأسِ فَرَسِه، عليه أداةُ الحَربِ)). ، وهكذا جاءت المَلائِكةُ... وهكذا جاء في صُورةِ دِحْيَةَ بنِ خَليفةَ الكَلبيِّ
[3830] أخرجه البخاري (4980)، ومسلم (2541) من حديثِ أُسامةَ بنِ زيدٍ رَضِيَ الله عنهما. ... المقصودُ أنهم يأتون ويتشَكَّلون بصُوَرِ الرِّجالِ لا بصُوَرِ النِّساءِ، وهم موصوفون بصفاتِ الرِّجالِ، بصِفاتِ الذُّكورةِ لا بصفاتِ الإناثِ، ولكِنْ لا يعلَمُ كيفيَّةَ خَلْقِهم وصِفةَ خَلْقِهم وحقيقةَ خَلْقِهم إلَّا هو سُبحانَه وتعالى؛ فتفصيلُ خَلْقِهم وما هم عليه، هو اللهُ الذي يعلَمُه)
[3831] يُنظر: ((الموقع الرسمي لابن باز- التعليقات على ندوات الجامع الكبير - الإيمان بالملائكة)). .