المَطلَبُ الثَّاني: حالُ الكافِرِ أوِ الفاجِرِ عِندَ الاحتِضارِ
الكافِرون والمُفرِّطونُ في أمرِ اللَّهِ تعالى يَسألونَ اللَّهَ عزَّ وجَلَّ حالَ
الاحتِضارِ الرَّجْعةَ إلَى الحَياةِ الدُّنيا؛ ليُصلِحوا ما كانوا قَد أفسَدوه في مُدَّةِ حَياتِهم الدُّنيا.
قال اللهُ تعالى عنهم:
حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون: 99، 100].
قال
ابنُ جَريرٍ: (يَقولُ تعالى ذِكرُه: حَتَّى إذا جاءَ أحَدَ هَؤُلاءِ المُشرِكينَ المَوتُ، وعايَن نُزولَ أمرِ اللَّهِ به، قال لِعَظيمِ ما يُعايِنُ، مِمَّا يَقْدَمُ عليه من عَذابِ اللَّهِ تَندُّمًا على ما فاتَ، وتَلهُّفًا على ما فرَّطَ فيه قَبلَ ذلك من طاعةِ اللَّهِ ومَسألَتِه لِلإقالةِ:
رَبِّ ارْجِعُونِ إلى الدُّنيا فرُّدوني إليها،
لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا، يقول: كي أعمَلَ صالحًا
فِيمَا تَرَكْتُ قبل اليومِ، مِنَ العَمَلِ، فضيَّعتُه، وفرَّطتُ فيه)
[1446] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/ 106). .
وقال
الشِّنقيطيُّ: (قَولُه تعالى
حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا [المؤمنون: 99-100]، وما تَضَمَّنَتْه هَذِه الآيةُ الكَريمةُ من أنَّ الكافِرَ والمُفَرِّطَ في عَمَلِ الخَيرِ إذا حَضَرَ أحَدَهما المَوتُ طَلَبا الرَّجْعةَ إلَى الحَياةِ؛ ليَعمَلا العَمَلَ الصَّالِحَ الَّذي يُدخِلُهما الجَنةَ، ويَتَدارَكا به ما سَلَف مِنهما مِنَ الكُفرِ والتَّفريطِ، وأنَّهما لا يُجابانِ إلَى ذلك، كَما دَلَّ عليه حَرفُ الزَّجْرِ والرَّدعُ الَّذي هو
كَلَّا، جاءَ موضَّحًا في مَواضِعَ أخَرِ)
[1447] يُنظر: ((أضواء البيان)) (5/ 354). .
قال اللهُ سُبحانَه:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المنافقون: 9-11] .
قال
ابنُ جريرٍ: (يقولُ تعالى ذِكْرُه:
وَأَنْفِقُوا أيُّها المؤمِنون باللهِ ورَسولِه، من الأموالِ التي رزَقْناكم
مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ إذا نزل به الموتُ: يا رَبِّ هَلَّا أخَرْتَني، فتُمْهِلَ لي في الأجَلِ
إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ يقولُ: فأزكِّيَ مالي،
وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ أعمَلُ بطاعتِك وأؤدِّي فرائِضَك، وقيل: عَنى بقَولِه
وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ وأحُجُّ بَيتَك الحَرامَ)
[1448] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/ 671). .
وحينَ تَنزِلُ عليهم الملائِكةُ لقَبضِ أرواحِهم توبِّخُهم وتَضرِبُهم وتُبَشِّرُهم بالنَّارِ.
قال اللهُ تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا [النساء: 97] .
قال
السَّعديُّ: (هَذا الوعيدُ الشَّديدُ لِمَن تَركَ الهجْرةَ مَعَ قُدرَتِه عليها حَتَّى مات، فإنَّ المَلائِكةَ الَّذينَ يَقبِضونَ روحَه يوبِّخونَه بهَذا التَّوبيخِ العَظيمِ... وفي الآيةِ... الإيمانُ بالمَلائِكةِ ومَدحُهم؛ لِأنَّ اللَّهَ ساقَ ذلك الخِطابَ لَهم على وَجهِ التَّقريرِ والاستِحْسانِ مِنهم، وموافقَتِه لِمَحَلِّه)
[1449] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 195). .
وقال
ابنُ بازٍ: (أخبَرَ سُبحانَه في هَذِه الآيةِ أنَّ المَلائِكةَ تَقولُ لِمَن تُوُفِّي مِنَ المُسْلِمينَ في بلادِ الشِّركِ ولَم يُهاجِروا: ألم تَكُن أرضُ اللَّهِ واسِعةً فتُهاجِروا فيها؟ بَعدَما أخبَرَ سُبحانَه أنَّهم قَد ظَلَموا أنفُسَهم بإقامَتِهم بَينَ الكُفَّارِ وهم قادِرونَ على الهِجْرةِ)
[1450] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (9/ 299). .
وجاءَ عَنِ
ابنِ عِباسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهما أنَّ هَذِه الآيةَ قَد نَزَلَت في فريقٍ أسلَمَ، ولَم يُهاجِرْ، فأدرَكَه المَوتُ، أو قُتِلَ في صُفوفِ الأعداءِ
[1451] أخرجه البخاري (4596) ولفظه: عبد الرحمن أبو الأسود، قال: قُطِع على أهل المدينة بعثٌ، فاكتتبتُ فيه، فلقيتُ عِكرمةَ مولى ابنِ عَبَّاسٍ فأخبرته، فنهاني عن ذلك أشدَّ النهي، ثمَّ قال: أخبرني ابنُ عَبَّاسٍ أنَّ ناسًا من المسلمين كانوا مع المشركين يُكَثِّرون سوادَ المُشرِكين على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، يأتي السَّهمُ فيُرمى به، فيصيب أحدَهم فيَقتُلُه أو يُضرَبُ فيُقتَلُ، فأنزَلَ اللهُ: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ [النساء: 97] الآية. ، فإن الملائكةَ تُقَرِّع هؤلاء في حالِ
الاحتضارِ وتوَبِّخُهم، وتبَشِّرُهم بالنَّارِ.
وقال اللهُ تعالى عن توَفِّي الملائِكةِ للكَفَرةِ في معركةِ بَدرٍ:
وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ [الأنفال: 50-51] .
قال
ابنُ كَثيرٍ: (ولَو عايَنْتَ يا مُحَمَّدُ حالَ تَوَفِّي المَلائِكةِ أرواحَ الكُفَّارِ لَرَأيتَ أمرًا عَظيمًا هائِلًا فظيعًا مُنكَرًا؛ إذ يَضرِبونَ وُجوهَهم وأدبارَهم، ويَقولونَ لَهم: ذُوقوا عَذابَ الحَريقِ)
[1452] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (4/76). .
وقال أيضًا: (هَذا السِّياقُ -وإن كانَ سَبَبُه وقعةَ بَدرٍ -ولَكِنَّه عامٌّ في حَقِّ كُلِّ كافِرٍ؛ ولِهَذا لَم يَخْصُصْه تعالى بأهلِ بَدرٍ، بَل قال تعالى:
وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وفي سورةِ القِتالِ مِثلُها، وتَقَدَّمَ في سورةِ الأنعامِ عِندَ قَولِه:
وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمْ [الأنعام: 93] أي: باسِطو أيديهم بالضَّربِ فيهم، يأمُرونَهم إذا استَصَعَبتَ أنفُسُهم، وامتَنَعَت مِنَ الخُروجِ مِنَ الأجسادِ أن تَخرُجَ قَهْرًا، وذلك إذا بشَّروهم بالعَذابِ والغَضَبِ مِنَ اللَّهِ، كَما جاءَ في حَديثِ البَراءِ)
[1453] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (4/77). .
وقال اللهُ سُبحانَه:
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنزلُ مِثْلَ مَا أَنزلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ [الأنعام: 93] .
قال
ابنُ جَريرٍ: (هَذا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَناؤُه، عَمَّا تَقولُ رُسُلُ اللَّهِ الَّتي تَقبِضُ أرواحَ هَؤُلاءِ الكُفَّارِ لَها، يُخبرُ عَنها أنَّها تَقولُ لِأجسامِها ولِأصحابِها أخرِجوا أنفُسَكُم إلَى سَخَطِ اللَّهِ ولَعْنَتِه؛ فإنَّكُمُ اليَومَ تُثابونَ على كُفْرِكُم باللهِ، وقِيلِكُم عليه الباطِلَ، وزَعَمِكُم أنَّ اللَّهَ أوحَى إلَيكُم ولَم يُوحِ إلَيكُم شَيئًا، وإنذارِكُم أن يَكونَ اللَّهُ أنزَلَ على بَشَرٍ شَيئًا، واستِكبارِكُم عَنِ الخُضوعِ لِأمرِ اللَّهِ وأمرِ رَسولِه، والانقيادِ لِطاعَتِه- عَذابَ الهُونِ، وهو عَذابُ جُهنَّمَ الَّذي يُهينُهم فيُذِلُّهم حَتَّى يَعرِفوا صَغارَ أنفُسِهم وذِلَّتَها)
[1454] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/183). .
وقال
ابنُ القَيِّمِ: (فقَولُ الملائِكةِ:
الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ المرادُ به: عذابُ البَرْزخِ، الذي أوَّلُه يومُ القَبضِ والموتِ)
[1455] يُنظر: ((مفتاح دار السعادة)) (1/72). .
وقال اللهُ عزَّ وجلَّ:
وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ [الأنفال: 50-51] .
قال
ابنُ جَريرٍ: (ولَو تُعايِنُ يا مُحمَّدُ حينَ يَتَوفَّى المَلائِكةُ أرواحَ الكُفَّارِ فتَنزِعُها من أجسادِهم، تَضرِبُ الوُجوهَ مِنهم والأستاهَ، ويَقولونَ لَهم: ذُوقوا عَذابَ النَّارِ الَّتي تُحْرِقُكُم يَومَ وُرودِكُم جَهنَّمَ... ذُوقوا عَذابَ اللَّهِ الَّذي يُحْرِقُكُم، هَذا العَذابُ لَكُم بما قَدَّمَت أيديكُم، أي: بما كَسَبتْ أيديكُم مِنَ الآثامِ والأوزارِ، واجتَرَحتُم من مَعاصيِ اللَّهِ أيَّامَ حَياتِكُم، فذُوقوا اليَومَ العَذابَ، وفي مَعادِكُم عَذَابَ الحَريقِ)
[1456] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/16). .
وقال
ابنُ القَيِّمِ: (فهَذِه الإذاقةُ هيَ في البَرزَخِ وأوَّلُها حينَ الوفاةِ؛ فإنَّه مَعطوفٌ على قَولِه
يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وهو مِنَ القَولِ المَحذوفِ مَقُولُه؛ لِدَلالةِ الكَلامِ عليه كَنَظائِرِه، وكِلاهما واقِعٌ وقتَ الوَفاةِ)
[1457] يُنظر: ((مفتاح دار السعادة)) (1/72). .
قال
ابنُ كثيرٍ: (قد وردت أحاديثُ مُتواتِرةٌ في كيفيَّةِ احتِضارِ المؤمِنِ والكافِرِ)
[1458]يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (3/302). .
عَنِ البراءِ بْنِ عازِبٍ رَضيَ اللهُ عَنه قال: خَرَجنا مَعَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في جِنازةِ رَجُلٍ مِنَ الأنصارِ، فانتَهَينا إلَى القَبرِ، ولَمَّا يُلحَدْ، فجَلَسَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وجَلَسْنا حَولَه، كأنَّ على رُؤوسِنا الطَّيرَ، وفي يَدِه عودٌ يَنكُتُ في الأرضِ، فرَفعَ رأسَه، فقال:
((استَعيذُوا باللهِ من عَذابِ القَبرِ -مَرَّتينِ أو ثَلاثًا-))، ثُمَّ قال:
((... إنَّ العبْدَ المؤمِنَ إذا كانَ في انْقِطاعٍ مِنَ الدُّنْيا، وإقْبالٍ مِنَ الآخِرَةِ، نزَلَ إليه مَلائكةٌ مِنَ السَّماءِ بِيضُ الوُجوهِ، كَأنَّ وُجوهَهُمُ الشَّمْسُ، معَهُم كَفَنٌ من أَكْفانِ الجَنَّةِ، وحَنُوطٌ من حَنُوطِ الجَنَّةِ، حتَّى يَجْلِسوا مِنه مَدَّ البَصَرِ، ثمَّ يَجيءُ مَلَكُ المَوْتِ علَيه السَّلامُ، حتَّى يَجْلِسَ عندَ رَأْسِه، فيَقُولُ: أَيَّتُها النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ، اخْرُجي إِلى مَغْفرةٍ مِنَ اللهِ ورِضْوانٍ. فتَخْرُجُ تَسِيلُ كَما تَسِيلُ القَطْرةُ من فِي السِّقَاءِ، فيَأْخُذُها، فإذا أخَذَها لم يَدَعُوها في يَدِه طَرْفةَ عينٍ حتَّى يَأخُذوها، فيَجْعَلوها في ذَلِك الكَفَنِ، وفي ذَلِك الحَنُوطِ، ويَخْرُجُ مِنها كأَطْيبِ نَفْحةِ مِسْكٍ وُجِدَت على وَجْهِ الأَرْضِ. فيَصْعَدونَ بِها... وإنَّ العبدَ الكافِرَ إذا كان في انْقِطاعٍ مِنَ الدُّنيا، وإقبالٍ مِنَ الآخِرَةِ، نَزَل إليه من السَّماءِ مَلائكةٌ سُودُ الوُجوهِ، مَعَهمُ المُسُوحُ، فيَجْلِسونَ منه مَدَّ البَصَرِ، ثُمَّ يَجيءُ مَلَكُ المَوتِ حتَّى يَجْلِسَ عِندَ رَأسِه، فيَقولُ: أيَّتُها النَّفْسُ الخبيثةُ، اخْرُجي إلى سَخَطٍ من اللهِ وغَضَبٍ! فتَفَرَّقُ في جسَدِه، فيَنتَزِعُها كَما يُنتزع السَّفُّودُ مِنَ الصُّوفِ المَبْلولِ، فيَأْخُذُها، فإذا أخَذَها لَم يَدَعُوها في يَدِه طَرْفةَ عينٍ حتَّى يَجْعَلوها في تِلك المُسوحِ، ويَخْرُج مِنها كأنْتَنِ رِيحِ جِيفةٍ وُجِدَت على وَجهِ الأرضِ. فيَصْعَدونَ بها...)) [1459] أخرجه أبو داود (4753) بنحوه، والنسائي (2001)، وابن ماجه (1549) مختصرًا، وأحمد (18534) واللَّفظُ له. صحَّحَه القرطبي في ((التذكرة)) (119)، وابن القيم في ((الروح)) (1/269)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (4753)، وحسَّنه المنذريُّ في ((الترغيب والترهيب)) (280/4)، وابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (4/290)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (150). .
قال الطِّيبيُّ في معنى السَّفُّودِ: (هو الحَديدةُ الَّتي يُشوى بها اللَّحمُ، فيَبقَى مَعَها بَقيَّةٌ مِنَ المَحروقِ فيَستَصحِبُ عِندَ الجَذبِ شَيئًا من ذلك الصُّوفِ مَعَ قوَّةٍ وشِدَّةٍ، وبعَكسِه شَبَّه خُروجَ رُوحِ المُؤْمِنِ من جَسَدِه بتَرَشُّحِ الماءِ وسَيَلانِه مِنَ القِرْبةِ المَملوءةِ ماءً مَعَ سُهولةٍ ولُطفٍ)
[1460] يُنظر: ((شرح المشكاة)) (4/1381). .